هل بدأ العد التنازلي لهزيمة السرطان؟!

د. دياز ود. إندريا مع ثلاثة من المرضى الذين شفوا من سرطان المستقيم

 

بالبحث وراء الخبر السعيد الذي يهم البشرية كلها عن عقار (دوستارليماب) الذي اكتشف باحثون أمريكيون فوائد عظيمة له في الشفاء التام من مرض سرطان القولون والمستقيم، وجدت أن الإعلان عن نتائج الدراسة العلمية تم الأحد 5 يونيو الجاري، وهو اليوم الوطني الذي يجري الاحتفال به سنوياً في أمريكا للناجين من السرطان، أما النشر في الإعلام فقد كان بعد يومين.

المجتمع العلمي الأمريكي نشط ومجتهد وفعال ومتقدم ومنظم، وهو مدهش أيضاً، ومثال ذلك، التزامن بين الاكتشاف المثير، والإعلان عن الأمل في هزيمة المرض الخبيث ومحاصرته والقضاء عليه وكسب المعركة منه، وبين يوم مخصص للاحتفال بمن كُتبت لهم النجاة من المرض، ورفع الروح المعنوية للمصابين للتغلب عليه.

والحالة المعنوية والروحية للمريض جزء من برنامج العلاج، فالصلابة والمقاومة تساهم في شفاء حالات، والاستسلام والانكسار يمنح الخلايا الخبيثة فرصة مضاعفة للتكاثر والتغلغل في أعضاء المريض والفتك بها.

(دوستارليماب).. العقار المذهل

وفق المعلومات المنشورة عن الدراسة العلمية فإن 18 مريضاً خضعوا لجرعات العلاج بعقار (دوستارليماب)، الذي وُصف بأنه مذهل، وشُفوا بحيث لا يمكن اكتشاف المرض عن طريق الفحص البدني والتنظير باستخدام التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، أو التصوير بالرنين المغناطيسي، وهذا العقار حاصل على الموافقات العام الماضي.

المرضى المشاركون في التجربة السريرية والمصابون بسرطان القولون والمستقيم كانوا تلقوا علاجات سابقة مرهقة للقضاء على السرطان، مثل الكيميائي والإشعاعي بجانب الجراحة.

الدكتور لويس دياز قائد فريق البحث والعلاج قال إن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا في تاريخ السرطان.

وهنا يجوز طرح سؤال: هل فعلاً بدأ العد التنازلي للقضاء على السرطان واعتباره مرضاً عادياً ومع الأدوية والعلاجات يكون الشفاء التام منه؟

المؤكد أنه ليس هناك ما هو بعيد عن العلم والبحث والتجربة، وطالما المعامل مفتوحة، والعقول تفكر وتجرب وتفشل مرة وتنجح مرة أخرى، فإنه لا مستحيل في مواجهة الداء العضال وكل الأدواء.

العلم .. والدجل

الحقيقة أن مركز العلم والاكتشافات الجديدة يتركز في أمريكا والغرب، ما دون ذلك في العالم قد تكون هناك نجاحات فردية، فالبنية الأساسية العلمية والبحثية والموارد المالية والقدرات متوفرة في الغرب، وهناك إرادة رسمية وأهلية ونخبوية وشعبية لدعم البحث العلمي ورصد الميزانيات السخية له وتوفير كل متطلبات الحياة المريحة للباحثين حتى تتفرغ عقولهم للتفكير والعمل والتجريب والإنجاز، وما لم يكن العالم المصري الدكتور أحمد زويل يعمل في أمريكا في بيئة علمية مناسبة ومهيأة ما كان توصل لأي اكتشاف يساهم في التقدم العلمي وخدمة الإنسانية وينال عنه جائزة نوبل.

وهنا تقفز للذاكرة فضيحة الدجال عبد العاطي الذي قدم واحدة من أسوأ الصور عن المجتمع العلمي المصري، وهو مجتمع يعاني ولا أثر بارزا له، وأكذوبته عن اكتشاف جهاز يعالج فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي (سي) ومرض الإيدز، وكان عبثياً أن يظهر وهو يقدم جهازاً غريباً، (اُشتهر باسم جهاز الكفتة للسخرية منه)، ويتحدث عن استخدامه وكيفية قيامه بالعلاج بطريقة غاية في السوقية والسطحية والجهالة، بينما اكتفى الفريق العلمي الذي أنجز خطوة مهمة في علاج سرطان المستقيم بعرض فيلم يتحدث فيه عدد من المرضى الذين تم شفاؤهم، وأرفق به رابط الدراسة ليقرأ ملخصها ونتائجها من يشاء.

https://www.mskcc.org/news/rectal-cancer-disappears-after-experimental-use-immunotherapy

 

د. دياز وفريقه البحثي

لهذا، نحترم الغرب المتقدم، ونثق فيه، ونقلق من أي حديث عن منجز علمي مصدره الشرق والجنوب، فهذه مناطق لا قيمة للعلم فيها، تستوطنها الخرافة والأسطورة، فالعلم بحاجة للحرية في البحث، والتمويل السخي، والمناخ الذي يقدر العلماء، وهذا غير متوفر في المناطق الجدباء المسكونة بكراهية العقل المفكر والتي تخضع لسلطة حكم الفرد وتنشغل بتدجين الشعوب وتحويلها إلى قطيع ممسوخ عليه أن يستمع ويطيع فقط، وهى مناطق أزمات وصراعات وحروب وتدخلات دولية واستباحة لشعوبها ومقدراتها من الأنظمة القمعية ومن الخارج الباحث عن مصالحه.

ففي الوقت الذي يعمل فيه د. لويس دياز ومعه د. إندريا سيرسيك مع بقية الفريق البحثي مع مرضى سرطان المستقيم في التجارب السريرية عليهم ويسجلون تقدماً رائعاً يخدمون به البشرية، هناك علماء وأطباء وباحثون نظراء لهم يبحثون عن ترقية وعلاوة ومكافأة، ويمسكون بالورقة والقلم لتوزيع راتبهم على الاحتياجات الضرورية للعيش، وهناك طاقات معطلة لا تجد عملاً حقيقياً تقوم به، وهناك من يستبد بهم اليأس والإحباط، ومن يبحثون عن فرصة للسفر أو الهجرة لتحسين دخولهم وتحقيق ذواتهم العلمية.

ونُذهل عندما نجد أعداداً كبيرة من الأطباء المصريين غادروا للعمل بالخارج والتجنيس منذ كورونا، والمفزع أن تحتل مصر مكانة متقدمة في عدد طلبات الراغبين في الهجرة للبلدان الأجنبية التي تستقبل مهاجرين.

 بين مركز ميموريال.. وقصر العيني

د. دياز وفريقه، يعملون في (مركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان) في نيويورك، وهو مركز عتيد يحتل الترتيب الثاني أمريكياً وعالمياً في علاج السرطان، والمركز الذي يحتل الترتيب الأول أمريكي أيضاً، وضمن أهم عشرة مراكز عالمية معنية بالسرطان وأبحاثه وعلاجه سبعة منها أمريكية والثلاثة الأخرى؛ فرنسي وصيني وكندي.

مركز ميموريال له تاريخ قديم وعريق، فقد تأسس عام 1884، وتطور مع الزمن بشكل كبير ومتسارع حتى صار مجمعاً علمياً بحثياً طبياً علاجياً ضخماً ومشهوراً ومتميزاً، والعدد الكبير من الأطباء والباحثين الذين يعملون فيه يمنحه مكانة رائدة في كل تخصصاته، وهو مرتبط بكلية طب وايل كورنيل القوية، ولها فرع في قطر.

أشير إلى مفارقة مؤلمة، تتمثل في كلية طب قصر العيني بمصر، والتي تأسست في عهد محمد علي، عام 1827م، وكان اسمها في البداية مدرسة الطب، وهى بذلك تسبق تأسيس مركز ميموريال الأمريكي بـ 57 عاماً، لكن الفارق هائل بين المؤسستين الطبيتين ودورهما وترتيبهما في قائمة الإنجاز العلمي عالمياً.

وضمن المفارقات أن نقرأ اتهامات فساد غير لائقة بحق رئيس جامعة القاهرة، أول وأقدم جامعة مصرية، قدمها أستاذ ورئيس قسم بنفس الجامعة، كان يجب التحقيق فيها، أو يطلب رئيس الجامعة خضوعه للتحقيق بنفسه حفاظاً على صورة أستاذ الجامعة وهيبة ومكانة العلم والعلماء، لكن هذا لم يحدث، إنما هو باق على رأس مؤسسة تعليمية وعلمية تأتي في مكانة متدنية بترتيب قائمة أهم الجامعات العالمية، ومن اتهمه تعرض هو للتحقيق والحبس.

ويقبع رئيس جامعة دمنهور في السجن بتهم فساد مُشينة، وكان يرفع شعارات خادعة ضد الفساد، وينافق السلطة، ويستبد بالجامعة، ويحول نفسه إلى الحاكم بأمره فيها.

هناك في أمريكا: الباحثان لويس دياز وإندريا سيرسيك يهزمان السرطان بالعلم، وهنا رئيسان لجامعتين أحدهما تتآكل هيبته الأكاديمية، والآخر في السجن بقضية فساد مالي.

المصدر : الجزيرة مباشر