هل تؤدى الحرب الأوكرانية إلى إصلاح الأمم المتحدة؟

الأمم المتحدة

 

(1)

الحرب الأوكرانية هي حديث الساعة من دون مبالغة، وهناك اختلاف كبير في وجهات النظر حولها بين روسيا والغرب. من وجهة النظر الروسية، جاءت العملية العسكرية في أوكرانيا، بعدما تيقنت موسكو من أن الإجراءات الفعلية لضم أوكرانيا لحلف الناتو تحققت رغم عدم الإعلان عن انضمامها رسميا وأن ذلك يمثل تهديدا صريحا لأمن روسيا القومي، ولقد سبق أن اعترضت على هذا الأمر منذ سنوات ولم تجد استجابة من الغرب ولم يعد لديها سوى الخيار العسكري لفرض الأمر الواقع.

في المقابل أيقنت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بأنهما أمام تحدٍّ وجودي سيكون له تداعيات خطيرة على النظام العالمي وريادة النموذج الغربي. منذ 24 فبراير/ شباط الماضي، وأمريكا تسعى بكل ثقلها العسكري والسياسي والاقتصادي بالتعاون مع حلفائها الغربيين لتقليم أظافر الدب الروسي، في محاولة يائسة لهزيمة القيصر بالضربة القاضية، لكن الظروف الدولية تعوق ذلك، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.

(2)

حاولت أمريكا فرض عزلة اقتصادية على روسيا بحزمة عقوبات لم يسبق لها مثيل كما أخرجت روسيا من الدوائر المصرفية المعتمدة دوليا وجمدت أرصدتها وأبرمت صفقات مع دول ومؤسسات دولية وكيانات اقتصادية كبرى حتى توقف التعامل مع روسيا لخنقها اقتصاديا وتركيعها سياسيا. لكن سيف العقوبات الذي تشهره أمريكا في وجوه الدول المارقة من وجهة نظرها، لم يعد نصله حادًّا كما كان، وهذه الدول أصبحت أكثر مهارة في الإفلات من طعناته. فروسيا ردت على هذه العقوبات بقرارات حالت دون انهيار عملتها المحلية وتعاونت مع دول لها معها مصالح مشتركة وتفاهمات سياسية على الحدّ من نفوذ وهيمنة الولايات المتحدة على المستوى الدولي، وتم استخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية بين روسيا وهذه الدول، وهذا سيؤدي إلى فقدان الدولار هيمنته على المعاملات الدولية مستقبلا، وهو أمر سيعود بالضرر على أمريكا.

 (3)

تبحث الولايات المتحدة الأمريكية بدأب عن كل الوسائل التي يمكن بها عقاب روسيا دوليًّا، ولقد دعمت مؤخرا مشروع قرار قدمته إمارة “لشتنشتاين” إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يُلزم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بتبرير استخدامها لحق الفيتو.

مقترح لشتنشتاين رعته حوالي 50 دولة، كانت أمريكا الدولة الدائمة العضوية الوحيدة بينها، ويدعو النص المقترح إلى اجتماع الدول الأعضاء في الجمعية العامة خلال عشرة أيام من استخدام دولة واحدة أو أكثر من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لحق الفيتو، لمناقشة الوضع الذي تم على أساسه استخدام هذا الحق. ترشيد استخدام حق الفيتو وتوسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن تمت مناقشتهما من قبل دون الوصول إلى نتائج. الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 دولة، وجهت منذ عامين انتقادات للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فالمصالح المتضاربة لأعضائه والاستخدام المتكرر لحق النقض، حدّا من فاعلية المجلس وتحمل مسؤوليته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. هذه المناقشات أظهرت حاجة المنظمة الدولية إلى إصلاحات عميقة فهي لم تخضع للإصلاح منذ عقود، وخلال المناقشات تطرقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى مسألة استخدام حق الفيتو فضلا عن توسيع مجلس الأمن وتمثيله الإقليمي.

في ذلك الوقت كان الموقف الأمريكي مع توسيع معتدل لمجلس الأمن على أن يتم ذلك من دون تعديل حق الفيتو أو توسيعه، متفقة في ذلك مع الموقف الروسي حينها. الآن أمريكا تسعى إلى تغيير الأوضاع ووضع شروط ورقابة على استخدام حق “الفيتو” لتتمكن من إصدار قرار من مجلس الأمن ضد روسيا، فمجلس الأمن هو الجهة الدولية الوحيدة التي لديها صلاحية فرض عقوبات دولية واللجوء إلى القوة العسكرية ضد بلد ما بغطاء شرعي.

(4)

الخلافات العميقة بين أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن جعلت من الصعب استئناف المناقشات الجارية منذ 15 عاما حول إصلاح الهيئة الدولية، لكن الظروف الآن مختلفة وربما تكون مهيَّأة لهذه الإصلاحات الضرورية والملحة. العالم كله مهيَّأ لتغييرات جذرية في النظام العالمي ستمهد لإصلاحات في الأمم المتحدة ، فلم يعد مقبولا أن تستخدم إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن حق الفيتو لتوقف قرارا أجمعت عليه أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فهو تمييز غير مبرّر، كما أن قيام أمريكا بدور شرطي العالم الأوحد لم يعد مقبولا، ورغم مساوئ الحرب الروسية الأوكرانية فإنها ستساهم في الإسراع بوتيرة هذا التغيير على الساحة الدولية.

(5)

ألمانيا من الدول المرشحة لمقعد دائم في مجلس الأمن إلى جانب اليابان والهند والبرازيل. وتسعى أفريقيا للحصول على مقعدين لم يتم تحديد من سيشغلهما من دولها. هناك حديث عن ترشيح جنوب أفريقيا، وعلى مصر العمل على أن لا تفلت منها هذه الفرصة، وأن تستعد بملف قوي يؤهلها لهذه المكانة الدولية المستحقة، ولديها خبراء في الدبلوماسية والعلاقات الدولية مؤهلون للقيام بهذه المهمة الوطنية، الأمور لا تأتي فجأة لكن حين تأتي يجب أن تكون مصر مستعدة.

في مقالات سابقة، أعربت عن تطلعي لأن تستفيد مصر، والدول العربية الشقيقة، من التغييرات الجارية على الساحة الدولية، والانتباه إلى التحالفات القصيرة المدى التي تعقد الآن تحت ضغوط الظروف الآنية، حتى لا تشغلنا عن وضع استراتيجية طويلة المدى للعلاقات الدولية تتوافق مع المستقبل وما يحمله من تعقيدات إقليمية ودولية، على أن تلتزم هذه العلاقات بالمصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وأن نضع نصب أعيننا أولوية استقلال القرار السياسي وأن يكون انحيازنا الوحيد لمصلحة الوطن ورفاهية المواطن. وسيظل لديّ أمل يأتي ويذهب. لكن لن أودعه.

المصدر : الجزيرة مباشر