وزير أوقاف بنكهة مخبر

مختار جمعة

وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، شخص يأبى إلا أن يجتمع الناس على بغضه، بحكم أنه يبغض إليهم العبادة، ويضيق عليهم ما وسع الله، وما وسعته الحياة، وكأن المساجد خلقت ليضيق خلق الناس بها، وعنها، وقد أراد ألا يحرم من دعاء الناس عليه في هذه الأيام العشر المباركة. فقد أصدر قرارين في غاية العجب والغرابة، لا يصبان إلا في خانة واحدة: تعكير صفو الناس في هذا الشهر الكريم، وتفرغهم للدعاء عليه عند السحور والإفطار، وطوال الأيام العشر الأخيرة، ثم يعيدون عليه الدعاء أيضا.

أما القرار الأول فيتعلق بالعشر الأواخر من رمضان والاعتكاف فيها، لا لتنظيم الاعتكاف، بل مصادرته ومنعه تماما، فأعلن أنه لا اعتكاف في المساجد في رمضان، ولا صلاة تهجّد، وعند سؤاله عن ذلك رد بكلام لا يمت للعلم ولا للدين بصلة، فقال: المساجد ليست فنادق.

وكأن الاعتكاف أمر مبتدع، اخترعه الناس في العصر الحديث، أو اخترعته الجماعات الإسلامية في غفلة من السلطة، فالاعتكاف سنة نبوية، وهي عبادة قرآنية، يمارسها المسلمون منذ سن الإسلام الاعتكاف، على مدار أربعة عشر قرنا، فقد قال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} البقرة: 125، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} الحج: 25، ثم قال تعالى عن تنظيم أحكام الاعتكاف في المسجد، فقال: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} البقرة: 187.

الاعتكاف خدمة مدفوعة الأجر

أخشى ما نخشاه بتشبيه الوزير للمساجد بأنها ليست فنادق، أن يجري عليها أحكام الفنادق لمن يريد الاعتكاف فيها بعد ذلك، في ظل سلطة شعارها: “هتدفع هتلاقي أحسن خدمة”، فكما تحولت قاعات المساجد إلى مصادر دخل مالي، وفي ظل وجود وزير طال عمر سلطته، يمكن أن يبتكر اختراعا جديدا بتحويل الاعتكاف إلى خدمة مدفوعة الأجر لمن يحب!!

وإذا كانت حجته التافهة في الاعتكاف والتهجد هي الخوف من انتشار كورونا بين الناس، وأن المساجد أماكن مغلقة، فلماذا يصدر قراره الثاني المتعلق بصلاة العيد التي تصلى في الساحات، وهي أماكن مفتوحة، ولا خوف عليها من كورونا؟ لقد أعلن الوزير أنه: لا صلاة عيد في الساحات، بل في المساجد فقط، ثم أصدر فرمانات أخرى تتعلق بالعيد، فالمسافة الاجتماعية تراعى في المساجد، ثم تكبير العيد سبع دقائق فقط، والخطبة عشر دقائق، وبعد الخطبة بعشر دقائق يغلق المسجد!!

هنا اتضحت أسباب وعلة القرارات التي صدرت بشأن الاعتكاف والتهجد وصلاة العيد، فهي قرارات شكلها ديني، وحجتها صحة الناس، لكن حقيقتها اتضحت، فهو لا يملك من أمره شيئا، بل هو حامل أوامر، وهي أوامر وقرارات من الجهات الأمنية فحسب، فإذا كانت حجة الاعتكاف كورونا، فإن معظم العالم الآن يفتح أبوابه ويتخفف كثيرا من إجراءات كورونا، وقبل أسبوعين حضر الناس في استاد القاهرة مبارة مصر والسنغال في حضور جماهيري، ولم تعلن حجة كورونا، والاحتفالات في مصر ليل نهار بحضور جماهيري.

لقد كانت المساجد أكثر الأماكن التزاما بالحفاظ على الشروط الصحية المتعلقة بكورونا فترة الوباء، فأغلقت كلها، وعند فتحها فتحت بضوابط شديدة، وفتحت كل مساجد الدنيا، وآخر بلاد المسلمين فتحا للمساجد كانت مصر، لأن الجهة الأمنية التي تدير أوقاف مصر لم تكن تحب هذا الفتح.

لقد كانت حجتهم في الاعتكاف في السنوات الماضية، أن من يعتكف لا بد أن يكون في أقرب مسجد سكني له، ثم شرط له أن يحدد كم يومًا سيعتكف، ويترك صورة بطاقته عند الجهات الأمنية، فالحجة كلها كانت ولا تزال أمنية فقط، ولا تهمّ هنا الشروط والضوابط الدينية.

باب للفتنة

لو كانت هذه الشروط مطلوبة في دور العبادة كلها لتفهّم الناس، لكن في الوقت الذي يمنع فيه المسلمون من الاعتكاف بأمر من وزير الأوقاف ينفذه من الجهات الأمنية، يوجد عيد لدى الإخوة الأقباط، ولا توجد عندهم هذه الشروط والتشديدات، وهو ما يفتح بابا للفتنة الطائفية، سواء درت بذلك الجهات الأمنية أم جهلت، فالناس ستقارن شئنا أم أبينا بين دور تفتح، ودور تغلق، من دون أسباب منطقية للإغلاق هنا، والفتح هناك.

لست مستغربا صدور هذه القرارات من وزير تربى على أعين الأجهزة الأمنية، وقد سبق أن فصلته الجمعية الشرعية بعد ثورة يناير، لعلاقاته بأجهزة الأمن التي كان يستقوي بها على الجمعية، وعلى المشايخ أيام مبارك، فهو ابن نجيب لها، وهو ما يفسر كذلك أن المؤسسة الدينية تهاجَم ليل نهار، وبخاصة الأزهر، بينما الأوقاف التي يحتك بها المسلم يوميا خمس مرات في مساجدها، لا يوجد منبر إعلامي واحد في مصر ينتقدها، فضلا عن مهاجمتها.

المتأمل لكل قرارات مختار جمعة المتعلقة بالمساجد سيجدها كلها صادرة من الجهات الأمنية أولا، ثم تخرج على لسانه وكأنها قرارات من الوزارة، وهو في بعض القرارات لا يحتاج لمعرفة وجهة نظر الجهات الأمنية؛ لأن حسه الأمني يكفي لتفهم ما يراد منه، بل يزيد في ذلك فيفكر فيما يمكن أن يكون مرضيا لديها دون طلب، وهذا هو ما جعله باقيا في منصبه، وقد نال رضا السلطة؛ لأن التقارير التي ترفع عنه بأنه يقوم بالمطلوب وغير المطلوب، ومن يفعل المطلوب فهو من السلطة مطلوب.

المصدر : الجزيرة مباشر