حكّام مجانين بين الغرب والشّرق

 

إن نبشنا التّاريخ لن نجد فيه حاكمًا صالحًا سعى لخير شعبه من دون تفكير بنفسه ومن يلوذ به، إلا ما ندر.

يتجلّى الجنون غالبًا في الإحساس بالعظمة والقوة والبطش والوصول إلى الألوهية التي تمنح الحاكم حقّ الإبادة الشّاملة لكلّ من يخالفه الرّأي أو يحتجّ على تصرفاته، وقد اتّفق المؤرخون على إطلاق لقب آخر على الحكّام المجانين (غريب الأطوار) في مواربة مفضوحة لتغطية اختلافهم عن البشر العاديين، وقد يكون ذلك الاختلاف جنسيًا كما في حال “لودفيج” ملك بافاريا الذي كان مغرمًا بالرّجال والفنون، وأقربهم إليه كان الموسيقار “فاجنر”، وقد أنفق أموال الدّولة على بناء قلاع خيالية حتّى اتّهمه رجال الدّولة بالجنون وتآمروا عليه مع أطباء لم يروه مطلقًا ليبعدوه عن الحكم، ساعدهم على ذلك أنّ عمته مجنونة أيضًا، فقد كانت تعتقد أنّ في بطنها بيانو من الزّجاج، لكنّ لودفيج ترك آثارًا فنية رائعة تجذب الملايين من السّياح سنويًا، وتدعم اقتصاد بافاريا حاليًا.

حكم السّلالات

كين شينغ هانغ أول إمبراطور للصين، وحّد الممالك المتحاربة السّبع، وضع أسس البيروقراطية المركزية، ونظّم شؤون الدّولة بتقليل سلطة الأمراء واللوردات، وعمل على تحسين البنية التّحتية وطرق المواصلات، وابتكر خدمة البريد، ووضع حجر الأساس لبناء سور الصّين العظيم.

لكنّه قمع الشّعب، وأمر بإعدام كلّ من يخالفه الرّأي، وأجبر النّاس على العمل كعبيد في مشاريعه الضّخمة.

أرسل النّاس للبحث في البراري عن إكسير الخلود والحياة الأبدية، وشغّل لمسعاه الأطباء والجنود والتّجار والحكومة المركزية التي كانت تتلقّى التّقارير عن تطور البحث!

وقد أودى هذا البحث المحموم عن العقاقير والأعشاب وفرض نظام صحي إلى هلاكه، فقد تناول الكثير من جرعات الزّئبق التي احتوت عليها عقاقير إكسير الحياة المزعومة، وأدّت إلى جنونه قبل موته.

والتّجربة الصّينية في الحكم لقيت صداها في سوريا العصر الحديث، وبدأها حافظ الأسد بإعداد ابنه باسل ليرث الحكم، وحين قُتل ورّث بشّار الحكم آملًا بأن تحكم سلالته إلى الأبد. الحكم الذي دمّر حضارة سوريا.

الحكم بموجب الحقّ الإلهيّ

حكم “نيازوف” تركمانستان عشرين عامًا قبل انفصالها عن الاتّحاد السّوفيتي، واستمرّ بحكمها بعد الانفصال، وأصرّ على تسمية نفسه بالزّعيم، وأوّل أعماله حظر وجود الكلاب في عاصمته “عشق آباد” لأنّه لا يحبّ رائحتها، وحظر اللحى والشّعر الطّويل والأسنان الذّهبية للرجال، ومنع مقدمي البرامج التّلفزيونية من وضع مستحضرات التّجميل، وحظر الأوبرا والمسرحيات ورقص الباليه والسّيرك، ومنع الأغاني المسجلة على أسطوانات في حفلات الأعراس، وحظر الاستماع إلى الرّاديو في السّيارات، وبنى تمثالًا له من الذّهب الخالص في أهم ساحات العاصمة له قاعدة تدور ليواجه الشّمس على الدّوام، وأهم ما قام به تأليف كتاب قرّره على المدارس، وكلُّ من يشكُّ أنّه لا يحبّ الكتاب يعتقل ويعذب، ويمتحن فيه من يريد التّقدم لشهادة قيادة السّيارة، وأغلق المكتبات، وبنى تمثالًا عظيمًا لكتابه يدور على قاعدة ويصدر تسجيلًا بصوت القائد يقرأ مقاطع من الكتاب، وانتهى لإعلان أنّ كتابه شرط أساس لدخول الجنة بعد الموت، وأهم مشاريعه بناء قصر من الجليد في الصّحراء.

ومثله القذافي بكتابه الأخضر والذي حكم أيضًا بإحساس الرّبوبية، فقد امتلك يقينه بأنّه يستطيع أن يُجري نهرًا في الصّحراء، وقد بدأ فعلًا بمشروع “النّهر العظيم”، وكان يسأل النّاس بكلّ جدية في بداية الثّورة الليبية “من أنتم؟”.

فاروق ملك مصر كما يراه الغرب!

يقول الكاتب توم فيليبس “لو كان الشيء الوحيد المهم الذي قام به فاروق نشل ساعة ونستون تشرشل أثناء مشاركته في اجتماع حاسم خلال الحرب العالمية الثانية، لذكرناه اليوم بشكل مختلف، ولقلنا إنّه ملك المزاح والمزاج الطّيب”.

تلك الحادثة لم تكن السّبب في إطلاق لقب “غريب الأطوار” على الملك فاروق، فهو لم يتوقف عند سرقة السّاعة مع أنّه كان أغنى رجل في مصر، فقد أخرج أحد أمهر النّشالين من السّجن ليعلّمه كيفية نشل المحافظ من جيوب النّاس بخفة، وعلى ذمة الكاتب نفسه أنّ فاروقًا سرق سيفًا مرصعًا بالجواهر وممتلكات ثمينة أخرى من نعش شاه إيران مما أدّى إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين، وقد استعاد تشرشل ساعته من أغراض فاروق بعد نفيه من مصر.

كلمة التّاريخ

يتنافس الحكّام في ابتلاع أموال الدّولة وسرقة الشّعب وإذلاله منذ اللحظة التي يتمكّنون فيها من الجلوس على كرسي الحكم، ولكلّ حاكم منهم هوس يهيمن عليه، فيتبنى مشاريع فاشلة تستنزف البلاد والعباد، وقد بدأ التّاريخ الحديث بتسجيلها، أكثرها تدميراً شهوة الحرب والتّوسع “حرب صدّام مع إيران واحتلاله للكويت”، وخراب لبنان على يد الميليشيات التي تدّعي محاربة إسرائيل، كما سيذكر بشّار السّفاح بأنّه هدم حضارة بلاده وباعها للأغراب من أجل بقائه على كرسي الحكم.

المصدر : الجزيرة مباشر