انخفاض نسب الاكتفاء الذاتي الغذائي المصري يدفع لاستمرار ارتفاع الأسعار

أشارت أحدث بيانات لجهاز الإحصاء المصري إلى استمرار تدني نسب الاكتفاء الذاتي للعديد من أنواع الغذاء خلال عام 2020، لتصل النسبة إلى أقل من 1% للعدس وفول الصويا، و17% للفول الجاف و23% لبذور عباد الشمس و26% للبقوليات، و41% للقمح و42% للحوم البقر و45% للذرة الشامية و50% لمجموع الحبوب و78% للأسماك.

فرغم بلوغ كمية استهلاك البلاد من فول الصويا 4.55 ملايين طن خلال العام، فلم يُزرَع منه سوى 30 ألف فدان أنتجت 36 ألف طن فقط بنسبة ثمانية في الألف من حجم الاستهلاك، الأمر الذي أدى إلى استيراد كميات بلغت قيمتها 1.9 مليار دولار خلال العام، وزادت قيمتها العام الماضي إلى 2.68 مليار دولار بزيادة 742 مليون دولار عن العام الأسبق، وهو رقم من المتوقع زيادته العام الحالي، حيث بلغ سعر الطن في مارس الماضي 721 دولارا مقابل 583 دولارا للطن العام الماضي.

وهو ما سينعكس على أسعار زيوت الطعام بالأسواق المصرية، خاصة مع تكرار الأمر مع عباد الشمس الذي زُرِع منه 18 ألف فدان فقط أنتجت 21 ألف طن، في حين يحتاج الاستهلاك إلى 91 ألف طن، الأمر الذي اقتضى استيراد زيوت طعام بنحو 851 مليون دولار، زادت قيمتها لتصل إلى 1.77 مليار دولار العام الماضي، في ضوء زيادة أسعار كلّ من زيت الصويا وزيت النخيل.

واستمرت أسعار زيت الطعام في الزيادة خلال العام الحالي لتصل إلى 1957 دولارا للطن من زيت الصويا مقابل 1385 دولارا العام الماضي، كما زاد سعر زيت النخيل إلى 1777 دولارا في مارس مقابل 1131 دولارا العام الماضي، كما زاد سعر زيت عباد الشمس وزيت جوز الهند.

  مخاوف من تعثر التوريد الإجباري

وفي القمح تم إنتاج 9.1 ملايين طن عام 2020 في حين يتطلب الاستهلاك 22 مليون طن، مما اقتضى استيراد 12.88 مليون طن لتستمر مصر في احتلال المركز الأول بواردات القمح بين دول العالم، وإذا كانت قيمة واردات القمح العام الماضي قد بلغت 3.11 مليارات دولار، فإن الرقم مرشح للزيادة في العام الحالي.

فى ضوء زيادة السعر في مارس الماضي إلى 488 دولارا لطن القمح الصلد مقابل 315 دولارا العام الماضي، وكذلك ارتفاع سعر طن القمح اللين إلى 533 دولارا مقابل 282 دولارا العام الماضي.

وتعول الحكومة على زيادة توريد القمح المحلي في الموسم الحالي إلى 6 ملايين طن، ولهذا أعادت التوريد الإجباري للقمح الذي يتناقض مع أساسيات السوق الحرة، بنحو 12 أردبا للفدان أي حوالي ثلثي الإنتاج، كما منعت المزارعين من التصرف في الكميات الباقية لديهم، إلا بعد الحصول على تصريح من وزارة التموين تتحد فيه الكميات والموافقة على أماكن التخزين.

وشددت العقوبات على المخالفين للتوريد إلى حد استخدام عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى عامين، مع مصادرة الكميات وهي العقوبة الموجودة بقانون التموين الصادر عام 1945. ورغم مرور أكثر من عشرة أيام على بدء موسم توريد القمح، فلم تصدر أي بيانات عن الكميات التي تم توريدها، مما يشير إلى تدني تلك الكميات، وهو أمر له سببان أحدهما تبكير بدء موسم التوريد بأسبوعين حيث كان المعتاد البدء منتصف أبريل.

والسبب الثاني هو تدني سعر التوريد الحكومي عن السعر الذي طالب به المزارعون، لمواجهة زيادة تكاليف التقاوي والأسمدة والعمالة والإيجارات والوقود والنقل، حيث حددت الحكومة سعرا للطن بين 5766 جنيها و5899 جنيها حسب درجة النظافة، أما المزارعون فطالبوا بأن يكون السعر 6666 جنيها، خاصة مع ارتفاع الأسعار العالمية إلى حوالي تسعة آلاف جنيه، مع خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار مؤخرا بنسبة 17%.

عائد القمح أقل من المحاصيل المنافسة

وسواء نفذت الحكومة تلك العقوبات القاسية لعدم التوريد أم لم تنفذها، فإن العودة إلى التوريد الإجباري وتلك التهديدات التي طالت البائعين والمشترين للقمح المحلي والوسطاء والممولين والناقلين له، يمكن أن تسفر عن عزوف كثير من المزارعين عن زراعة القمح بالموسم الجديد الذي سيبدأ في نوفمبر القادم، خاصة أن المحاصيل الشتوية المنافسة للقمح تحقق عوائد مجزية أعلى من القمح.

فقد أشارت آخر بيانات منشورة حول عائد الفدان من المحاصيل الحقلية الشتوية لعام 2018/2019، إلى بلوغ عائد الفدان من البرسيم المستديم 15573 جنيها، ومن زراعة العدس 7266 جنيها ومن زراعة الفول 7077 جنيها، ومن بنجر السكر 5024 جنيها ومن الكتان 3791 جنيها، وفي المركز السادس يجيء عائد فدان القمح بقيمة 3586 جنيها.

وهي قيمة ربح لا تقارن أيضا بصافي العائد في حالة زراعة الخضر، حيث بلغ صافي عائد الفدان أي بعد استبعاد تكاليف الإنتاج، أكثر من 22 ألف جنيه لفدان الطماطم وأكثر من 21 ألفا وستمئة جنيه لفدان الباذنجان، وأكثر من 14 ألف جنيه لفدان الفلفل وأكثر من 11 ألف جنيه لفدان الكوسة، مقابل أقل من 3600 جنيه لفدان القمح حينذاك.

وفى الذرة الشامية تم إنتاج 7.6 ملايين طن عام 2020، في حين بلغت كميات الاستهلاك 16.9 مليون طن لتحتل مصر المركز السادس عالميا بواردات الذرة، وتصل قيمة واردات الذرة حوالي 2 مليار دولار، زادت العام الماضي إلى 2.66 مليار دولار بزيادة 665 مليون دولار بسبب ارتفاع سعر الطن من 165.5 دولارا إلى 259.5 دولارا العام الماضي، وهو السعر الذي زاد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي حتى بلغ 335.5 دولارا للطن في شهر مارس.

  سعر الصرف والمشتقات محليا يفاقم المشكلة

وتكررت زيادة الأسعار خلال الربع الأول من العام الحالي كذلك في اللحم البقري والدواجن والسكر والكاكاو والبنّ، ويمكن تصور تأثر الأسواق المصرية بتلك الارتفاعات مع بلوغ كمية الواردات من الفول الجاف 598 ألف طن عام 2020، ومن العدس 142 ألف طن، ومن اللحوم الحمراء 440 ألف طن، ومن لحوم الدواجن والطيور 44 ألف طن، ومن الأسماك 572 ألف طن، وهي كميات مرشحة للزيادة في ضوء الزيادة السكانية.

كما ساعد على ارتفاع الأسعار أيضا خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار مؤخرا، وزيادة سعر النفط الذي بلغ حوالي 116 دولارا للبرميل لخام برنت فى مارس الماضي، مما يزيد من تكلفة الشحن الذي ستزيد تكلفته مع استيراد القمح والذرة وزيت الطعام من أسواق أخرى أبعد مكانا من المسافة بين مصر وأوكرانيا وروسيا، اللتين كان يتم استيراد غالب الكميات منهما حتى فبراير الماضي، إضافة إلى تكاليف التأمين على السلع المستوردة فى أجواء الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا.

وكلها أمور تشير إلى توقع استمرار ارتفاع أسعار السلع الغذائية داخل السوق المصرية خلال الفترة القادمة، ويدعم استمرار ارتفاعها أيضا إصرار الحكومة المصرية على زيادة أسعار المشتقات النفطية بوتيرة أعلى مما سبق من زياداتها في الفصول الأخيرة، ورفع سعر السولار الغالب استخدامه في سيارات النقل، مما يزيد من تكلفة النقل لكافة السلع خلال حركتها من مناطق الإنتاج الى أسواق الجملة ثم إلى أسواق التجزئة.

المصدر : الجزيرة مباشر