للمرة الأولى: أقساط الدين الحكومي وفوائده تلتهم 54% من الإنفاق بالموازنة المصري

البنك المركزي المصري

 

تسبب توسع الحكومة المصرية في الاقتراض الداخلي والخارجي في استحواذ فوائد الدين الحكومي وأقساطه على نسبة 54% من مجمل الإنفاق بالموازنة الجديدة للعام المالي 2022/2023 الذي يبدأ مطلع يوليو القادم، وهي النسبة المرشحة للزيادة خلال العام المالي المقبل.

نظرًا لتوجه البنك المركزي إلى زيادة أسعار الفائدة، لمواجهة التضخم المرتفع، ولجذب الأجانب لشراء أدوات الدين الحكومي المصري بعد خروجهم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ورفع الفيدرالي الأمريكي ودول أوربية أخرى لسعر الفائدة، حيث يضيف رفع الفائدة بنسبة 1% حوالي 50 مليار جنيه لفوائد الدين الحكومي.

وتأتي تلك النسبة غير المسبوقة لتكلفة الدين، والتي تضمنت استحواذ أقساط الدين على نسبة 31.5% من الإنفاق والفوائد على نسبة 22.5%، على حساب باقي أبواب الإنفاق الأخرى، ليبلغ نصيب أجور العاملين في الحكومة 13%، والاستثمارات الحكومية 12%، والدعم أقل من 12%، وشراء السلع والخدمات لإدارة دولاب العمل الحكومي ومصاريف الإنارة والمياه والصيانة والوقود والأدوية والمستلزمات الطبية وغيرها 4%.

ومثل ذلك للمصروفات الأخرى التي يتجه معظمها للقوات المسلحة إلى جانب مخصصات مجلس النواب ومجلس الشيوخ وجهاز المحاسبات، و1% لمساهمات الحكومة في الهيئات الاقتصادية الخاسرة كالهيئة الوطنية للإعلام والسكة الحديد والمتحف المصري الكبير وغيرها.

    مستهدفات الاستثمارات بالموازنات لا تتحقق

وتشير الموازنات الممتدة منذ يوليو 2013 وحتى العام المالي الحالي، إلى عدم تحقق رقم الاستثمارات الحكومية التي وعدت بها تلك الموازنات جميعًا، وكان آخرها بختام العام المالي 2020/2021 حيث انخفض المحقق من الاستثمارات، والتي تتجه إلى المدارس والمستشفيات والطرق والبنية الأساسية بنسبة 11% عما وعدت به الموازنة.

وتشير بيانات الشهور التسعة الأولى من العام المالي الحالي 2021/2022، إلى انخفاض المحقق من الاستثمارات بنسبة 42% عما كان مستهدفًا لتلك الشهور، وتضمن البيان المالي لموازنة العام المالي المقبل توقعه انخفاض الاستثمارات المتحققة بالعام المالي الحالي عما كان مستهدفًا.

ويأتي ذلك بسبب تركيز صانع القرار المالي على سداد فوائد الدين وأقساطه أولًا، حتى يستطيع الاستمرار في الاقتراض، ثم سداد مرتبات الموظفين حفاظًا على السلم الاجتماعي، وكذلك دعم البطاقات التموينية والخبز، على حساب باقي أبواب الإنفاق بالموازنة، حيث بلغت أقساط القروض بالموازنة الجديدة 965.5 مليار جنيه فوائد الدين الحكومي 690 مليار جنيه، بإجمالي تريليون و656 مليار جنيه.

بينما كان نصيب الاستثمارات التي لا نتوقع أن تتحقق 376 مليار جنيه، حيث سيتم التركيز على مشروعات حياة كريمة في القرى، مع تخصيص موارد أقل من الاحتياطيات لباقي الاستثمارات، مما يطيل عمر تنفيذ تلك المشروعات الخدمية بأنحاء البلاد لسنوات عدة.

وإذا كانت الموازنة الجديدة تتضمن دعمًا بقيمة 356 مليار جنيه، فهو رقم متضخم عمدًا بإدخال 127 مليار جنيه لصندوق المعاشات، رغم أن هذا المبلغ يمثل أصلًا جزءًا من القسط السنوي الذي التزمت الخزانة العامة بسداده لهيئة التأمينات الاجتماعية، نظير الدين الكبير المتراكم على الخزانة العامة لهيئة التأمينات، ولهذا كان ينبغي أن تكون تلك القيمة في الباب الثامن بالإنفاق والمتضمن أقساط القروض، وليس في باب الدعم.

   عدم تحقق النسب الدستورية للصحة والتعليم

وكان نصيب الدعم التمويني بالموازنة 36 مليار جنيه للبطاقات التموينية، و49 مليار جنيه لدعم الخبز، و2.6 مليار جنيه لدعم دقيق المستودعات، و2.4 مليار جنيه لنقاط الخبز، أي بإجمالي 90 مليار جنيه تمثل نسبة 25% من مجمل مخصصات الدعم بالموازنة.

ومن نتائج التهام تكلفة الدين النصيب الأكبر بالإنفاق، بلوغ مخصصات الصحة بالموازنة الجديدة رغم استمرار فيروس كورونا، 128 مليار جنيه، وهو ما يمثل نسبة 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم نص دستور 2014 على ألا تقل نسبة مخصصات الصحة عن 3% من الدخل القومي، مع التأكيد على زيادة النسبة بالسنوات التالية لصدور الدستور الذي مر عليه ثماني سنوات.

والأمر نفسه للتعليم الذي بلغت مخصصاته 193 مليار جنيه تمثل نسبة 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم نص الدستور على ألا تقل نسبة مخصصات التعليم عن 6% من الدخل القومي مع زيادتها تدريجيًا.

وغاب تخصيص أية مبالغ لدعم الكهرباء بالموازنة الجديدة للعام المالي الرابع على التوالي، مما يجعل الزيادة المقررة بأسعار الكهرباء المنزلية في يوليو القادم غير مبررة.

ويشير التوزيع النسبي للموارد بالموازنة الجديدة إلى استحواذ الاقتراض الجديد البالغ تريليون و524 مليار جنيه، على نسبة 50% من مجمل الموارد البالغة 3 تريليونات و66 مليار جنيه، بينما كان نصيب الضرائب بأنواعها كافة من دخل وقيمة مضافة وجمارك ودمغة وغيرها 38% من الموارد، والإيرادات غير الضريبية من فوائض الهيئات والشركات المملوكة للحكومة 11%، ومتحصلات الإقراض ومبيعات الأصول 1%.

وتضمن البيان المالي أن تكلفة الديون المحلية تمثل النصيب الأكبر من تكلفة الديون، ولهذا سيكون معظم التمويل محليًا، مع ورود اقتراض جديد من مؤسسات دولية بنحو 3 مليارات دولار، بخلاف طرح سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار خلال العام المالي المقبل، في ضوء توقع بلوغ العجز الكلي بالموازنة 558 مليار جنيه، وهو العجز الذي يعبّر عن أداء سبعة أبواب من أبواب الإنفاق الثمانية، بخلاف الباب الثامن والخاص بسداد أقساط الديون والبالغ قيمته 965.5 مليار جنيه.

وهو ما يعني الاستمرار في دوامة الاقتراض، لتزيد أقساط الديون وفوائدها، ويزداد نصيبها من الإنفاق بالموازنة على حساب باقي أبواب الإنفاق، والغريب أن البيان المالي للموازنة قد خلا من رقم الدين العام المحلي، والذي لم يتم إعلانه منذ نهاية يونيو 2020 أي منذ 23 شهرًا.

ولكنه من خلال ذكر البيان المالي نسبة الدين المحلي للناتج، أمكن استخراج رقم الدين العام المحلي بنهاية يونيو 2021 بنحو 4 تريليونات و583 مليار جنيه، كما يتوقع بلوغه 5 تريليونات و254 مليار جنيه آخر يونيو القادم، وذلك بخلاف الدين الخارجي الحكومي.

المصدر : الجزيرة مباشر