جوانب مضيئة في كأس العالم تستحق التوثيق

رسالة الشعوب هذه المرة درس للمفكرين الغربيين الذين دأبوا على إنتاج أفكار الصدام والصراع مع الآخر، والسعي لإخضاع الحضارات المخالفة، وهي تجربة حية تستحق أن تستفيد منها الدوائر المتعصبة في أمريكا وأوربا الغربية

مواطنون قطريون فتحوا خيامهم ومجالسهم لاستقبال المشجعين والتعريف بتقاليد البلاد (مواقع التواصل)

 

كشفت المعركة المفتعلة ضد كأس العالم في قطر عن جانب مضيء في حياة الإنسانية، وهو أن الشعوب رغم اختلاف ألوانها تحب فطرتها وتحرص على التلاقي والتعارف، بعيدًا عن الوصاية وصراعات السياسيين ومؤامرات الاستراتيجيين الذين صوروا لنا أن البشرية في حالة صراع دائم وأن الحرب ليس لها نهاية.

مع مظلة الحماية الأخلاقية، وتحييد الابتزاز والإكراه والتوجيه الذي تمارسه الصهيونية العالمية ودوائر الهيمنة الغربية لفرض الانحراف الأخلاقي، عاشت شعوب العالم في حالة سلام وأمان مع الكرم العربي وروح التسامح الإسلامي، قلما تحدث في مثل هذه البطولات التي تشهد حوادث الشغب والمشاجرات وشيوع التعصب.

لم تكن المرأة القطرية التي تقدّم القهوة العربية والتمر أمام منزلها للجمهور العائد من الاستاد حدثًا عاديًّا، ولم يكن وقوف مجموعات من الشباب المصري والقطري يقدّمون التمر والماء والقهوة للآسيويين والأوربيين واللاتينيين والأفارقة مجرد مواقف عابرة، ولم تكن الولائم التي استقبل فيها القطريون ضيوفًا لا يعرفونهم من أعمال الرياء والمجاملة وإنما خصال من صميم أخلاقنا وديننا.

ما نقلته الكاميرات جزء يسير من الحالة الحضارية التي شاهدها وعاينها جمهور متعدد الأعراق والألوان لم يحتك بالعرب والمسلمين من قبل بهذا القرب، وقد ظهر أثر ذلك سريعًا في حالة الاحترام لقيمنا والمساندة العالمية لثوابتنا، وإفشال هجمة المثليين على قطر الذي ظهر في حجم الشماتة العالمية بالمنتخب الألماني الذي خرج من البطولة، التي لم تحدث مع أي فريق آخر، لا لشيء إلا لأنه دافع عن الانحراف الأخلاقي.

فلسطين تربح

رغم أن فلسطين ليس لها فريق في البطولة فإنها أكبر الرابحين في كأس العالم، فالعلم الفلسطيني هو أكثر علم رُفِع في المدرجات، وكان حاضرًا في كل المباريات، ويظل الهتاف الأكثر ترديدًا وتداولًا لفلسطين وتحريرها، وكان لهذا وقع الصدمة في الكيان الصهيوني الذي فوجئ بحجم التأييد العربي والعالمي للقضية الفلسطينية.

في الوقت الذي اختفى فيه علم قوس قزح كان علم فلسطين حاضرًا في كل مكان، وجاهرت برفعه جميع الشعوب، وظهر في كل المدرجات التي اكتست بألوان المشجعين للدول المشاركة، بل وارتدت الجماهير الزي العربي بشتى الألوان في مشاهد مبهجة تعني الكثير.

وقائع إنسانية كثيرة لا يمكن حصرها أسهمت في تقديم صورة مضيئة، منها هذا الشاب العربي الذي يكتسي بعلم فلسطين، وظل مدرب البرازيل تيتي يبحث عنه أيامًا، لأنه حمل حفيده وهو نائم من الاستاد إلى محطة المترو طواعية واختفى، وعبّر المدرب البرازيلي عن امتنانه للسلوك الإنساني للشاب العربي الذي يتجاوز حدود كرة القدم.

سلام لا صدام

الجانب الإنساني المضيء في بطولة كأس العالم يستحق التركيز عليه وتوثيقه، من خلال جهد منظم ومدروس، لتقديم نموذج حضاري تحتاج إليه البشرية اليوم يحترم الثوابت ويُعلي من قيم التعايش والتسامح ونبذ التعصب لمواجهة صناع الحروب الذين يلوّحون باستخدام الأسلحة النووية ويزعمون كذبًا أن تدمير العالم رسالة إلهية.

رسالة الشعوب هذه المرة درس للمفكرين الغربيين الذين دأبوا على إنتاج أفكار الصدام والصراع مع الآخر، والسعي لإخضاع الحضارات المخالفة، وهي تجربة حية تستحق أن تستفيد منها الدوائر المتعصبة في أمريكا وأوربا الغربية، التي لا تكف عن شيطنة عقائد غيرهم وثقافاتهم، وافتعال معارك ضدهم، ومحاولة فرض نموذجهم الأخلاقي الفاسد بالضغط والإغواء.

إن روح التعارف والتعاون واحترام الآخر التي يدعو إليها القرآن الكريم هي الرسالة التي أظهرتها الشعوب العربية في كأس العالم، وهي سلوك طبيعي لم يجد المناسبة والفرصة لتراه الشعوب الأخرى بوضوح، وهذه الروح أبلغ رد على الدعاية السوداء التي تشوه صورتنا وتقف خلفها دوائر دولية كارهة لنا، ودوائر محلية تعتاش على تشويه قيمنا والتحريض على ديننا.

المصدر : الجزيرة مباشر