هل تنجح مساعي إنقاذ التطبيع بعد مونديال قطر؟

مشجعو المغرب يرفعون علم فلسطين في سوق واقف

 

تعتزم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن جمع الدول المُطبّعة مع الكيان الصهيوني، ربما في مارس/آذار المقبل، في ذكرى انعقاد قمة النقب في مارس الماضي.

من الواضح أن هذا الاجتماع يستهدف ضخ دماء جديدة في شرايين عملية التطبيع التي تعرضت لانتكاسة شعبية كبيرة خلال مونديال قطر الأخير، والذي كان فرصة للشعوب العربية (من خلال مشجعيها) لتأكيد رفضهم الحازم للتطبيع مع الكيان، ورفض التعامل مع إعلامييه، بل والحرص على إرسال رسائل سريعة للمجتمع الإسرائيلي بنبذ الاحتلال والعدوان، وتأكيد الدعم للقضية الفلسطينية، وقد كان العلم الفلسطيني هو الحاضر دوما في كل المباريات إلى جانب علمَي الفريقين المتنافسين.

قبل عامين، وتحديدا في سبتمبر/أيلول 2020، نجح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في ضخ دماء جديدة في مشروع التطبيع الذي كان قد وصل إلى حالة تيبس، من خلال توقيع اتفاقيات أبراهام (إبراهيم) للتطبيع بين الكيان وكل من الإمارات والبحرين، ثم لحقهما المغرب والسودان، وفي مارس الماضي رتبت الإدارة الأمريكية الجديدة اجتماعا في النقب بحضور وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب، إضافة إلى وزيري خارجية الكيان والولايات المتحدة للهدف ذاته.

اتفاقيات للانبطاح

اتفاقيات أبراهام تمثل انبطاحا من طرف واحد، هو الحكومات العربية المُوقعة دون الحصول على أي مقابل، خلافا للخط العربي الرسمي الذي رفع شعار الأرض مقابل السلام، والذي كان تلخيصا لمبادرة عربية أقرتها قمة بيروت 2002.

على مدى قرابة نصف قرن من مسيرة التطبيع التي بدأت بتوقيع اتفاق السلام المصري الإسرائيلي نهاية السبعينيات، ظلت عمليات التطبيع في الإطار الرسمي مع الحكومات، ولم تفلح الجهود الإسرائيلية والأمريكية أو حتى جهود بعض الأنظمة المُطبعة في إقناع الشعوب العربية بهذا التطبيع، واتخذت النقابات المهنية والعمالية والاتحادات الطلابية والنوادي الرياضية العربية قرارات ملزمة من جمعياتها العمومية برفض التطبيع ومعاقبة من يخترق تلك القرارات، صحيح أن بعض الاختراقات قد حدثت لكنها ظلت استثناءات محدودة، وتعاملت معها النقابات بشدة، ونذكر هنا موقف اتحاد كتاب مصر الذي شطب اسم الأديب علي سالم مؤلف مسرحية “مدرسة المشاغبين” الشهيرة من سجلاته بعد زيارته لإسرائيل، ورغم لجوئه إلى القضاء فإن الاتحاد ظل متمسكا بقراره حتى وفاة علي سالم، كما أن العديد من النقابات المهنية وقعت عقوبات على بعض أعضائها المخترقين لتلك القرارات، ورغم إلحاح الكيان الصهيوني على استضافة فرق رياضية مصرية وخاصة النادي الأهلي فإن كل النوادي المصرية ترفض تلك الدعوات.

موقف شعبي موحد

لا يختلف الأمر في الدول العربية التي دخلت حكوماتها حظيرة التطبيع في الموجة الثانية مثل الأردن وموريتانيا، أو بعد ذلك، حيث ظلت الشعوب ترفض كل الإغراءات أو التهديدات للتطبيع، حتى كان مونديال قطر الذي جسّد موقفا عربيا إسلاميا شعبيا موحدا ضد التطبيع.

لن نفاجأ بانضمام دول جديدة إلى قطار التطبيع بعد المونديال، لكن المؤكد أنه سيظل في الإطار الروتيني الرسمي، وهذا وإن كان يمثل نجاحا للسياستين الأمريكية والإسرائيلية إلا أنه ليس المستهدف الأساسي، ونقصد التطبيع الشعبي الذي يمكن أن يُشعر الإسرائيليين بالاطمئنان الحقيقي، وأنهم صاروا جزءا من نسيج المنطقة، وهو ما لا يشعرون به حتى الآن، وقد عبّر عن ذلك بعض إعلامييهم الذين حضروا مونديال قطر.

المستفيد من التطبيع

حتى الآن يبدو الكيان هو المستفيد الأول من اتفاقيات التطبيع، فهو سيصدّر العديد من منتجاته الصناعية والإلكترونية والزراعية إلى الدول العربية، بينما لا يحتاج منها إلى شيء بحكم امتلاكه صناعات وطاقة وزراعة تكفي غالبية احتياجاته، كما أنه -وهذا هو الأخطر- يسعى بالتنسيق مع واشنطن لتشكيل حلف دفاعي عسكري “ناتو” عربي إسرائيلي ليسهم في تنفيذ الخطط العسكرية الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة بمشاركة عربية وإسلامية.

في المقابل، فإن الدول العربية المُطبعة لن تستفيد شيئا من هذا التطبيع سوى دعم استقرار أنظمة الحكم فيها، هذه الأنظمة التي باتت مقتنعة أن مفتاح استقرارها في تل أبيب، القادرة على التأثير على الولايات المتحدة ودول الغرب الكبرى، وبالتالي توفير الحماية لهذه الأنظمة في مواجهة شعوبها الغاضبة.

كما أن الإدارة الأمريكية الحالية، التي تبذل قصارى جهدها للحفاظ على اتفاقيات أبراهام التي ورثتها من ترامب بل تسعى لتطويرها وتوسيع قاعدة المشاركين فيها، سوف تستثمر نجاحها في هذه المهمة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لتقول لترامب -المرشح المحتمل في مواجهة بايدن- إننا قادرون على تحقيق ما لم تحققه من قبل، فهي في النهاية محض ورقة انتخابية لا يهمها مصالح شعوب المنطقة، ولا يهمها أن تستمر الاتفاقيات بعد الانتخابات، طالما أنها حققت هدفها الانتخابي.

استهداف مزدوج

هذه الاتفاقيات تستهدف بالأساس محاصرة القضية الفلسطينية، وإجبار الفلسطينيين على قبول ما تسمح به سلطات الاحتلال، وأن يتولوا هم بأنفسهم مطاردة رجال المقاومة في كل مكان، كما أنها تستهدف على المستوى العربي محاصرة التيارات الساعية للتغيير والمطالبة بالديمقراطية والرافضة للتطبيع، ووصم هذه التيارات بالتطرف والإرهاب، وتسهيل مهمة الأنظمة المستبدة في مواجهة هذه التيارات، ورفدها بدعم دولي.

لكن الحقيقة أن هذين الهدفين لا يزالان بعيدَي المنال، فالقضية الفلسطينية لا تزال صامدة بمقاومتها التي لم تعد تقتصر على غزة بل اتسعت مؤخرا إلى الضفة الغربية وإلى فلسطينيي 48، وتمكنت من تطوير أسلحتها بشكل كبير، حيث وصلت صواريخها إلى القدس وتل أبيب، واكتسبت المزيد من الدعم الشعبي العربي والإسلامي كما ظهر مؤخرا في الدوحة، أما على مستوى قوى التغيير ومواجهة التطبيع في المنطقة، فهي لم تستسلم أيضا رغم ما تعرضت له من ضربات في بعض البلدان، ولا تزال نشطة في بلدان عربية أخرى، ولا أدل على ذلك من المظاهرات الضخمة للشعب المغربي قبل أيام في الذكرى السنوية الأولى لتوقيع اتفاق التطبيع مع الكيان.

المصدر : الجزيرة مباشر