عادل إمام.. “المشاغب” الذي صار “الزعيم”

عادل إمام

 

يدخل الفنان المصري عادل إمام هذه الأيام عامه الثالث والثمانين، وعامه الستين من عمره الفني منذ أن التحق بفِرق مسرح التلفزيون في عام 1962، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، لا يستطيع منصف أن ينكر ما قدّمه على مدى السنوات الستين، فهو علامة من علامات فن التمثيل المصري طوال تلك السنوات، فلم يترك مساحة فنية إلا شغلها حسب الظرف السياسي والثقافي والاجتماعي الذي يعيشه.

عشر سنوات حتى حقق الحلم الأول

مشوار طويل قطعه إمام ليصل إلى أول بطولة مسرحية وسينمائية له، تلك التي جاءته في عام 1937، مع بطولة مسرحية (مدرسة المشاغبين) تأليف علي سالم وإخراج جلال الشرقاوي، وفيلم (البحث عن فضيحة) إخراج نيازي مصطفى. أعمال كثيرة قدّمها من أجل الوصول إلى هذه النقطة، بينها 36 دورًا ثانويًّا في السينما، نتذكر منها: (عفريت مراتي) (كرامة زوجتي) (نصف ساعة جواز) (مراتي مدير عام)، و6 مسرحيات بينها 4 مع فؤاد المهندس، منها: (حالة حب) (أنا فين وإنتي فين) (أنا وهو وهي). ولعل الجميع يتذكر جملته الشهيرة فيها “أنا الأستاذ دسوقي الوكيل بتاعه”، تلك الجملة التي لا ينساها نقاد السينما بوصفها أول ملمح لعادل إمام.

لا يمكن لأي منصف أن يُغفل بداية مشوار عادل إمام، فهو لم يسقط على جمهوره بباراشوت (مظلّة) ولم يظهر فجأة، فقد كان مشواره طويلًا حتى حقق أول ظهور حقيقي له. ولا ننسى أيضًا عددًا من المسلسلات التلفزيونية والسهرات والحلقات المنفصلة التي قدّمها خلال تلك المرحلة، أشهرها مسلسل (الفنان والهندسة) عام 1969، الذي أتاح له مساحة تمثيل كبيرة، قبل أن يقدّم أشهر مسلسلاته في تلك الفترة (أحلام الفتى الطائر) قصة وحيد حامد وإخراج محمد فاضل في عام 1978، عادل إمام بدأ مشواره الفني من أولى درجات السلم، ليصعد في منتصف السبعينيات ويتربّع على أحد المقاعد الأولى في صفوف التمثيل حتى الآن.

تنوع كبير في الأداء التمثيلي

قدّم عادل إمام نحو 100 فيلم سينمائي بعد عام بطولته الأولى، تنوعت أدواره فيها بين مختلف أشكال الدراما، وإن غلب على معظمها الأداء الكوميدي الذي غلّف به أيضًا أعمالًا تراجيدية (مأساوية) مثل أفلام: (الغول) (حتى لا يطير الدخان) (المنسي) (الإرهاب والكباب) (المشبوه) (الحرّيف). كما قدّم 5 مسرحيات شغلت مسرحه سنوات طويلة مثل: (شاهد ماشفش حاجة) (الواد سيد الشغال) (الزعيم) (بودي جارد). هذا بجانب 16 عملًا تلفزيونيًّا، منها 8 مسلسلات منذ عام 2012 حتى 2020، وقد غاب إمام عن الدراما التلفزيونية منذ عام 1980عندما قدّم مسلسله الشهير (دموع في عيون وقحة) عن قصة جاسوسية لصالح مرسي وإخراج يحيى العلمي، الذي أدى فيه شخصية بطل مصري (أحمد الهوان) الذي استطاع اختراق المخابرات الإسرائيلية والحصول على جهاز اتصال مهم في العام الذي سبق حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وبعد هذا العمل غاب عن الدراما التلفزيونية حتى عام 2012، عندما عاد بمسلسله الذي ما زال يحقق مشاهدات عالية (فرقة ناجي عطا الله)، وكان إمام قد رُشّح لبطولة مسلسل (رأفت الهجان) ولكن لم يتم الاتفاق، وذهب المسلسل إلى محمود عبد العزيز ليحقق به نجاحًا كبيرًا.

ذكاء إمام الفني

خلال مسيرة طويلة، استطاع عادل إمام تقديم أعمال سينمائية وفنية تنوعت كثيرًا، وأبرزت قدرات ذكاء عالية في كل مرحلة من الإنتاج السينمائي في مصر، فطوال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كانت السمة الغالبة أفلام الكوميديا و”الأكشن” (الحركة)، وهنا قدّم ما يلائم المرحلة. وفي مرحلة أخرى، قدّم أحد أهم أفلامه السياسية (إحنا بتوع الأتوبيس) عام 1979 للمخرج حسين كمال، ثم قدّم مع وحيد حامد فيلم (الإنسان يعيش مرة واحدة) ويغلب عليه الطابع الفلسفي، وفي العام ذاته، قدّم (انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط) مع وحيد حامد والمخرج محمد عبد العزيز، و(المشبوه) للمخرج سمير سيف. وفي عام 1983، قدّم مع المخرج محمد خان أحد أهم أفلامه السينمائية (الحرّيف) وهو نقلة في أداء إمام، أعقبه فيلم (حب في الزنزانة) إخراج محمد فاضل وثاني أفلام البطولة مع سعاد حسني. الغريب أن فيلم (الحرّيف) كان مرشحًا له أحمد زكي، وذهب إلى إمام ليقدّم عملًا متميزًا في سلسلة أفلامه، ويصل عادل إمام إلى قمة أخرى في تلك الفترة بفيلم (الغول) قصة وحيد حامد وإخراج سمير سيف، وهو الفيلم الذي أثار ضجة كبرى، حينما اعترضت الرقابة على مشهد الختام فيه، حيث ادعت أنه مشابه لمقتل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، ولم تُعرض النهاية حينها في السينما، وإن تم إعادتها بعد ذلك.

كان عادل إمام من الذكاء بحيث استطاع التأقلم مع مساحة الحرية في كل عصر، وكذلك من التعاون مع مخرجي سينما الثمانينيات، أو ما أُطلِق عليه “تيار الواقعية الجديدة”، مثل محمد خان، ورأفت الميهي الذي قدّم معه فيلمًا آخر -من تأليفه وإخراجه- أثار ضجة مع نقابة المحامين، ورُفع عليه أكثر من قضية وهو (الأفوكاتو). وحينما جاءت التسعينيات بمخرج مهم مثل شريف عرفة، تعامل معه عادل إمام، وكان طريقه لتقديم 5 أفلام مهمّة مع وحيد حامد أيضًا الذي يمكن وصفه بأنه رفيق إمام في كثير من أعماله المهمّة مثل: (المنسي) (الإرهاب والكباب) (طيور الظلام) (النوم في العسل).

اتهام سياسي

لفترة طويلة خلال التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالي قبل ثورة يناير 2011، اتُّهم عادل إمام ووحيد حامد وشريف عرفة ومعهم يوسف معاطي بأنهم مجرد أدوات تنفيس للنظام المصري، وأُشيع عن الفريق أنه تابع للنظام، وكأن مفروضًا على صناع الفن أن يقودوا ثورات الشعوب، والحقيقة أن هذا الفريق لم يكن أكثر من مبدعين يقدّمون فنًّا أو إبداعًا يتقبله الجمهور حسب ثقافته ووعيه. ولا ننسي أن كلمة مثل (آه) التي ينتهي بها فيلم (النوم في العسل) كانت من أشهر صيحات ثورة يناير، بل نستطيع القول إن أفلامًا لعادل إمام كانت كاشفة لتجاوزات كثيرة خاصة ما تعرّض منها لفساد رجال الأعمال مثل: (الغول) و(بوبوس) الفيلم قبل الأخير لإمام 2009، ولا ننسى أيضًا فيلم (عمارة يعقوبيان) الذي حاز إمام جائزتين عن دوره فيه، إحداهما جائزة أحسن ممثل من مهرجان السينما عام 2006، وهو الفيلم الثاني الذي حصل فيه على جائزة أداء بعد فيلم (الإرهابي).

ظلت تلك الاتهامات تلاحق عادل إمام ووحيد حامد كثيرًا، ولكن عين المنصف تجد أنها اتهامات باطلة، كما اتُّهم عادل بأداء أعمال “أكشن” (حركة) ليست مناسبة لمواصفاته الجسدية، والحقيقة أنها كانت أفلام كوميديا في معظمها، فلم يكن لها غرض سوى الإضحاك، وعندما كان يجد مساحة كان يقدم أعمالًا درامية لها رؤية خاصة، وتحديدًا ما قدمه مع وحيد حامد ورأفت الميهي وشريف عرفه. لم يتوقف إمام عن العمل مع كل الأجيال الجديدة، فقدّم مع مروان حامد (عمارة يعقوبيان) ورامي إمام (طيور الظلام) وعلي إدريس (مرجان أحمد مرجان) وعمرو عرفة (زهايمر).

أخيرًا

عادل إمام تاريخ طويل في السينما والمسرح والتلفزيون، قدّم أكثر من 168 عملًا، منها 4 مسلسلات إذاعية أشهرها (أرجوك لا تفهمني بسرعة) للكاتب الكبير محمود عوض، وبطولة عبد الحليم حافظ ونجلاء فتحي، وقُدّم في رمضان 1973 أيضًا، ويبدو أنها كانت سنة السعد على النجم الصاعد في ذلك الوقت.

وفي المسرح، أثارت مسرحيات إمام ضجة كبيرة، سواء بطول سنوات عرضها أو موضوعاتها.. ألم أقل إن ما قدّمه عادل إمام تراث مهم؟ كما أن مشواره لم يكن سهلًا، لهذا سيبقى واحدًا من نجوم مصر حتى لو انتقدنا عددًا كبيرًا من أفلامه، لكنني أستمتع بكل ما قدّمه من أعمال، لأنني لا أطلب منه ما لا يقدر عليه.

المصدر : الجزيرة مباشر