وزير الصعاليك

وإذا بالسيد مختار يخرج الموظفين من الغرفة، ويقول لابد الآن من الإجابة على أهم سؤال، ونظر إليّ وقال بلهجة مازالت ترن في أذني: “يا دكتووور محمد هل أنت عضو في الإخوان المسلمين؟”

 

صام الناس العامين الماضيين عن كل مظاهر الاجتماع أو الاحتفال، بسبب الإجراءات الاحترازية المفروضة لمواجهة فيروس كورونا، واستقبلوا هذا الرمضان بشوق شديد ورغبة في التعويض، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام جائحة من نوع جديد، تمثلت في جملة قرارات صدرت من وزارة الأوقاف المصرية، تمنع الاعتكاف وصلاة التهجد، وتقيّد مظاهر البهجة كلها في يوم العيد، بالتدخل في تقليل وقت التكبير، ومنعت اصطحاب الأطفال والتبكير، ثم تراجعت تحت جلد سياط وسائل التواصل، وحِرص المسلمين على عدم انتقاص الشعائر، بعدما ظهرت الوزارة في صورة “صناديد قريش” الذين يتتبعون المسلمين في دار الأرقم بن أبي الأرقم، حسب وصف الأستاذ سليم عزوز الذي جرت به الركبان، وتناقله بإعجاب كل معترض على حملات التفتيش التي أطلقتها الوزارة للتأكد من خلو المساجد من المعتكفين أو المتهجدين، وظهروا في وسائل الإعلام في صورة قاطع الطريق أو مفتش المباحث، ولست أدري كيف سيقرأون بعد اليوم قول الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (سورة البقرة: 114).

إثارة الجدل

وصار الحديث عن الدكتور مختار جمعة صاحب هذه القرارات يثير أشياء كثيرة غير الجدل، ومنها ما ثار في نفسي من ذكريات مع الرجل قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، أثناء العمل معًا في الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة، حيث كان من أبرز قياداتها ويرأس لجنة الدعوة فيها، وهي من أهم المحاضن الدعوية والاجتماعية العاملة في مصر، وتجمع بين العمل الدعوي الذي يمزج بين الأزهرية والسلفية في نسق فريد، ولها يد طولى في العمل الخيري، قدّر عدد المستفيدين منها قرابة 15 مليون نسمة، ولها أكثر من سبعة آلاف مسجد، وهيئة من كبار العلماء كلهم من حملة العالمية من الأزهر الشريف.

بدأتُ العمل في الجمعية والانضمام إلى هيئتها الموقرة ربما في عام 2009، وكان مختار جمعة هو المسؤول عن استكمال إجراءات الانضمام، وكان معي أحد رفقاء الدرب والمسيرة، وكنا حديثي عهد بالعودة من ألمانيا، وإذا بالسيد مختار يخرج الموظفين من الغرفة، ويقول لا بد الآن من الإجابة عن أهم سؤال، ونظر إليّ وقال بلهجة ما زالت ترن في أذني: “يا دكتووور محمد هل أنت عضو في الإخوان المسلمين؟” فقلت له: هذا شرف لا أدعيه، فغضب وقال: هذه إجابة لا تصلح، سأعيد السؤال وأسمع منك نفيًا واضحًا، بما يؤكد أنه كان لأغراض التسجيل أو النقل الحرفي، حيث ثبت على الملأ بعد ذلك أنه كان عينًا للجهات الأمنية داخل الجمعية الشرعية، وافتضح أمره عندما طلب من إمام الجمعية فضيلة الشيخ محمد المختار المهدي “رحمه الله” إصدار بيان ضد ثورة يناير ودعم دولة مبارك، ورفض الشيخ المهدي لأن من ثوابت الجمعية الشرعية عدم التعرض للشأن السياسي، وعندها كشف مختار جمعة عن خلفيته الأمنية الكبيرة، وظهرت سوأته، وبعد خلع حسني مبارك كانت أول قرارات التطهير الثوري من نصيب الجمعية الشرعية، حيث خرج علماء الجمعية في مظاهرة علنية تطالب بطرد مختار جمعة، وهو ما حدث بالفعل، لكن الأجهزة الأمنية عوضته بمنصب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية التي يدرس فيها الدكتور المختار المهدي إمام الجمعية الشرعية، وهي الكلية التي حصل منها مختار جمعة على درجة الدكتوراه في الدراسات الأدبية، وكان تخصصه في شعر الصعاليك، بعيدًا عن الفقه أو الدعوة!

زرعه في مكتب شيخ الأزهر

وبعد طرده من الجمعية الشرعية تم زرعه في الدائرة القريبة من مكتب شيخ الأزهر مما ساعده للوصول إلى كرسي وزارة الأوقاف بعد انقلاب 3 يوليو 2013، وتنكّر بعدها لشيخ الأزهر الذي زكّى ترشيحه للوزارة، وانضم إلى أجهزة الدولة في بعض حملاتها على المشيخة، كما تنكّر لمواقفه السابقة كدعم ثورات الربيع العربي، وإظهار الانتماء إلى التيار الإسلامي، والتقرب من جماعة الإخوان المسلمين لاسيما من كانوا في سدة الحكم، وكنا شهودًا على هذه المرحلة، وبعضها مسجّل ومنشور على الوسائل الإعلامية، وهذا يبرر مبالغته في التقرب بالنوافل، وسعيه لطمس كل ما يذكّره بالماضي، ويرى أن في التضييق على الشعائر ما يثقل ميزانه عند السلطة، لكن جاءت ردة فعل المسلمين قوية، ورأينا حشودًا في صلاة التهجد، ثم في ساحات العيد بأعداد غير مسبوقة، وخرج الناس لصلاة العيد ليس فقط لإحياء الشعيرة، وإنما للتأكيد أن دينهم وشعائرهم خط لا يُسمح بتجاوزه، وأن الجماهير إذا أرادت فعلت، وأكدت الحشود الهادرة بأصوات ثائرة حقيقة: الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

المصدر : الجزيرة مباشر