جمال مبارك.. وأحلام الرئاسة!

جمال مبارك

 

الاثنين والثلاثاء، 16 و17 مايو/أيار 2022، على التوالي، يومان مهمان في تاريخ جمال مبارك وعائلته، بعد 11 عامًا صعبة، وربما قاسية، مع هذا قد تكون رؤيتنا للمصاعب أو المآسي أو القسوة التي عاشوها في غير محلها تمامًا، فلا ندري طبيعة وحقيقة ما كان يحدث مع مبارك وعائلته من خلف الستار، وفي الاتصالات ونمط التعامل معهم، طوال تلك السنوات.

مثلًا، رغم كل القضايا التي ارتبطت بسقوط مبارك؛ سياسية وجنائية وفساد مالي واستغلال نفوذ، لم يتم إدانتهم (مبارك الأب وابنيه جمال وعلاء) إلا في قضية واحدة، هي قضية فساد القصور الرئاسية، وتم تبرئتهم من كل القضايا الأخرى، أو إسقاطها لانقضاء أجل إقامتها، وفي قضية قتل ثوار يناير حصل مبارك على البراءة، بعد الإدانة في المحاكمة الأولى، ليس لكونه بريئًا، بل لأن المحكمة رأت أنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضده، لأمور تتعلق بملف التحقيقات، وقرار إحالة القضية من النيابة العامة.

وأحدث وآخر قضية يحصلون فيها على البراءة، هي قضية الأموال والأصول التي جمدها لهم الاتحاد الأوربي وسويسرا، والتي بدأت في مارس/آذار 2011، وبعد 11 عامًا قررت محكمة العدل -وهي أعلى محكمة في الاتحاد الأوربي- إلغاء التجميد عن الأموال والأصول، وأحقيتهم في استردادها، بل وطلبت المحكمة من مجلس الاتحاد الأوربي تعويض عائلة مبارك عن كل الأموال التي أنفقوها على التقاضي.

كل هذه البراءات -باستثناء إدانة واحدة في قضية القصور الرئاسية- قد لا يعني أنها براءات لعدم صحة الواقعة، إنما قد تكون لعدم كفاية الأدلة، أو لقصور يرتبط بتحقيقات وملفات القضايا، أو التقاعس عن إثبات الفساد، وهذه مسؤولية تتحملها دوائر الحكم المختلفة التي أعقبت ثورة يناير.

سعادة جمال.. وأحلامه

ربما يتصور جمال مبارك أن هذه أيامه، ولو كانت على المستوى الشخصي له ولعائلته، فهو حتمًا يشعر اليوم بسعادة خاصة لأنه لم يعد مطلوبًا في نيابة أو محكمة، لكن الاطمئنان المطلق حلم يصعب القطع به، مثلما أن الهاشتاج الذي انطلق قبل أيام بعنوان (جمال مبارك رئيسًا لمصر) يندرج ضمن الأحلام أيضًا.

بعض الأحلام قد تتحقق في الواقع، وبعضها قد يقود صاحبه إلى الهاوية، وفي ظل مناخ سياسي معتم ومغلق، وفي سياق حالة عامة يصعب فهم ما يجري فيها، أو كيف تتم صياغة سياساتها وقراراتها، فإن التفسيرات تتعدد، والرؤى تتنوع، والاحتمالات تتزايد، لكن لا أحد يملك كلمة واضحة محددة حاسمة.

وهذا دأب السياسة عمومًا في مختلف البلدان، لكن في مناخات الحرية والأمان يمكن فهم بعض جوانبها والإلمام بجوانب من تفاصيلها، والخروج باستنتاجات تجد لها ظلًّا في الواقع، وتجد نفسها تتحقق بالفعل على الأرض، إنما في مصر وخلال المرحلة الراهنة، فلا أحد يمتلك قدرة على التنبؤ والتوقع الصحيح مهما كانت بصيرته رائقة ونظرته صائبة.

زيارة الإمارات.. عزاء وليس سياسة

ومع هذا، فإننا نجتهد لنقول، إنه في يوم الاثنين 16 مايو الجاري، فوجئنا جميعًا بخبر مرفق بصورة متداولة على نطاق واسع بتقديم جمال مبارك وشقيقه علاء واجب العزاء للشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات الجديد في وفاة أخيه الرئيس الراحل الشيخ خليفة بن زايد.

في الشكل، ظهر جمال في وقفته معتدًّا بذاته، مقدمًا صورة جيدة حازت إعجابًا واسعًا، فلم يكن منكسرًا، أو طالب حاجة، وفي المضمون هي سفرية لها رسالة محددة وواضحة، وهو العزاء وليس أكثر، فهناك من حمّل هذا المشهد أكثر مما يحتمل.

معروف أن هناك علاقات خاصة كانت تربط مبارك بالشيخ زايد، ثم الشيخ خليفة من بعده، رحم الله الجميع، وغالبًا النسيان لم يجعل من منحوا العزاء تفسيرات جامحة، يتذكرون أن البلد الوحيد عربيًّا وأجنبيًّا الذي أوفد مسؤولًا فيه للقاء مبارك لتوجيه رسالة دعم له خلال اشتعال ثورة يناير، كانت الإمارات، فقد حضر وزير خارجيتها الشيخ عبد الله بن زايد إلى القاهرة، والتقى مبارك، لكن كان صعبًا إيقاف قطار الثورة.

في تقديري، السياق الوحيد لفهم هذا الحدث هو العزاء فقط لخصوصية العلاقة بين عائلة حكم سابقة (آل مبارك)، وعائلة حكم مستمرة (آل زايد)، أما التحليل بما يصل إلى دعم سياسي لجمال مبارك، وتخلٍّ سياسي عن الحكم الحالي، فإن هذا جموح وخيال واسع.

ومن يستند على أن سفر الشقيقين إلى الإمارات جاء على غير إرادة الحكم بالقاهرة، لدعم التفسير السياسي لجمال، فإن هذا نوع آخر من الوهم، فالواقع أن جمال وعلاء لم يعودا ممنوعين من السفر، فلا قضية معلقة لهما، ولا أحكام تقيد حركتهما داخل البلاد وخارجها، فقد تم تصفية الملف القضائي لهما وللعائلة كلها، وآخر ورقة فيه جرى طيها نهائيًّا بحكم محكمة العدل الأوربية مؤخرًا.

بيان الثلاثاء والمبالغة في تفسيره

أما في اليوم التالي، الثلاثاء 17 من الشهر الجاري، حيث ألقى جمال مبارك بيانًا مزدوجًا؛ للخارج والداخل، باللغة الإنجليزية، وفيه عبارات بالعربية، نيابة عن العائلة، فيمكن وصفه بأنه إعلان انتصار للعائلة، وفق منطق البيان، بعد حكم محكمة العدل الأوربية، في قضية تجميد أموالهم.

البعض ربط بين زيارة جمال للإمارات للعزاء، وبين بيانه بعد ساعات من عودته إلى القاهرة، بأن جمال يقول: أنا موجود، وأنه يجهّز نفسه للرئاسة، أو يشير إليها، أو يفكر فيها، وكل الذين لهم موقف مضاد للعهد الحالي، فإن معنوياتهم ارتفعت، ولو كان المُخلّص من وجهة نظرهم جمال الذي ثاروا عليه يومًا، وأفسدوا خططه لوراثة والده.

لكن مصر ليست بالضرورة أن تكون بلدًا آخر، ولو حتى الفلبين، بأن يعود ابن الرئيس، الذي أسقطت ثورة شعبية والده يومًا، رئيسًا، كما حصل مع ابن ديكتاتور الفلبين، فرديناند ماركوس، الذي فاز بالرئاسة قبل أيام. مصر والبلدان العربية حالة خاصة في الحكم، وأيضًا في تداعي الحكم، كما حصل خلال الربيع العربي، وما بعد هذا الربيع يصعب التنبؤ بالمدى الزمني له، هذه المنطقة لا يمكن تفسيرها وفهمها بسهولة؛ شعوبًا ونخبًا وأنظمة، ومواقف من المجتمع الدولي تجاهها.

المعلومة هي مفتاح الفهم، والمعلومة هنا تقول إن محكمة العدل الأوربية أكدت حكمًا سابقًا برفع التجميد عن أموال مبارك وعائلته يوم 6 أبريل/نيسان الماضي، وأعقبها الادعاء الاتحادي السويسري باتخاذ القرار نفسه يوم 13 أبريل، ليس لعائلة مبارك وحدها، إنما لرموزه الذين شملهم تجميد أموالهم، وقد انتهت فترة الاستئناف أو الطعن في قرار المحكمة الأوربية، وصار من حق أفراد عائلة مبارك التصرف في أموالهم وأصولهم، ولهذا أصدر جمال بيان العائلة في وقت مبرمج، وهذا اليوم انتهى فيه موعد الطعن، وقد تزامن مع عودته من الإمارات.

من أين لك هذا؟!

تجميد الأموال استغرق 11 عامًا، والملف فيه تفاصيل كثيرة، وبعضها محزن، لأن محاكم الاتحاد الأوربي واصلت تجميد الأموال انتظارًا للتيقن التام بوجود قرارات مصرية قاطعة بشأن الفساد والأموال المجمدة، لكن لم يتم هذا.

وقد قالت المحكمة في الحيثيات إن حكم تجميد الأموال الأصلي لم يلتزم بالتحقق من أن السلطات المصرية تصرفت بما يتفق مع حقوق الدفاع والحق في الحماية القضائية لأسرة مبارك قبل اعتماد القرارات التقييدية ضدهم.

وفي النهاية، ومع مكتب محاماة دولي مشهور، وكيلًا عن عائلة مبارك، واسمه (كارتر روك) فإنه انتزع حكمًا في 3 ديسمبر/كانون الأول 2020 بإلغاء قرار التجميد، وواصل هذا المكتب نشاطه في القضية حتى انتزع حكمًا جديدًا من محكمة العدل في 6 أبريل الماضي، يؤكد الحكم الأول، ليغلق صفحة قضية تجاوز عمرها عقدًا من الزمن، وتعود الأموال إلى عائلة مبارك، ولم يقل لهم أحد من قبل: (من أين لك هذا؟!)، وغالبًا لن يقولها لهم أحد من بعد.

هاشتاج (جمال مبارك رئيسًا لمصر) سابق جدًّا لأوانه، وتفسير ما جرى يومَي الاثنين والثلاثاء من الأسبوع الماضي فيه خيال قد يكون شاطحًا!

المصدر : الجزيرة مباشر