الإمام الأكبر وضرب الزوجات.. وهجمات “أديب” على الأزهر الشريف

جريدة "صوت الازهر"

لم يكن هناك ما يستدعي هذا الهجوم العنيف الذي شنه الإعلامي عمرو أديب، على الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب، مفتعلا معركة بحجة إباحة الإمام لـ”ضرب الزوجة” بيد زوجها لتأديبها.

فلا الشيخ الطيب أصدر فتوى جديدة تبيح ضرب الزوجات، ولا هو ناقش “القضية” أصلا هذه الأيام.. إنما كان تناوله لها عام 2019، مُبينًّا أن “الضرب، ليس واجبًا ولا فرضًا ولا سنةً ولا مندوبًا.. بل استثناء من أصل ممنوع، وأنه ليس الاختيار الأول للزوج، ولا هو مأمور به”، ومؤكدا أن العنف ضد المرأة ليس من الدين في شيء، وعلى حق “ولي الأمر” في منعه، لأن ضرب إنسان لآخر، هو إهانة تُسَبِب للمضروب عقدا نفسية قد لا تفارقه حتى يدخل قبره.

 الطيب دعا لقانون يمنع الضرب نهائيا

بل إن الشيخ الطيب، دعا المجامع العلمية والبرلمانات ومجالس الشيوخ إلى التحرك لاستصدار تشريع يمنع الضرب نهائيًّا سواء للزوجات أو الأطفال أو غيرهم.

ومع هذا الوضوح الشديد في كلام وموقف الأزهر مؤسسة وشيخًا من القضية، فإن الإعلامي عمرو أديب في برنامجه “الحكاية” المُذاع على فضائية “mbc مصر”، استعان بمقطع صغير من هذا الكلام، وانتَزعه من سياقه، ليبدو الشيخ الطيب كأنه ينادي بضرب الزوجات. ثم استدعى أديب ضيفه الذي يُطلق عليه “ادعاءً” أنه باحث في الشأن الإسلامي، وترك له العنان للنيل من مقام “الإمام الأكبر”، وكيل الاتهامات لفضيلته، بأنه ضد الدستور، وأنه أفتى بضرب الزوجات، ويقف حجر عثرة دون صدور قانون لمنع ضربهن.

 مخالفات “أديب” المهنية والمواقف التقدمية للشيخ

هذا الذي قام به عمرو أديب لا علاقة له بمهنة الإعلام، بل إنه تخطّى كل “القيم الإعلامية”، وهي معروفة ومعلومة لديه جيدا، وإن تجاهلها وتحلل من الالتزام والتمسك بها، لأسباب أو أغراض خاصة به.

وقد أحسنت “صحيفة الأزهر”، برئاسة تحرير الزميل أحمد الصاوي، بأن تصدت للرد على “الإعلامي أديب”، وعددت 12 مخالفة مهنية ارتكبها في هذه الحلقة وحدها، بينها إذاعة أخبار كاذبة بأن شيخ الأزهر يتبنى “ضرب الزوجة”، تشويهًا لرأيه، وترويجًا لشائعات عن وقوف الأزهر الشريف ضد صدور قانون لردع ضارب زوجته، وعدم إتاحة حق الرد، وغيرها من التجاوزات المهنية الجسيمة.

وفي معرض بيانها للتضليل الذي مارسه عمرو أديب وضيفه “الدعي”، استعادت الأزهر (الصحيفة)، العديد من الفتاوى والمواقف التقدمية لشيخ الأزهر، التي جاءت إنصافا للمرأة، وصونا لها، وحفاظا عليها، وعلى حقوقها، ودفاعا عنها، في مواجهة تفسيرات دينية متعسفة ومتشددة تهين المرأة وتنتقص من مكانتها في الإسلام.

الهجمات والمكانة العالية لمؤسسة الأزهر

حتى لا يُساء الفهم، فالأزهر (مؤسسة وشيخًا)، ليس محصنًّا من النقد والتقويم، ما دام هناك داعٍ؛ إذ إن النقد بالعموم في أي مجال من شأنه إصلاح ما قد يكون معوجًّا، وإثراء الحوار وتنوير الجمهور، فيما هو غائم وغامض، بشرط أن يكون التناول دون تلفيق وتزوير للحقائق.

من زاوية أخرى، فإن “الأزهر الشريف” مؤسسة راسخة وفاعلة، ولها تاريخ مُشرق على مدار أكثر من عشرة قرون، وهو ليس ضعيفا ولا هينا، ولا حائطا مائلا.. لا يتسع المقام هنا لاستعراض هذا التاريخ المزدحم بالمواقف والنضالات المشرفة.

هذه الهجمات على “الأزهر”، والحال هكذا، لا تنال من قيمته ومكانته العالية التي يشغلها في قلوب المسلمين بشتى أنحاء المعمورة، فهو بمثابة قبلتهم العلمية، منذ تم فتحه جامعا للصلاة عام 972 م، وتحوله بعدها بسنوات قليلة إلى “جامعة” لعلوم الدين، وليس مجرد مسجد.

عالِم مرموق وأكاديمي يرمز لوسطية الإسلام

كما أن الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب المولود عام 1946، له مكانة علمية مرموقة، ويجمع في شخصيته بين العالِم المستنير الذي يرمز لوسطية الإسلام، فهو من دعاة ثقافة التسامح والتعايش مع الآخر، ونبذ العنف والفرقة، وإعمال العقل، وهو باحث وأستاذ أكاديمي متخصص في العقيدة الإسلامية ودراس للفلسفة في فرنسا، ويجيد الفرنسية، وترجم عنها العديد من الكُتب، ومن ثم فإن استهدافه على طريقة “أديب” ليس بالأمر الهيّن أو اليسير،  بل معركة خاسرة.

ابتداع مواقف وهمية وانتزاع مقاطع من سياقها

إن مناقشة أي قضية، إذا توفرت المصداقية والموضوعية، والخلو من الغرض الذي هو مرض، تبدأ بالاستناد إلى معلومات صحيحة، لا بانتزاع مقاطع أو فقرات من هنا أو هناك، وتجريد المُنتَزع من سياقه ومعناه، وتوظيفه في غير موضعه، ثم الاستعانة بآراء أطراف القضية والخبراء فيها، بمختلف تخصصاتهم واتجاهاتهم، ليدلوَ كلٌّ بدلوه، دون تلاعب أو تضليل أو تشويه، أو تفضيل لهذا أو ترويج لذاك، كي يقف المشاهد على خلفيات القضية المطروحة، وكل جوانبها وتداعياتها.

أما ابتداع مواقف وهمية، غير موجودة أصلا، والتعامل معها على أنها حقيقة واقعة، فهذا ليس إعلامًا، بل هو نوع مُستهجن من الدعاية والترويج لأكاذيب، بغية تكوين رأي عام ضاغط لخدمة “الغرض” الكامن وراء الرسالة المبنية على التلفيق والابتداع وتغيير الوقائع. مثل هذه الألاعيب والدعاية غالبا ما يكون تأثيره عكسًا للمأمول من “الرسالة” الإعلامية.

قضية اجتماعية وراءها موروثات وأفكار

ولو أخلص الإعلامي أديب لمهنته، لكان تناوله لقضية ضرب الزوجات بوصفه “قضية اجتماعية”، على ضوء المعلومات والإحصائيات الموثوق بها، وحجم المشكلة، من خلال الجهات المعنية ورموزها، والخبراء والمتخصصين والمعنيين بها من أزواج وزوجات، وذلك لبحث الموضوع باعتباره “قضية اجتماعية” متعددة الجذور؛ إذ إن الأزواج الضاربين لزوجاتهم، مدفوعون غالبا بأفكار وموروثات ثقافية وتربوية ودينية، وبضغوط حياتية ناجمة عن “تدهور المستوى المعيشي” للكثيرين، الذي يُنتج بدوره تشاحنا واحتكاكا بين الأزواج. ولعل مما يؤكد أن المشكلة اجتماعية، أن المجتمعات الغربية لا تخلو من وقائع ضرب وأحيانا قتل للزوجات، والعكس.

عمرو أديب والمطالبة بتنحي الإمام الأكبر

ليست هذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها “عمرو أديب”، الإمام الأكبر، بلا مقتضى، متخليا عن اللياقة والموضوعية والصدق للازمين للأداء الإعلامي بالعموم، بل سبق أن ألقى “خطبة عصماء” عام 2015، عبر شاشة قناة “اليوم”، مطالبا الإمام الطيب بالتنحي، ومتهما إياه بالسلبية والضعف والتسبب في موت الناس، والوصول إلى هذا الفكر الظلامي والمنحرف الموجود على الساحة، والتقاعس عن تجديد الفكر الديني. وكأن الإمام الطيب هو الراعي للجماعات المتطرفة ومرجعها الفكري، أو الأب الروحي لها؟!.

تقمص كل الأدوار.. العالم والفقيه والخبير والكاهن

مشكلة “الإعلامي أديب والذين على شاكلته” في البرامج الليلية المُسماة “توك شو”، هي في تغييب المعايير الحاكمة لمهنة الإعلام، وتقمّص الواحد منهم لكل الأدوار، كأنه مُلِم بكل الخبرات.. فالمُذيع التلفزيوني يمارس دور الفيلسوف، والأديب، والعالم بأي تخصص، والفقيه، والكاهن، والخبير الكروي، والكيميائي، والمعماري، والطبيب، والمُعلم، والسياسي، وغير ذلك من الأدوار، ومن ثم فهو يظهر على الهواء، وقد اعتلى المنبر أو المنصة، متحدثا، ومُفتيا في كل شيء تقريبا دون حرج أو حياء.. فإذا اضطر للاستعانة بغيره، فإنه كثيرا ما يختار “أدعياء” لخدمة ما يريد أن يروج له، ولا يلجأ لخبير موثوق بإلمامه بالقضية المطروحة.

القضايا المطروحة تافهة.. إلا نادرا

والمُشكِل الأكبر لمثل هذه الممارسات، يكمن في انتقاء ما لا يفيد من القضايا لتناوله وطرحه، بغية إثارة الجاذبية لدى جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، واستنفاد طاقات الناس في نقاشات لا طائل منها، ولا تعود على المجتمع بالنفع، بل تسهم في عرقلة تطوره إلى الأفضل ما دامت القضايا المطروحة تافهة، وغير مفيدة في أحيان كثيرة، مقابل تغييب الموضوعات والمسائل الحيوية والجوهرية التي من شأنها أن تنفع المواطن و”المجتمع”، وتدفعهما إلى الأمام.

المصدر : الجزيرة مباشر