زيارة إلى مدينة الجن والسحر!

مدينة الجن

كانت زيارتي مؤخرًا إلى مسقط لحضور فعاليات معرض عُمان الدولي للكتاب، فرصة لزيارة بَهلاء، التي يُطلَق عليها “مدينة الجن”!

بَهلاء إحدى المدن المشهورة في سلطنة عمان، ويطلِق عليها السكان المحليون “مدينة السحر” لاعتقادهم أنها يسكنها الجن، وهذا ما جعل المدينة موطنًا لعدد كبير من أحاديث القصص الخيالية والأساطير.

وعلى الرغم من المواقع السحرية الكثيرة في سلطنة عمان، فإن هناك ما هو مختلف في بَهلاء، إذ يحيط بسيرة هذه المدينة قصص غامضة عن السحر والجن، وخاصة أنه يحيط بها سور له من الحكايات الغريبة ما هو مدهش حقًا، وهذا هو أكثر ما يجذب السياح لزيارتها رغم ما تنسجه هذه الخرافات من مخاوف.

الرحلة إلى بَهلاء

الرحلة إلى مدينة بَهلاء -التى تبعد 200 كيلومتر جنوب غرب العاصمة العمانية مسقط- لم تكن رحلة شاقة كما كان تصوري.

فالطريق إلى مدينة نزوى الذي سلكته للوصول إلى بهلاء كان ممهدًا وجميلًا، إذ إنه من الواضح اهتمام السلطات العُمانية وعنايتها بالطرق السريعة، وتري تلك الجبال الشاهقة الجميلة بألوانها المختلفة على جانبيه مشرئبة أعناقها كأنها تنظر إليك مرحبة بالزائرين على الطريق بقربها، وأشجار النخيل مزدهرة الخضرة تملأ الوديان بين هذه الجبال، ويزيد من الجمال بيوت القري والمدن الصغيرة البيضاء البسيطة التى تطل بين حين وآخر على الطريق، حيث تجعل هذه المشاهد والمناظر الطريق مسلّيًا ومريحًا.

وبعد نحو 165 كيلومترًا بدت لى بيوت ومعالم (نزوى) وهي إحدى المدن العُمانية المهمة، كما أنها من الوجهات السياحية المهمة في السلطنة لأن بها العديد من المعالم والأماكن السياحية والمنتجعات الطبيعية، بجانب أهمّيتها الثقافية، إذ إنها كانت عاصمة لسلطنة عُمان في القرنين السادس والسابع بعد الميلاد، وكانت تسمّي “بيضة الإسلام” أي مركزه وقلبه، وهذا الاسم يُطلَق على المنطقة التي يكثر فيها العلم والعلماء، كما استُحدثت فيها جامعة نزوى، وهي من الجامعات الشهيرة في السلطنة.

كما أنه ليس من المناسب المرور بمدينة نزوى دون زيارة قلعتها الشهيرة التي شيدها الإمام سلطان بن سيف عام 1668 بشكلها الدائري الضخم، والتي ترتبط بحصن ذى ممرات متناهية معقدة وأبوابها الحصينة المزودة بالشراك الخداعية والأبواب الدفاعية. وعلى مقربة من سور القلعة يقع سوق نزوى التراثي المركزي، وهو سوق رائع في تنظيمه، ومن أكثر الأسواق نشاطًا بالسلطنة، حيث يوفر للزائرين فرصة جيدة للتعرف على العادات والتقاليد الشعبية والمحلية.

يعجّ هذا السوق بالباعة الذين يبيعون كل شيء، من اللحوم والأسماك والفاكهة والخضروات إلى التوابل والتمور العمانية والحلوى والذهب والفضة والتحف التراثية ومنها الخناجر المطعّمة بالفضة المزركشة.

وبعد هذه الجولة التي كانت سريعة بهذا السوق، واصلت رحلتي إلى مقصدي، وهو مدينة بَهلاء التي لا يفصلني عنها سوى نحو 40 كيلومترًا.

نزوى

غيثاء وميثاء

يمتد حول المدينة سور طويل ومهيب، محكم البناء، يبلغ طوله نحو 12 كيلومترًا، ويقال إن هذا السور بُني في ليلة واحدة ولا يُعرف على وجه التحديد من الذي بناه، ولذلك كثرت الحكايات حوله.

أشهر الحكايات التي سمعتها وتكررت مع كل من سألتهم هو أنه تم بناؤه “سِحرًا” وكان بواسطة أختين تُدعيان (غيثاء وميثاء) كانتا تعيشان في مدينة بَهلاء، وتعلّمتا علوم الجن والسحر، وسخّرتاه -كما يقال- لمساعدة أهالي المدينة في أمور حياتهم، وبهذا اكتسبتا محبة الناس بالمدينة.

وكان هناك مملكة قريبة منهم عرفت توسعًا كبيرًا، واراد حاكمها السيطرة على بهلاء، مما دفع والي المدينة إلى دفع الجزية، وكانت غيثاء وميثاء تشهدان ما وصلت إليه مدينتهما من ضيق جراء دفع الجزية، فقررتا التصرف في الليل دون علم أحد. وفى صباح اليوم التالي، فوجئ أهالي المدينة بسور عظيم يحيط بكل المدينة، وترددت أقاويل بأن غثياء وميثاء ليستا من الإنس وإنما من الجن، وقد سخّرتا الجن لبناء السور في ليلة واحدة!

قلعة يسكنها الجن

زرت بعد ذلك قلعة بَهلاء التي تقف بشموخ على تلة مرتفعة وسط واحة من النخيل، ويقال إنها بُنيت في الألف الثالث قبل الميلاد، وتم إدراجها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 1987 لتكون أول موقع في سلطنة عُمان يُدرَج بهذه القائمة.

ارتبط اسم هذه القلعة بالغموض، ودارت حولها أساطير نسجها الخيال الشعبي بأنها قلعة يسكنها الجن، فلا يقترب منها أحد إلا أصابه شيء من الأذى أو الخوف.

كما تتضمن السيرة الشعبية حكاية عن أشخاص تحولوا إلى حيوانات، أو تطاردهم الأرواح ليلًا، لدرجة أن بعض السكان طالبوا ببناء جسر فوق المدينة حتى لا يضطروا إلى المشي فيها.

 

فلج دن.. يوم لنا ويوم للجن!

تتميز مدينة بهلاء أيضًا بالعيون الطبيعية والأفلاج (قنوات مائية تُستخدم في الري والزراعة). وقد ألهمت الأفلاج وطريقة حفرها الصعبة الأهالي، مما جعلهم ينسجون قصصًا وأساطير حولها. ويُعد (فلج دن) الواقع ببلدة معول في بهلاء من أكثر الأفلاج شهرة وغرابة، حيث تدور حوله قصص بسبب عدم انتظام وتيرة تدفق المياه فيه، كما أنه لا يرتبط بهطول الأمطار، ويردد سكان المنطقة “يوم حالنا ويوم للجن”، أي يوم لنا ويوم للجن، مفسرين ذلك بأن الفلج تم تقسيمه سبعة أيام للإنس وسبعة للجن يحبسون الماء فيها.

بَهلاء ليست فقط أساطير وحكايات شعبية، فهي مدينة ضاربة في التاريخ، مزدهرة بعدد من العلماء والمشايخ الذين أثروا الساحة الفكرية في مختلف العلوم الدينية واللغوية والتاريخية، مثل العلّامة الفقيه (أبو المؤثر الصلت بن خميس الخروصي البهلوي)، والفقيهة العالِمة الشيخة (عائشة بنت راشد الريامية البهلوية). والمدينة لديها أيضًا صناعاتها الحرفية المميزة التي لا يزال أهلها يمارسونها حتى يومنا هذا، جزءًا من موروثهم التقليدي، مثل صناعة الفخار ودباغة الجلود والنسيج.

مدينة الجن
المصدر : الجزيرة مباشر