شيرين صورة فلسطين الحزينة الصامدة

لم تكن الصحفية شيرين أبو عاقلة التي استشهدت برصاصات الغدر الصهيوني مجرد مراسلة تلفزيونية تقليدية، فهي ابنة القدس قلب القضية الفلسطينية وبوصلتها، وقد استشهدت في مخيم جنين أحد عناوين الصمود الفلسطيني البارزة، لم تكن كلماتها في تقاريرها لقناة الجزيرة محض كلمات جوفاء، بل كانت محملة بألم القضية، وصمودها وطموحها، وهكذا كانت قسمات وجهها خير تعبير عن قضيتها.

كانت شيرين كغيرها من باقي المراسلين من الأرض المحتلة نموذجا للإعلامي صاحب القضية، الذي لا ترهبه رصاصات القتل عن اقتحام المناطق الخطرة لنقل الحقيقة، التي يريد العدو كتمها دفنها، لتظل روايته هي الرواية الوحيدة.. لكن أنى له ذلك؟!

قتل مع سبق الإصرار

لم يكن الجندي القاتل يجهل ضحيته حين صوب نيرانه ناحيتها قاصدا قتلها، فهي وجه معروف تماما لجنود الاحتلال لكثرة حضورها الميداني بينهم، علاوة على أنها كانت ترتدي سترة الصحافة التقليدية ما يقطع أي شكوك حول جهل القاتل بها، لقد أراد بالفعل إسكات صوت مفعم بالصدق والانتماء للأبد رغم محاولات قادة الاحتلال -وعلى رأسهم رئيس الوزراء وغيره- التنصل من الجريمة ومحاولة إلقائها على أطراف فلسطينية فهذا ليس جديدا عليهم.

ولم تكن شيرين أبو عاقلة هي أول مراسلة تلقى حتفها على يد قوات الاحتلال، فقد سبقها على الطريق أكثر من 100 صحفي فلسطيني منذ عام 1972 منهم 15 شهيدا منذ 2014، ومنهم على سبيل المثال ياسر مرتجى الذي استشهد برصاص قناص إسرائيلي في غزة 6 أبريل/نيسان 2018، والصحفي أحمد أبو حسين الذي قتله قناص إسرائيلي في غزة أيضا في 25 أبريل 2018، ولم تكن شيرين أول شهيدة من أطقم قناة الجزيرة في مناطق الصراع المختلفة، ففي أبريل 2003 سبقها زميلها طارق أيوب وهو فلسطيني أيضا بعد أن قتله القصف الأمريكي ببغداد، لقد جرى استهداف الجزيرة هذا المنبر الإعلامي المنحاز للشعوب، وللحقيقة في أكثر من مكان وخاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان، وتم إطلاق قذائف طيران أو مدفعية بشكل مباشر ضد مكاتبها في تلك الأماكن قصد إسكات صوتها، ومنعها من نقل الجرائم التي أراد مرتكبوها إخفاءها، وكان نتيجة ذلك القصف قتل مراسلين وموظفين وإصابة كثيرين منهم، مع تدمير المكاتب والمعدات.

مهنة البحث عن الموت

شيرين أحدث شهداء الحقيقة، والذين يثبتون أن الصحافة ليست فقط مهنة البحث عن المتاعب، بل هي مهنة البحث عن الموت من أجل الحقيقة، يتصور كثيرون أن الصحفي أو الإعلامي هو شخص معزز منعم، صاحب حظوة وسطوة، وهو ما ينطبق على القليلين الذي اختاروا طريق الالتصاق بالسلطة، ولكن الصحفي الحقيقي هو الذي يلتصق بالناس وهمومهم فيصبح عينهم ومرآتهم، ويتحمل في سبيل ذلك الحبس والمطاردة بل والقتل أيضا، لا أحد يحب القتل  طلبا للشهرة فلا تهمه ولن تفيده شهرته بعد مماته، لكن الصحفي أو المراسل المؤمن برسالته لا يخشى القتل في سبيل بحثه عن الحقيقة وكشفها للناس، حتى لا يفلت مجرم بجريمته.

يجرنا استشهاد شيرين أبو عاقلة إلى استحضار صور العشرات بل المئات من الصحفيين والمراسلين العرب الذين فقدوا حياتهم في مناطق الصراعات، أو على أيدي حكومات مستبدة، ومنهم أكثر من 700 صحفي ومراسل سوري، وبينهم سهيل العلي، ويارا عباس، ومحمد القاسم، ومحمد الأشرم، والعديد من الصحفيين في ليبيا والعراق والسودان والجزائر، وكان لمصر نصيبها بمقتل أكثر من 12 صحفي منذ عام 2013، أربعة فقط منهم قتلوا في فض اعتصام رابعة، هم أحمد عبد الجواد، ومصعب الشامي، وحبيبة عبد العزيز، ومايك دين.

جرائم الاحتلال الإسرائيلي بقتل المراسلين تستحق موقفا دوليا حازما، فهذا القتل لم يستهدف فقط المراسلين الفلسطينيين وإن كانوا هم الأكثر، لكنه طال مراسلين أجانب يعملون في قنوات عالمية، وفي كل مرة يندد العالم بجرائم القتل دون أن يتخذ خطوات عملية تمنع تكراره، وهو ما يشجع الكيان على الاستمرار في جرائمه، ولتكن البداية بتحقيق دولي شفاف في مقتل شيرين أبو عاقلة.

المصدر : الجزيرة مباشر