اللاجئون.. كيف يتسبب الغرب في الأزمة ويتباكى عليها؟

جون كيري

تتضاعف أعداد اللاجئين في العالم بشكل غير مسبوق من سنة إلى أخرى على مدار عقود، ومع تصاعد التوترات الدولية -التي تقف وراءها مطامع ومصالح وأيديولوجيات- وتفاقم المشكلات الاقتصادية، تصبح الأرقام مرشحة للزيادة، وهذا ما يحذر منه باستمرار مسؤولون أمميون.

الدوران في حلقة مفرغة

من المسؤول عن أزمة اللاجئين في العالم؟! سؤال مطروح، ويتكرر مع كل تفاقم في أعداد اللاجئين والنازحين، ورغم أن إجابته معلومة فإنها تظل أو يراد لها أن تكون تائهة أو متوارية.

في أزمة اللاجئين يدور العالم في حلقة مفرغة؛ فيُسلَّط الضوءُ عمدا على جانب من الأزمة، يركز فقط على بعض صور المعاناة، كنوع من التعاطف مع الضحية، دون الاقتراب من “الجلاد” المسبب الحقيقي، الذي يقف وراء كثير من أزمات العالم، ويحمل أوزارها، وفي نفس الوقت يتباكى عليها ويشكو منها.

ونظرا لأن مشكلة اللاجئين أصبحت لازمة من لوازم النظام الدولي في العصر الحديث؛ فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول عام 2000 قرارا يقضي بالاحتفال سنويا باليوم العالمي للاجئين في العشرين من يونيو/ حزيران من كل عام ابتداءً من عام 2001، وهو ما يوافق يوم اللاجئ الأفريقي، والذكرى الخمسين لاتفاقية عام 1951المتعلقة بمركز اللاجئين؛ وذلك للتعريف بقضية اللاجئين، وتسليط الضوء على معاناتهم، ومحاولة تقديم شتى سبل الدعم الممكنة لهم.

من المسؤول عن موجات اللجوء؟

الحروب، والدمار، وعدم الاستقرار، وانعدام الأمن، جميعها عوامل ترتبط بتدفق اللاجئين، ولكن من يقف وراءها، وينفخ في نيرانها؟

لقد كان الغرب بممارساته منذ النصف الأول من القرن العشرين فاعلا ومحركا أساسيا لموجات اللجوء في العالم، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر؛ فالحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية تسببتا في موجات لجوء كبيرة في العالم وبين الأوربيين أنفسهم.

كما ظهرت أزمات لاجئين جديدة بسبب الصراعات والحروب، التي نشأت بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، وكذلك ظهرت موجات جديدة من اللاجئين نتيجة حروب البلقان، التي وقف الغرب وراءها.

وقد امتدت أزمات اللاجئين، واستمر تفاقمها في القرن الحادي والعشرين نتيجة حروب وصراعات، وخاصة في بلدان عربية وإسلامية، وأخيرا أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، وجميعها مدموغة بخاتم أمريكي غربي.

الطيب والشرير في أزمة اللاجئين

من يتذكر تلك المقابلة الصحفية لجون كيري وزير الخارجية الأمريكي في سبتمبر/ أيلول عام 2015، مع موقع “هافينغتون بوست”، حيث سأله الصحفي “سام ستين” عن مشاعره تجاه الطفل الكردي “آلان شنو” صاحب الصورة الشهيرة، الذي ألقت الأمواج بجثمانه على أحد الشواطئ التركية، فقال: “إنها صورة مقلقة وتستفز المشاعر بطرق مختلفة، وبخاصة أن لديّ حفيدا بعمر الطفل السوري.. هذا ما أفكر فيه”.

لم ينس كيري في حديثه أن يصف أزمة اللاجئين السوريين بأنها فاجعة استراتيجية للمنطقة وللعالم، موضحا أن الولايات المتحدة تعد أكبر المتبرعين لدعم اللاجئين وأنها تود عودة اللاجئين إلى أوطانهم مرة أخرى؟!

بالكلمات العاطفية، والمسكنات الدبلوماسية تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا مع أزمة اللاجئين، التي هي أحد إفرازات النظام الدولي الذي تهيمن عليه أمريكا والغرب، ونتيجة مباشرة لصراعات تدار بالوكالة لصالح تلك القوى المهيمنة.

لقد كانت الأزمة السورية، التي انغمست يد الغرب وأمريكا في أحشائها نموذجا واضحا -لكنه ليس وحيدا- للعب الغرب دور الطيب والشرير، في أزمات اللاجئين، وساهمت أدوات الهيمنة الإعلامية الغربية في بروزته وتأطيره؛ حيث احتلت الأزمة الإنسانية للاجئين السوريين صدارة الإعلام الدولي، عبر صورة الطفل الغريق “آلان شنو” ولاجئ من أكراد سوريا.

لقد سحب الاهتمام المركز غير المسبوق للإعلام الغربي بقضية المهاجرين -خاصة السوريين- أنظار العالم أجمع تجاه البعد الإنساني لقضية المهاجرين، مبرزا تصريحات الساسة الغربيين -الطيبين!- في هذا الصدد، بينما غُيِّبت الحقيقةُ التي يجب أن يعلمها العالم، والتي تكشف الوجه الشرير للغرب.

أزمة اللاجئين برعاية غربية أمريكية

لعل أهم نقطة يجب أن نضع أيدينا عليها في قضية اللاجئين وبخاصة من المنطقة العربية والبلاد الإسلامية، هي أن ما يحدث من صراعات عبر العالم، وما تتعرض له الشعوب العربية والإسلامية من انتهاكات، إنما يتم تحت رعاية أمريكية غربية مباشرة وغير مباشرة.

الأسلحة التي تفتك بالبشر وتمكن الطغاة من رقاب الشعوب مما يدفعهم للهجرة واللجوء، هي من إنتاج مصانع غربية وأميركية، لا مجال لتصريف منتجاتها من أسلحة الدمار في ظل السلام والاستقرار، ولكن تأجيج الصراعات هنا وهناك هو الذي يضمن لها سوقا رائجة، ويملأ الخزائن الغربية والأميركية على حساب دماء الشعوب، ويكرس استمرار الغرب مصدرا للقوة في المنظومة العالمية، ومهيمنا على خيرات الشعوب، ولا سيما العربية والإسلامية.

إن قادة الغرب ونخبته المهيمنة هم من وقفوا بقوة وراء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني، حتى أصبحت نسبة اللاجئين الفلسطينيين أعلى نسبة لجوء لشعب مهجر من أرضه مقارنة بأي شعب في العالم، ليبلغ العدد الحقيقي للاجئين الفلسطينيين الذي يضم أيضًا أعدادًا كبيرة من اللاجئين غير المسجلين لدى وكالة “الأونروا”، نحو 8.990 ملايين لاجئ، أي نحو 67.4% من مجموع الشعب الفلسطيني، وفقا للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2018-2019 الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

ومع نهاية القرن العشرين نشأت في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، مشاكل جديدة للاجئين؛ نتيجة أزمات ليست بصمات الغرب وأمريكا منها ببعيد.

وفي البوسنة والهرسك ترك الغرب وأمريكا المجال مفتوحًا لجزاري صربيا؛ ليفتكوا بالمسلمين، في أبشع جرائم عرفتها الإنسانية في النصف الثاني من القرن العشرين.

كما تسببت الحرب في تهجير أكثر من مليون ونصف مليون شخص من شعب البوسنة والهرسك، حيث مارست الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا حصارا على المسلمين، بينما تُرك المجال مفتوحا لمساعدة الصرب والكروات، وتزويدهم بالسلاح لإبادة المسلمين.

أما في العراق وأفغانستان، فقد رصدت التقارير قرابة ثمانية ملايين مسلم قتلوا نتيجة التدخلات الغربية الأمريكية منذ تسعينيات القرن العشرين.

وبحسب تقرير نشره موقع “ألترنت” الأميركي المعارض للحرب الأمريكية على العراق في الأول من فبراير/ شباط 2009، فإن الحرب التي شنها الرئيس الأمريكي بوش على العراق أسفرت عن مقتل حوالي مليون نسمة، وتشريد ما يقارب 4.5 ملايين شخص، وخلفت نحو مليونَي أرملة، وخمسة ملايين يتيم؟!

ماذا بعد في أزمة اللاجئين؟

على مدار عقود مضت تتصاعد أزمة اللاجئين في العالم دون هوادة، وجاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتصب مزيدا من الزيت على نيران أزمة اللاجئين.

لقد حذر المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة في 16يونيو/ حزيران 2022 من أن استمرار تداعيات الأزمة الغذائية الناجمة عن الحرب الروسية على أوكرانيا، سيجعل أعداد النازحين قسرا عن ديارهم تتخطى بكثير الرقم القياسي الأخير، البالغ مئة مليون نازح.

الخلاصـــــــة

إن أزمة اللاجئين في العالم مرتبطة بحروب وصراعات، حركتها مصالح وأطماع وأيدولوجيات، لم تجد مكابح لها في ظل نظام دولي ثبت فشله، وعولمةٍ تمثل تهديدا للعالم، ومنظومة غربية أمريكية مزدوجة المعايير، تسعى دائما للهيمنة والتوسع على حساب الآخرين.

إن من صنع أزمة اللاجئين ويقف وراءها في كثير من بلدان العالم هو نفسه من يتباكى عليها ويشكو منها، ويلعب دور الرجل الطيب في حين أنه هو الرجل الشرير.

وبين صناعة الأزمة والتباكي عليها يسحب الإعلام الغربي والمؤسسات الدولية الانتباه في قضية اللاجئين إلى زاوية التعاطف الإنساني وحده، والخوف من موجات اللاجئين تجاه أوربا؛ لتنحصر القضية في البحث عن ملاذ آمن للاجئين، وتبقى جذور المشكلة المولدة للأزمة قائمة لا علاج لها، معلنة عجز النظام الدولي الذي يقوده الغرب ويهمن على مؤسساته عن حل الأزمة.

إن الذي يتباكى على أوضاع اللاجئين ويشكو من موجات اللجوء، هو نفسه صانع الأزمات التي تضع مزيدا من الحطب في تنور أزمة اللاجئين، وستبقى أزمة اللاجئين وغيرها من أزمات العالم في صعود، ما بقي النظام الدولي ومؤسساته تحت وطأة الهيمنة الغربية الأمريكية.

المصدر : الجزيرة مباشر