هل يستفيد القطاع الخاص المصري من الوعود الجديدة بشأنه؟

 

خلال ما يسمى إفطار الأسرة المصرية وعد رأس النظام المصري بأن المرحلة القادمة ستشهد دعمًا مضاعفًا للقطاع الخاص، للاضطلاع بدوره في تنمية الاقتصاد، ووعد بوضع الإمكانيات الممكنة كافة لتوفير البيئة اللازمة لتحقيق ذلك، كما وعد بإطلاق مبادرة لدعم الصناعات الوطنية وتوطينها للاعتماد على المنتج المحلي، من خلال تعزيز دور القطاع الخاص في توسيع القاعدة الصناعية للصناعات الكبرى والمتوسطة.

وكلف الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة، ويستهدف 10 مليارات من الدولارات سنويًا لمدة 4 سنوات، كذلك كلف الحكومة بالبدء في طرح حصص من شركات مملوكة للدولة في البورصة المصرية، وكلفها بالبدء في طرح شركات مملوكة للجيش في البورصة المصرية قبل نهاية العام الحالي.

ويأتي السؤال هل جاءت تلك الوعود رغبة في تقوية دور القطاع الخاص وتعويضه عما لاقاه من منافسة غير متكافئة؟ مع توسع الجهات التابعة للجيش بالنشاط الاقتصادي بما لديها من عمالة رخيصة وأراض شاسعة وإعفاء ضريبي وجمركي، وكلف إسناد تنفيذ المشروعات بالأمر المباشر لعدد محدود من شركات المقاولات، لكن الواقع يشير إلى أن سبب اللجوء للقطاع الخاص هو المشكلة الحادة لنقص العملات الأجنبية، أو ما يسمى فجوة الموارد الدولارية عن الوفاء بالمدفوعات الخارجية من واردات سلعية وخدمية ودفع لفوائد وأقساط الدين الخارجي، وفوائد استثمارات الأجانب في مصر المباشرة وغير المباشرة، وهي المدفوعات التي بلغت العام الماضي أكثر من 129 مليار دولار، وبالتالي فإن إنتاج القطاع الخاص لبعض المنتجات المستوردة من شأنه تقليل تلك المدفوعات للخارج.

   أدنى نسبة استثمار للقطاع الخاص

بالإضافة إلى ضغوط صندوق النقد الدولي لمساندة القطاع الخاص شرطًا أساسيًا للموافقة على القرض الجديد الذي طلبته مصر مؤخرًا، إلى جانب السعي لزيادة الموارد من الضرائب والرسوم التي تعاني من نقص حاد بالمقارنة لتقديرات البيان المالي للموازنة الحالية لها، وذلك لتقليل عجز الموازنة، من خلال إسهام القطاع الخاص بتلك الموارد.

وكل ما سبق يعني أن التوجه للاستعانة بالقطاع الخاص لا يمثل تغيرًا، في توجه النظام منذ سنوات بالاعتماد على الجيش بشكل رئيس في المشروعات الاقتصادية، ولو كانت الدولة المصرية تفكر في مشاكل القطاع الخاص، لسارعت إلى التواصل معه حين تراجعت قيمة استثماراته في العام المالي 2020/2021 بنسبة 34% مقارنة بالعام المالي السابق.

لتصل قيمة استثماراته 200 مليار جنيه، أي ما يعادل 10.8 مليارات دولار بسعر الصرف الحالي، حيث بلغت نسبة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات المنفذة حسب بيانات وزارة التخطيط 36% من الإجمالي فقط، وهي نسبة لم تحدث من قبل بينما قامت الجهات العامة بغالب تلك الاستثمارات.

كذلك لم تتحرك السلطات حين أشار مؤشر مديري المشتريات في القطاع الخاص غير البترولي، إلى وجود ركود لدى أنشطة القطاع الخاص بشكل متواصل منذ أكثر من عام، وظل القطاع الخاص يعاني العديد من المشكلات التي يذكرها بارومتر الأعمال الصادر عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، للربع الأخير من العام الماضي لآخر بيانات منشورة.

وأبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف القوة الشرائية، ومشاكل المنظومة الجمركية وزيادة الرسوم المفروضة على الخدمات الحكومية وارتفاع نسبة التضخم، وتعقيدات إجراءات التعامل مع الجهات الحكومية، وكثرة الضرائب وتخبط السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، وقلة توافر العمالة المؤهلة وانتشار الفساد وصعوبات الحصول على التمويل.

  استمرار التضييق بعد تداعيات الحرب الروسية

ومع ذلك ظلت الحكومة تواصل فرض الضرائب والرسوم ورفع قيمة الرسوم في العديد من الجهات الحكومية، وزادت من إجراءات الحد من الاستيراد من خلال اشتراط وزارة المالية الموافقة المسبقة، على الشحن قبل حدوثه بالموانئ الخارجية في بلدان العالم، لتجيء الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد من مشاكل القطاع الخاص مع زيادة أسعار المواد الخام وارتفاع أسعار النفط مما زاد من تكلفة النقل.

وأسهمت الحكومة في زيادة تلك الأعباء برفع أسعار الغاز الطبيعي الصب، وإلغاء الاستيراد من خلال مستندات التحصيل، والاعتماد فقط على الاعتمادات المستندية الأكثر تكلفة ووقتًا بالنسبة للقطاع الخاص، وكذلك خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنسبة 16%.

مما زاد من تكلفة المواد الخام والمواد الوسيطة المستوردة، واستمرت سياسة الجباية ومن ذلك إصدار قانون المنشآت الفندقية والسياحية في شهر مارس الماضي والذي يضم 45 مادة، احتوت على 14 نوعًا من الرسوم و6 أنواع من الغرامات المالية، إلى جانب رفع سعر الفائدة بما يزيد من تكلفة التمويل، وهو ما يقلل من تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق الدولية مع سلع الدول الأخرى التي تحصل على تمويل رخيص.

ورغم تلك الظروف الصعبة فقد زادت الحكومة من قتامة مناخ الاستثمار، مع استمرار محاكمة رجل الأعمال محمد الأمين بتهمة غير أخلاقية لم تجد تصديقًا لدى كثيرين، ومحاكمة رجال أعمال آخرين بتهمة تهريب آثار والحكم عليهم سريعًا، وما تردد عن رفض رجل الأعمال حسن راتب التنازل عن جامعة سيناء سببًا للزج به بقضية الآثار، رغم رفض البرلمان رفع الحصانة البرلمانية عن أي من أعضائه المتهمين ببعض القضايا للتحقيق معهم.

واستمرار حبس رجل الأعمال صفوان ثابت وابنه، ورجل الأعمال سيد السويركي في تهم غامضة، كما استمرت في التحفظ على شركات كان آخرها شركتين، في 24 أبريل الحالي حسب الوقائع المصرية التي تنشر الأحكام والقرارات الرسمية.

  تفضيل توجيه السيولة للإيداع المصرفي

وهكذا تبدو مسألة ثقة القطاع الخاص في الوعود الحكومية الجديدة منقوصة، فلقد سبق أن سمع مثل تلك الوعود مرات عديدة، خاصة مع كل تشكيل وزاري، ومع تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار في أكتوبر 2016، حتى أن بعضهم يرى أنه بمجرد الحصول على القرض الجديد من صندوق النقد، وبيع بعض الأصول لجهات خليجية والحصول على قدر من الدولارات، يغطي جانبًا جيدًا من المدفوعات المطلوبة، فإن نغمة تشجيع القطاع الخاص ستهدأ كثيرًا.

ومن ناحية أخرى يثور سؤال هل القطاع الخاص جاهز للتفاعل مع الوعود الرسمية الجديدة؟ فأساسيات الإقبال على الاستثمار تتطلب أن يكون هناك تفاؤل بالمستقبل، وهو أمر لا يجد قبولًا واسعًا داخل القطاع الخاص، مع حالة الركود في الأسواق وانخفاض القوى الشرائية المتوقع تأثره بارتفاع نسبة التضخم، وهو التضخم المتوقع استمرار ارتفاعه خلال العام الحالي والقادم حسب جهات دولية.

كما لا توجد سيولة لدى القطاع الخاص للقيام بتوسعات أو مشروعات جديدة، ومن الذين لديهم سيولة سيفضل كثيرون إيداعها في البنوك للحصول على الفائدة البالغة 18% من دون ضرائب أو مضايقات من جهات الجباية المتعددة، وها هي بيانات البنك المركزي المصري لشهر يناير من العام الحالي.

تشير إلى أن نصيب القطاع الخاص من الائتمان المحلي في البنوك، بلغت نسبته أقل من 21% مقابل أكثر من 67% للحكومة، مما دفع شركات كثيرة للجوء إلى التمويل غير المصرفي من خلال التوريق والصكوك والتأجير التمويلي.

ليظل المشهد الغالب هو التريث في الحركة ترقبًا لما ستؤول إليه الأمور، سواء محليًا أو دوليًا مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، وخفض صندوق النقد معدلات النمو العالمي المتوقعة للعام الحالي، وتوقعات تراجع التجارة الدولية للعام الحالي بالمقارنة مع العام الماضي.

وتوقعات استمرار ارتفاع التضخم العالمي، وحتى يشعر القطاع الخاص شعورًا عمليًا بأن هناك تغيرًا حقيقيًا في البيئة الاستثمارية المحلية وحوافز مجدية، وليس مجرد وعود سبق ترديدها من قبل ولم تنفذ.

المصدر : الجزيرة مباشر