العراق لذاته ولغيره

بايدن

سيكون العراق حاضرا في اجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن بزعماء دول المنطقة في السعودية (قادة دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والعراق والأردن) 16-17 يوليو/تموز المقبل.

زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط تبدو متأخرة بحسب المراقبين قياسا بجملة الأحداث والتطورات العالمية، ما يعدها بعضهم زيارة أملتها الظروف الملجئة نتيجة مخرجات الحرب الروسية على أوكرانيا التي جعلت بايدن يقفز على كل الخطوط الحمراء التي كان يتحدث عنها فلم يعد مكانا لسياسة النفط مقابل حقوق الانسان، فقد أصبح النفط والغاز والطاقة هاجس الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحرب الروسية على أوكرانيا.

بعض من الملفات الأخرى ستكون أطرافها دولا عديدة بقدر تعلقها بمنطقة الشرق الأوسط، وفي كل شأن من تلك الشؤون التي ستطرح في اجتماع الرياض سيكون للحالة العراقية وضع ما، سواء لذات العراق أم لغيره.

العراق وأمريكا.. ملفات مفتوحة

لم يحسم بعد ملف تشكيل الحكومة العراقية بل يزداد تعقيدا يوما بعد آخر مع حالة عدم قدرة الأطراف السياسية العراقية على تنفيذ مخرجات الانتخابات التي مر عليها عشرة أشهر، في مشهد يذكر بحالة الانتظار للحسم الأمريكي مع كل تأخر في تشكيل الحكومات العراقية التي تشكلت بعد الاحتلال عام 2003، ومما لا شك فيه ستكون هناك خيارات إقليمية ودولية في هذا الشأن ستأخذ دورها في اجتماع الرياض أو على هامشه.

ملف النفط والغاز والطاقة العراقية لا يقل أهمية عن الفكرة الأساسية للضرورة الملجئة لزيارة بايدن الى السعودية وقد تكون خصوصية العراق مختلفة كثيرا عن أطراف الاجتماع الأخرى. إذ ما زالت أمريكا تنظر إلى العراق نظرتها إلى بنود الاتفاقية الأمنية الأمريكية- العراقية 2008 التي تقيد وتحدد شكل الاتفاقيات العراقية الدولية سواء أمنيا أو اقتصاديا أو استراتيجيا. وليس بعيدا الموقف الأمريكي من عقود الحكومة العراقية للاستثمار التجاري والتبادل الاقتصادي مع الصين التي لم تمهل رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي كثيرا في منصبه. وهنا يكون ملف الطاقة والاستثمار والاقتصاد في دائرة الهدف الرئيسي من أهداف اللقاء.

ويأتي الجانب الأمني بثقله إلى طاولة الاجتماع، إذ ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ بعدد من القواعد العسكرية الفاعلة في العراق والقادرة على التأثير المباشر في قلب ميزان المعادلة الميدانية والأمنية، حاملة مشروعية تحركها من وجود الاتفاقية الأمنية الأمريكية- العراقية القابلة للاستدعاء استجابة لهشاشة الحالة الأمنية العراقية بل والإقليمية. وهنا نجد أن الأمر سوف لن يختلف كثيرا إذا ما احتجت السعودية على الولايات المتحدة الأمريكية عن تقصيرها بإسناد الرياض في مواجهتها لميليشيات الحوثي في اليمن والتحدى الذي أصبحت معه المنشآت والمصالح السعودية في المرمى. والاحتجاج هنا يأتي من أن الحرب على الإرهاب فكرة واحدة.

العراق والسعودية وتوازن الخليج وإيران

تزخر الحالة العراقية السعودية بجملة من الملفات المشتركة، منها ملف الحدود المتسع وما يخلقه من متناقضات في فترات مختلفة، وملف الطاقة، وملف العلاقات الاجتماعية التاريخية، فلا يعتقد أن اجتماعا على مستوى الاجتماع المرتقب سيتجاوز هذه الملفات مع خصوصية حضور الجانبين العراقي والسعودي ومتابعة ما يجري اليوم من مناورات بين القوات البرية السعودية ونظيرتها العراقية في المنطقة الشمالية للمملكة لتمكين الجانبين من التعامل مع منظومات القيادة والسيطرة بمختلف أنواعها وإجراءات التدخل السريع للتعامل مع الأحداث وإبرام اتفاقيات أمنية، وإقامة تدريبات مشتركة لتعزيز التعاون الأمني.

يمارس العراق أيضا دورا -بحسب ما هو معلن- في وساطة لتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران في بعض الملفات الخلافية بينهما سواء في العراق أو اليمن. هذا ما كان واضحا من زيارتين متتاليتين لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لكل من السعودية وإيران، إذ لقاء قمة السعودية بحضور (بايدن) على الأبواب والعراق أحد أطرافه. يدعم ذلك تصريح مصادر قريبة أن زيارة الكاظمي إلى السعودية وإيران ناقشت جدول أعمال قمة الرياض، والتأكيد على أن العراق لن يكون مع محور آخر، إقليميا كان أو دوليا، ما يعطي إشارة إلى أن العراق يخشى من أي انعكاسات سلبية مضاعفة على الداخل العراقي بسبب الصراع والخلاف الإقليمي.

العراق والأردن ومصر.. ملفات مشتركة أيضا

لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عن جوهر ورعاية لقاءات العراق ومصر والأردن خلال العامين الماضيين من خلال أربع قمم مشتركة بدأت بالقاهرة 2019 وقادت إلى تشكيل مجلس مشترك للدول الثلاث. والثانية بالولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2019، والثالثة في عمان 2020، والرابعة في بغداد 2021. اتخذت من الطاقة والتجارة والاستثمار عنوانا لها، فيما بات يُطلق على تحالف الأردن والعراق ومصر اسم “الشام الجديد”، الوليد من فكرة الشرق الأوسط الجديد وربما النظام العالمي الجديد الذي تريد الولايات المتحدة قيادته.

إنشاء خطوط لنقل النفط والغاز من العراق إلى منطقة خليج العقبة الأردنية على البحر الأحمر ومنها إلى مصر ثم إلى الأسواق النهائية مع الشريك الأمريكي المتتبع لخطوط النفط والغاز. مشروع لا يمكن اختزاله بما يسمى “الشام الجديد” وقد استضافت مدينة العقبة الأردنية قمة (أردنية مصرية عراقية) مضاف إليها الجانب الإماراتي قبيل جولة مهمة قام بها وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأوسط في حينها، وكان قد سبق كل ذلك لقاء ثلاثي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي والشيخ محمد بن زايد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في شرم الشيخ. الأمر الذي يعطي إشارة واضحة أن لقاء القمة في السعودية بحضور بايدن يُنتظر منه تقديم خلاصات مهمة لما تم إنجازه في هذا الملف العابر لما كان يسمى بالخطوط الحمراء، والعابر أيضا لفكرة المشروع الاقتصادي العالمي، إلى تشكيل فكرة النموذج السياسي الذي سيحكم المنطقة وربما العالم.

العراق وتركيا.. الحدود والمياه والطاقة

تعد تركیا قوة إقلیمیة كبرى بثقلھا السیاسي والاقتصادي والأمني في منطقة الشرق الأوسط ، ومع العراق ثقافة مشتركة، ومصالح استراتیجیة مھمة، تفرضها الجغرافيا والتاريخ.

خطوط التجارة وخطوط النفط والماء واتفاقات مكافحة التنظيمات الإرهابية التي يعاني منها البلدان. ملف الأقليات المشتركة بين البلدين دون الخوض بتفصيلاتها تفرض سلطانها على طبيعة العلاقات أيضا. كلها عوامل لا شك أن استدعاءها سيكون أمرا حتميا في أي اجتماع تكون الولايات المتحدة والعراق طرفين فيه خصوصا إذا ما كان المعلن في اجتماع قمة الرياض هو بحث ملفات الطاقة ورسم حدود العلاقات مع الشرق الأوسط في ظل متغير مرتقب في شكل النظام الدولي.

علاقات متفاوتة في الأهمية لكن بالقطع سيكون للجغرافيا العراقية أثر فيها، وقد يكون الاحتلال الامريكي للعراق جاء في أصل منه، لتطويع تلك الجغرافيا لصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي تحرص اليوم لإرضاء الحليف القوي في (الناتو) وضبط إيقاع حركة الحلف في مناطق التماس العالمي، حيث لا يمكن فصل ملفات أزمة الطاقة الساخنة وربما المشتعلة عالميا. عن أعمال قمة السعودية، فحضور (بايدن) هذه القمة وفق ما يرى كثيرون كان خياره الوحيد مرغما لتدارك عجزه وتأخره في الحسم بعد الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الغاز ودخول الصين وروسيا إلى ملعب الطاقة والاستثمار الأمريكي لعقود من الزمن.

خيارات عالمية صعبة لأمريكا والشرق الأوسط.. صعبة على العرب ممثلين بدول القمة المرتقبة في الرياض، صعبة أيضا على أوربا بموقفها الرجراجة، فكيف بروسيا والصين اللتين لوحتا في أكثر من مناسبة أن الحرب العالمية الثالثة قائمة، في تصريحات يقرؤها المراقبون أنها ما زالت في دائرة التهديد لا أكثر، وأن خطوط النفط والغاز البرية والبحرية سيرسمها القادر على جمع الأطراف وتفريقها؛ فهل ينتظر من اجتماع (بايدن) في الرياض القدرة على الفعل حقا؟

المصدر : الجزيرة مباشر