ماذا عن عفو “بشار الأسد” عن المعتقلين؟!

 

ليس مرسوم العفو عن بعض المعتقلين الذي أصدره بشّار الأسد مفاجئًا وليس استثنائيًّا، بل هو ببساطة مثل المراسيم السابقة التي ظهرت لأهداف محددة ومدروسة. تعوّد الأسد منذ بداية الثورة السّورية على إصدار مرسوم يطلق فيه سراح معتقلين؛ ليُحدث جدالًا وضجة تبقيه في دائرة الضّوء، وليشغل النّاس بمكرماته التي لا تُعَد ولا تُحصَى عن حدث همجي أو مجزرة أو موقف سياسي خارجي.

في بدايات الثورة، أصدر عفوًا عن المجرمين وأطلقهم في المدن الثّائرة، فقاموا باستئصال الثّورة وقتل أبنائها بالنّيابة عنه، وأوضح مثال عنهم الجولاني الذي ما زال مسيطرًا على الشّمال السّوري حتّى الآن، رغم كلّ التّهديدات الأمريكية والغربية بضرورة القضاء على الإرهاب الذي يمثله هو وباقي الفصائل الإسلامية المسلّحة في الشّمال!

المهم في كلّ مرسوم هو التّوقيت الذي يصدر فيه

منذ سنوات، اغتيلت أصوات النّاس وساد صمت القبور في العاصمة دمشق وباقي المناطق التي يسيطر عليها النّظام إلى درجة الرّضوخ لكلّ التّغييرات الحاصلة التي أودت بهم إلى الفقر والموت جوعًا.

لم تعد الإحصاءات الدّقيقة لمن يعيشون تحت خطّ الفقر تذهل أحدًا أو تثير انتقادًا فقد بات النّاس سواسية، لم يعد هناك طبقة وسطى ولا أناس يعيشون بالسّتر، واختفت الضّحكة إلّا من أماكن الدّعارة الرّسمية ومساكن من يتسلّطون على رقاب النّاس ويذبحونهم بسكاكين الطّائفية والمناصب المخابراتية.

المجازر الطّائفية

لا تخلو مجزرة تحدث في سوريا من الرّائحة الطّائفية الكريهة منذ بداية الثّورة وحتّى الآن. مع هذا، تبقى أصابع الاتّهام الطّائفي موجهة إلى الأكثرية “السّنية” باعتبارها الطّائفة الإرهابية التي يجب محوها من الوجود.

الفيديو المسرَّب الذي ظهر فيه “أمجد يوسف” وهو يقتل النّاس رجالًا ونساءً ويرميهم في الحفرة ثمّ يحرقهم وهو يضحك برفقة جنوده وقنّاص حي التّضامن، أظهر الوجه الحقيقي للطائفة الحاكمة، لم يكن بين القتلى أيّ شخص سوري غير سُني، المكوّن الوحيد من الشّعب المطلوب إبادته.

مجزرة حي التّضامن هي حلقة في سلسة المجازر التي بدأت من مدينة “البيضا” في بانياس والقرى السّنية في حمص “كرم الزّيتون” التي كان ضحاياها أطفالًا ذُبحوا بالسّكاكين>

الحاوي

كما يفعل الحاوي حين يُخرج من جرابه طيرًا حيًّا بعد موته، يفعل بشّار الأسد. كثير من المعتقلين وصل خبر موتهم إلى أهاليهم مع متعلقاتهم ثمّ خرجوا بعد ذلك من المعتقل، وهذا ما جعل الأمل يتجدد عند الآخرين الذين جاءهم النّبأ نفسه، منتظرين أن يُخرج بشّار الأسد أبناءهم من جرابه بعد موتهم!

إنّها أقذر لعبة يقوم بها النّظام السّوري برئاسة “هبل” إحياء الأمل في نفوس ميتة، حتّى هؤلاء الذين رأوا صور قيصر وأيقنوا أنّ أولادهم قد ماتوا، خرجوا ينتظرونهم عند جسر الرئيس؛ جسر موت الأحلام.

هل كان بشّار الأسد يتوقع أن ينزل كلّ هذا الحشد إلى الشّوارع معلنين أنّهم ما زالوا أحياء ومفصحين عن العدد الهائل الموجود داخل المعتقلات في دمشق وحدها! هذا الأمر غاب عن ذهنه -على ما يبدو- كما غاب عن ذهن إعلامييه الذين أرادوا أن يحتفلوا بمكرمته بتصوير آلام النّاس، فانقلب السّحر على السّاحر وأظهروا بدل ذلك كمّ الألم والذل والهوان والفقر والقمع الذي يعيش البشر في دمشق تحته، مما جعل وزارة العدل تطالب بإخلاء السّاحات وحذف التّقارير التي صوّرها الأغبياء على أنّها احتفال بالمكرمة!

عند جهينة الخبر اليقين

الغرب يعرف كلّ تفصيل يحدث في سوريا، كلّ شيء موثق لديهم، مع هذا لا يُظهرون شيئًا إلا في التوقيت الذي يناسب مصالحهم.

فلماذا الآن -وفي هذا التوقيت- ظهر تقرير الغارديان عن مجزرة التّضامن، مع أنّها حدثت عام 2013؟

حفرة التّضامن التي ردّ عليها بشّار الأسد بمرسوم عفو عن بعض المعتقلين يشغل به الشّعب عما حدث هناك.

أين إعلام الثّورة وناشطوها؟

قام ناشطون مصريون في أوربا بعرض فيديو مجزرة التّضامن على النّاس في الشّوارع، وسجّلوا ردود أفعالهم ونشروها على مواقع التّواصل.

في المقابل، حاول كثير من النّاشطين السّوريين التّقليل من شأن الحدث، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بتبرير أفعال النّظام بشكل غير مباشر حفاظًا على “اللحمة الوطنية”، وكي ينفوا عن أنفسهم الصّبغة الطّائفية، وأوّل هؤلاء النّاشط “إياد شربجي”، وهو من أوائل الصّحفيين السّوريين الذين خرجوا في المظاهرات السّلمية بمدينة داريا، ثمّ غادر إلى الولايات المتحدة، ومن حضن العم سام صار يُصدر كلّ فترة تصريحًا يشبهه بعد أن صار أمريكيًّا. وقد اختار هذا التّوقيت ليدلي بأسوأ تصريحاته بعد مجزرة التّضامن، خدمة مجانية لبشّار الأسد ونظامه، بتأكيده أنّ الثّورة إسلامية “وداعشية وإرهابية”، وتنصله منها واعترافه بأنّه كان مخطئًا!

نعم، كان مخطئًا إلى درجة أن يكذب في تفاصيل يعرفها الغرب قبل السّوريين، فلم تكن الثّورة في بداياتها إسلامية، ولم تظهر “داعش” قبل عام 2014، وقادتها معظمهم من رجال المخابرات السّورية والمجرمين الذين أخرجهم الأسد بمرسوم عفو من مسلخ صيدنايا.

اليوم، يُصدر الأسد مرسوم عفو جديدًا عن المعتقلين “شرط ألا يكونوا قد ارتكبوا جرائم أدّت إلى موت إنسان”!

إن كان جرم القتل أو التّسبب بموت إنسان يستأهل الاعتقال، كم سنة يستحق الأسد أن يقضيها في المعتقل نتيجة جرائمه؟!

المصدر : الجزيرة مباشر