مونديال قطر.. هزيمة فرنسا.. و”الحلم المغربي” بكأس العالم.. هل كان ممكنا؟

استقبال شعبي ورسمي للمنتخب المغربي بعد حصوله على المركز الرابع في بطولة كأس العالم

 

مونديال قطر 2022، صنع الأفراح لـ”الشعوب العربية والإسلامية”، منذ انطلاقه (20 نوفمبر/تشرين الثاني) وحتى نهايته، فقد تحققت انتصارات وإنجازات وحّدتهم وأسعدتهم طوال أيام المونديال. جاءت نهاية المونديال بفوز الأرجنتين في المباراة النهائية، وانتزاعها كأس العالم من منافسها الفرنسي حامل اللقب (الفائز بمونديال روسيا عام 2018) الذي تحدى مشاعر العرب والمسلمين، عازما حال الفوز بالكأس رفع شارة المثليين دعما للشواذ جنسيا. كأن الفرنسيين لم يعتبروا من خيبة المنتخب الألماني الذي انشغل بالشواذ، فكان خروجه المبكر والمخجِل رغم سابقة فوزه بكأس العالم أربع مرات.. تكرار المنتخب الفرنسي للمسلك الألماني ذاته، جلب لهم الفشل وخسارة كأس العالم، وهو ما كان عنصرا جامعا للعرب والمسلمين في أرجاء الكون، فرحا وشماتة لهزيمة فرنسا، لا سيما وأن لها سابقة في الإساءة إلى النبي محمد ﷺ.

المنتخب المغربي.. شروط الحلم بالوصول إلى كأس العالم

يعنينا هنا الحالة التي صنعها “المنتخب المغربي”، وحلمه بالوصول إلى نهائي كأس العالم، وصعوده إلى المربع الذهبي بالمونديال لأول مرة عربيا وأفريقيا، منذ نشأة البطولة عام 1930، حيث ظل هذا المربع ومن بعده النهائيات حكرا على منتخبات لدول أوربا وأمريكا اللاتينية، ثم خسارة المغرب للمركز الثالث أمام كرواتيا. لماذا لم يصل المغرب إلى نهائي كأس العالم، وهل كان الحلم كافيا، وممكنا؟ يخبرنا “علم نفس التعلم” أو علم النفس التعليمي (سيكولوجية التعلم) بأن تعلّم وإجادة أي شيء أو عمل أو مهارة فنية يستلزم شروطا ثلاثة هي “الدافعية والنضج والممارسة”، سواء كان هذا الشيء تعلّم “طفل يحبو” الصعود لدرجات السلم، أو قيادة شخص ما لسيارة أو طائرة أو سفينة أو تفكيكا للمشكلات والأزمات، أو حل المسائل الرياضية (من الرياضيات)، أو حتى الوصول إلى كاس العالم ومنافسة المحتكرين له.

تجاوز الانهزامية.. والجامعة الملكية المغربية

“الدافعية” تعني التحفز والتشوق لتعلّم المهارة المطلوبة، وتدفع الفرد وتحرك سلوكه وتمنحه القوة والصبر والجلد وتشحذ الهمة لديه، لبذل الجهد وتحمّل المشاق في سبيل إجادة تعلّم الشيء أو المهارة.. الفريق المغربي ومدربه وليد الكراكي امتلكوا القوة النفسية الدافعة والمحركة لهذا الحلم بالوصول إلى كأس العالم، أي “الدافعية” بتجاوز الانهزامية التي فرضها علينا الغرب الاستعماري، وأفقدتنا الثقة بأنفسنا وقدراتنا كي يظل هو متفوقا. أسهم في امتلاك “المغاربة” لهذه “الدافعية” والجرأة والتشجع بالحلم، أن لاعبيهم عاشوا في أوربا ولعبوا لفرق أوربية، واكتسبوا الإرادة والعزيمة والتحدي، مع توفير دولتهم واتحادهم الكروي (الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم) للإمكانيات المطلوبة، لا سيما وأن بعضهم رفضوا اللعب لفرنسا رغم حصولهم على جنسيتها.

الثبات الانفعالي.. وبدلاء المصابين المغاربة عددا وكفاءة

يأتي دور “النضج”، فهو يعني بلوغ الفرد مستوى النضج اللازم للشيء المراد تعلّمه جسمانيا وعضليا وعقليا، فلا تكفي الدافعية أو الرغبة مثلا لتعليم طفل صعود درجات السلم أو قيادة دراجة، بل يلزم عضلات للساق له، ناضجة، قادرة على حمله في صعود السلم. في حالة منتخبنا المغربي، يعني “النضج” لياقة بدنية وصحية وعقلية عالية، وثباتا نفسيا وانفعاليا فائقا (هذه المسألة يمكن قياسها علميا وفق اختبارات نفسية)، والقدرة على الأداء الفائق في الوقت المناسب في الملعب، وتحت الضغط والظروف المتغيرة، فلا يهتز اللاعب منهم، أو ينهار وينهزم نفسيا لموقف طارئ أو تسجيل هدف في مرماهم أو خسارة مباراة. الإصابات التي لاحقت عددا من لاعبي المغرب في “مبارياته” السابقة لمباراتيه مع فرنسا وكرواتيا، ربما نالت من معنوياته، بما يعني أن درجة النضج النفسي والعقلي لدي بعضهم ليست كافية لاستيعاب الصدمات وتجاوزها، والتصرف سريعا بكفاءة وثبات، وقد يكون أسهم في ذلك عدم توفر بدلاء كافيين عددا وكفاءة للمصابين، إذ يبدو أن المدرب الركراكي لم يتحسب جيدا للإصابات وتعويضها.

اعتراف الركراكي وتراكم الخبرة.. وتهنئة كرواتيا

نأتي إلى “الممارسة”، فلا يمكن إجادة شيء ما، إذا لم يكن هناك تدريب نظري وعملي، فلا يكفي الشخص لتعلّم قيادة السيارات، مصاحبة وملاحظة قائد سيارة يوميا لفترة طالت أو قصرت، فعندما يمسك بعجلة القيادة، سيكتشف أنه لا يجيد القيادة. في الحالة المغربية، يلزم التدريب الملائم والدائم (نظريا وعمليا)، والتخطيط السليم والاستفادة من تجارب الآخرين أي “الخبرة”، وهذه الأخيرة بطبيعتها ليس لها حدود، فهي تتجدد وتتراكم، ما دام المرء مدركا لدروسها وداعما للعناصر الجيدة في تعاطيه، ومتخليا عن الممارسات الخاطئة وغير المجدية. مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي لمس هذه النقطة في تصريحات له نقلتها وكالة الأنباء الألمانية، عقب هزيمة فريقه أمام كرواتيا، فقد هنأ “الركراكي” المنتخب الكرواتي على احتلاله المركز الثالث قائلا “هم يستحقون ذلك، لديهم الخبرة أكثر منا”. هذا اعتراف من “الركراكي” بنقص الخبرة، وأظنه أدرك الجوانب التي تحتاج استكمال، وهذا كله لا ينال من إنجازه وفريقه. فيلسوف التربية الأمريكي جون ديوي (1859- 1952) يرى في هذا الخصوص أن “الحياة عبارة عن خبرة مستمدة من خبرة، تؤدي إلى زيادة الخبرة”، فكل تجربة وممارسة لشيء ما، تُكسب المرء خبرة جديدة، مفيدة له في تجربته، الآنية واللاحقة، فتؤدي إلى زيادة خبراته. أداء المنتخب المغربي مؤهل لكأس العالم في البطولة القادمة عام 2026، من خلال هذه الممارسة والمشاركة الفعالة التي خاضها في مونديال قطر، والخبرات التي اكتسبها، وستكون مفيدة له لاحقا، إن هو قرأها جيدا، وقام بتنمية مستواه تخطيطا وتدريبا ولياقة، داعما للعناصر الإيجابية في الأداء، ومتجنبا لما هو سلبي، ودارسا لتجربة الاحتكاك بالفرق القوية، وللفائزين الذين سبقوه في البطولة.

كل التهنئة لدولة قطر شعبا وحكومة وكل العرب والمسلمين على هذا الإنجاز القطري العملاق في المونديال، وهنيئا لكل العرب والأفارقة صعود المغرب إلى المربع الذهبي بكأس العالم.

المصدر : الجزيرة مباشر