رئيس البحرية التركية السابق يكتب: أوجه التعاون الممكنة بين مصر وتركيا في ظل العلاقات التاريخية بين البلدين

العلمان المصري والتركي

مصر وتركيا دولتان صديقتان تاريخيًّا وتربطهما روابط ثقافية وتاريخية قوية للغاية.

إذا تركنا الحروب والصراعات السياسية جانبًا، فإن تركيا ومصر كانت كل منهما تكمل الأخرى عبر التاريخ. واستفاد المصريون والأتراك بعضهم من بعض في الفن والأدب، وقد وقعوا في رياح التحديث معًا، وأصبحوا في المنطقة من الرواد الأوائل في طريق العلوم الحديثة، التي يتم قبولها كطريقة جديدة للحضارة، من خلال الحفاظ على قيمهم الفريدة. عاشت الدولتان معًا في عهد الإمبراطورية العثمانية وكانتا منتسبتين لدولة واحدة. وهناك معلومات تفيد بأن الأتراك استقروا في مصر قبل وقت طويل من الاستقرار في الأناضول. لذلك، يمكننا القول إن الأتراك والمصريين أقرباء مرتبط بعضهم ببعض منذ زمن طويل.

يمر الشرق الأوسط اليوم بفترة خطيرة وهي عدم الاستقرار. وعلى الرغم من أن عدم الاستقرار ليس بسبب الشؤون الداخلية لمصر وتركيا، فإن الانعكاسات في المنطقة تؤثر بشكل أو بآخر على هذين البلدين. إن مصر وتركيا تكبدتا خسائر فادحة من حيث الإنتاج والخدمات اللوجستية بسبب هذه الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط سنوات طويلة، كما أثّر اختلال هذه التوازنات في قطاعات الصناعة والتجارة والنقل، وتسبب أيضًا في حدوث تغيرات وبطالة من وقت لآخر بين الأشخاص العاملين في هذه القطاعات. ولذلك فإن على البلدين إعادة تشكيل علاقتهما مجدّدًا.

نهضة المنطقة

بينما يتم خلط الأوراق وإعادة التوازنات في الشرق الأوسط، فإن الجسور الاقتصادية والثقافية التي سيتم إنشاؤها بين تركيا ومصر ستساهم بشكل كبير في نهضة المنطقة وكذلك ستكون لصالح شعبي البلدين. لأن تركيا هي القلب التاريخي والثقافي للعالم التركي ومصر أيضا هي القلب التاريخي والثقافي للعالم العربي. بالنظر إلى اتفاقيات إبراهيم، واتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي بين إيران والصين، ومشاركة سوريا في مشروع طريق الحزام، وإمكانية توقيع اتفاقية التجارة الحرة التي يقال إنها ستنفذ بين الصين ودول الخليج، فمن الواضح أن التوازنات في المنطقة وكذلك العادات الثقافية القديمة ستتغير يومًا بعد يوم. ليس من الضروري أن تكون التغييرات سلبية دائمًا. على العكس من ذلك تماما، فإذا تم استخدام التغيير بشكل جيد، فيمكن أن يوفر أيضًا مزايا للمجتمعات ويمكن أن تستفيد منه المجتمعات بشكل كبير. من أجل التحكم في التحول والتوازن في هذه الفترة الانتقالية، فهناك حاجة ماسة إلى الشراكة التركية المصرية وهي نفس الحاجة إلى الشراكة الطويلة الأمد والمتعددة الأبعاد بين تركيا وقطر.

لقد ظهر خطر المجاعة في العالم، نتيجة للتغير المناخي، مما أدى إلى اضطراب وخلل في سلسلة التوريد في الأسواق العالمية. فالتغيرات المفاجئة في درجات الحرارة والأحداث الطبيعية المتكررة أثرت بشكل سلبي في الإنتاج الزراعي. ومن المعروف أن إسرائيل تقوم بالبحث والتطوير في الزراعة بدون تربة منذ سنوات عديدة. بالإضافة إلى ذلك، قام العديد من دول الاتحاد الأوربي، وخاصة الصين والولايات المتحدة الأمريكية، باستئجار الأراضي الزراعية من خلال عقد اتفاقيات مع الدول الأفريقية في السنوات الأخيرة. بالنظر إلى هذا الوضع، يبدو أن تركيا ومصر -وهما دولتان منتجتان زراعيا- تتمتعان بقدر كبير من الأراضي والخبرة الزراعية، وظروف مناخية مواتية للغاية. في الحقيقة فإن مصر وتركيا يمكنهما استخدام هذه الميزة لإظهار أنفسهما مرة أخرى في الإنتاج الزراعي العالمي ولحماية مواطنيهما من المجاعة والبطالة عندما يمر العالم بحالة كساد اقتصادي وهذه الفرصة ستمكنهما من اجتياز هذه الفترة الصعبة بسهولة نسبيًّا. حاليًّا يستخدم في إنتاجنا الزراعي المبيدات الحشرية والبذور الاصطناعية، ويؤثر هذا سلبًا على صحة شعبنا، وبدلًا من رؤية سلسلة التوريد المعطلة على أنها كارثة، فيمكننا تطوير سياسة زراعية مشتركة بين مصر وتركيا والعودة إلى إنتاج الغذاء الصحي باستخدام بذور أسلافنا القديمة.

أزمة المياه

في الماضي، كان الإنتاج الزراعي من بين أهم نقاط القوة لدى كل من مصر وتركيا، وفي زماننا الحالي، بدلاً من التركيز على التطورات السلبية، يمكننا تحويل المشاكل والصعوبات إلى فرصة باستخدام معرفتنا وخبرتنا التاريخية. وإذا تحقق توقيع اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة بين تركيا ومصر، فسيكون التعاون ممكنًا في البحر كما هو في البر. هناك العديد من البلدان في شرق البحر الأبيض المتوسط خدعتها اليونان والإدارة القبرصية اليونانية لجنوب قبرص، ومصر أيضًا تعرضت للظلم من خلال حصولها على مساحة بحرية أقل مما ينبغي. في حالة إبرام اتفاقية مع تركيا، ستكون مصر قادرة على كسب المزيد من المناطق البحرية والقيام بمشاريع مشتركة في البحر تدعم الدخل الاقتصادي. اليوم، أصبحت الطاقة قيمة اقتصادية عالية جدا. فيمكن لهاتين الدولتين بالإضافة إلى هيدرات الغاز التي يتم الحصول عليها من البحر، إجراء دراسات بحثية مشتركة في مجالات الطاقة المستدامة. فالجامعات المصرية والتركية عندما تعمل مشاريع مشتركة في مجال طاقة الأمواج وطاقة الرياح وتدوير النفايات وتنفذ هذه المشاريع بشكل مشترك بين البلدين سيساهم هذا أيضا في تمكين البلدين والمنطقة من تطوير مجالات التعليم في المستقبل.

من المرجح أن تتفاقم مشكلة المياه التي تعاني منها كل من تركيا ومصر في المستقبل القريب. فلم تعد أنهار النيل والفرات ودجلة فعالة كما كانت من قبل، وهناك خطر حدوث انخفاض كبير في تدفق المياه في المستقبل القريب. بالإضافة إلى ذلك، فمشكلة تقاسم المياه مع الدول المجاورة هي مشكلة لدى كلّ من البلدين. انطلاقًا من حقيقة أن العلماء يتحدثون عن احتمالية نشوب حروب مائية في المستقبل القريب، فإن إيجاد الحلول المشتركة حول هذه القضية تحت قيادة مصر وتركيا لن يمنع تفاقم المشاكل فحسب، بل سيوفر أيضًا بعض المزايا مع فرص لتصبح كلّ من الدولتين قوة رائدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا ومصر، تعملان حاليا في مجال الصناعة الدفاعية الوطنية ويمكنهما التعاون في هذا المجال، وبإمكانهما كذلك العمل معًا من خلال التركيز على دراسات “البحث والتطوير” في قضايا مشتركة مثل الحصول على مياه صالحة للشرب من الأمطار والاستفادة من نفايات المياه الملوثة. تركيا تغلبت على مشكلة تقاسم المياه مع جيرانها من خلال الوسائل الدبلوماسية، ويمكنها العمل على إيجاد حل وسط بين مصر وإثيوبيا للاستفادة من مياه النيل بطريقة عادلة، وهذا سيكون لصالح كلا البلدين في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.

النقل هو أحد أهم العناصر بالنسبة لاقتصاد الدولة. مصر وتركيا دولتان تتمتعان بمكانة مميزة للغاية من حيث النقل في المنطقة. فالنقل الدولي هو أحد المجالات التي يمكن التعاون فيها. هناك العديد من العناصر والخدمات اللوجستية في المنطقة، مثل نقل الخضراوات والفواكه الطازجة ونقل الحيوانات والبضائع الثمينة وغيرها. الشراكة في النقل بين البلدين ستساهم في خفض التكاليف، وفي الوقت نفسه ستخلق فرص عمل إضافية في مصر وتركيا.

مصر وتركيا صديقتان قديمتان. سوف تستمد الشراكات التجارية التي ستقام بين هذين البلدين قوتها من الثروات الغنية التاريخية والثقافية للمنطقة، وسيتوّج ذلك بالاختراعات التي ستحقق في مجال التطورات التكنولوجية الحالية، مما سيجعل نجاح هذا التعاون المحتمل دائمًا ومستمرًّا.

المصدر : الجزيرة مباشر