اللهم ارزقنا سرطانا نبيلا ابن حلال

لأنني عملت في سلك التدريس خلال فترة من حياتي العملية السابقة، اشتقت اليوم ولا أعرف لماذا، وكيف، إلى أن يكون مقالي الجديد بنمط منهاج مدرسي في طريقة طرحه، وسيكون عن السرطان بنوعيه النبيل (الحميد) والخسيس (الخبيث)؛ وذلك لازدياده في بلادنا بشكل كبير وملحوظ في السنين العشرين الماضية، وفي أكثر البلدان المجاورة أو البعيدة عنا، بسبب توافر العوامل المسببة والمغذية للمرض.

الخلايا المنهوبة

سأبدأ بالحميد منه الذي وجد الظروف مواتية لانتشاره، الغذاء، المال، المكان، الدعم، غياب الوعي، موت الضمير، مما جعل هذا المرض يكبر وينمو وتمارس خلاياه عمليات التكاثر والانشطار حتى تكوّن مستعمرات كبيرة وكثيرة من دماء وأموال المساكين الذين يسكنون في الخلايا المجاورة، فتئن الخلايا المنهوبة بصمت وهي لا تدري ما أصابها وسبب تعبها لأنها أمنت سر جارتها وصوتت لها، بل بصمت لها بالعشرة، وتبقى شعوبنا على غفلتها إلى أن يستفحل المرض وتكبر خلاياه وتتضخم من أموالنا وأرزاقنا المنهوبة ونراها مثل شمس النهار، لكن لأن هذا النوع من السرطان نبيل فهو يفضل الأكل بشراهة وسرقة كل ما هو أمامه، دون التفكير في تدمير البيوت والشوارع التي تجاوره، أو قتل السكان المحليين.

ولو حصل أن كشفته الجهات المختصة وقامت بمكافحته وهو أمر نادرا ما يحدث فهو على الأرجح يعيد ما سرقه شيئا فشيئا، بالطبع مكرها، وتعود الخلية المصابة إلى سيرتها الأولى من حيث الشكل والحجم.

الخسيس

أما النوع الثاني وهو السرطان الخسيس الخبيث -والعياذ بالله- فهو يستولي على كل ما يراه  أو لا يراه أو حتى الذي سيولد من كلأ الأرض الذي هو ملك لجميع سكان الأرض، فلا يترك شيئا في الأرض أو في السماء أو في أعماق البحر إلا ابتلعه، والغريب في هذا النوع، أنه يمارس التخريب الممنهج لكل شيء حوله، لا يراعي حرمة جار أو صديق أو وطن، فلا تسلم خلية قريبة أو بعيدة من أذاه، هذا وطريقة مكافحته واقتلاعه صعبة للغاية، فإنك كلما حاولت اقتلاعه أو مكافحته، يزداد شراسة ويتمدد بشكل كبير وغريب ويبتعد بتخريبه إلى أبعد الخلايا الساكنة في المدن والقرى البعيدة والآمنة بدون ذنب، إلى أن يتلفها ويقتلها جميعا.

لذا ذهب العلماء آسفين إلى أن الطريقة الوحيدة للتخلص منه ومكافحته هي اقتلاعه، ولكن مع اقتلاع مساحات شاسعة من حوله بدون ذنب، بطريقة كفاحية على غرار قنبلة هيروشيما، ضمانا لعدم عودة الحياة إلى هذه الخلايا من جديد، هذا إذا فكر العلماء في مكافحته أصلا.

وبعد هذا السرد البسيط لأنواع السرطان، أظنكم تدعون معي: اللهم ارزق شعوبنا سرطانا حميدا ابن حلال.

المصدر : الجزيرة مباشر