مونديال قطر.. الهجوم الإعلامي الغربي الشرس وكيفية احباطه وإفشاله؟

 

بدأ العد التنازلي لانتهاء فعاليات مونديال قطر (كأس العالم 2022).. هذا الحدث العالمي (20 نوفمبر/ تشرين الثاني- 18 ديسمبر/ كانون الأول)، الذي شهد تنظيما فائق الجودة والروعة والجاذبية، شكلا ومضمونا ورسالة.. رغم كل التشنيع والتشويش الغربي على قطر، رفضا لنيلها شرف تنظيم هذه الفعالية الدولية المهمة. الهجوم الإعلامي الغربي العنيف والشرس، وإن كان قد اختص قطر لتنظيمها مونديال 2022، بالطعنات المسمومة والسهام، فإنه استهدف بالأساس كافة الدول العربية والإسلامية، باعتبار الكرة منتجا أوربيا أساسا، وأن “الغرب” هو الأولى بمثل هذه الفعاليات، استعلاء منه، وتمييزا عرقيا، واستخفافا بشعوبنا العربية والإسلامية.

ترويج للأكاذيب وتزييف للحقائق وريبة

استبق العالم الغربي انطلاق كأس العالم، بهجوم شرس ومنقطع النظير، عبر وسائل الإعلام الأوربية والأمريكية المقروءة والمسموعة والمرئية، وبكافة وسائل الاتصال والتواصل، بغية منع إقامة المونديال في قطر، أو على الأقل إفشالها. لولا أنني لا أميل إلى منهج التفسير التَآمُري في التعاطي مع مثل هذه الحالات، لقلت إنها مؤامرة محبوكة.. لكننا أمام “حملة إعلامية” مدروسة ومنظمة، سلكت مسالك إعلام بعض دول العالم الثالث، من شخصنة وتحيز وتسطيح للقضايا، وافتقاد للموضوعية والمصداقية، ترويجا للأكاذيب وتزييفا للحقائق، في “ازدواجيةً للمعايير” على عادة الغرب منذ مئات السنين، فكان الفشل حليفها.

 الحملة الإعلامية.. وتربية المواطن الغربي

جاءت نواتج هذه الحملة الإعلامية بالعكس تماما للمُراد منها، فمن طبائع الأمور أن “المتلقي” وإن كان يتأثر بوسائل الإعلام، خاصة المرئية منها، إذ تحوي صوتا وصورة ولونا وحركة، فتجتذب حواسه، وتستلبه وجدانيا.. إلا أن كثرة “الإلحاح في الهجوم”، تثير لديه في الآن ذاته الريبة والشك في المقاصد، ومن ثم المراجعة العقلية. المتلقي هنا مواطن غربي، لديه تكوين عقلي نتيجة لتربية وتعليم، قائم على الاستقلالية وإعمال العقل، وعدم الانقياد الأعمى لما يقدم له، بعكس مواطن بعض بلدان العالم الثالث، الذي يتم تربيته بأسلوب الحفظ والتلقين، ليكون لينًا في السمع والطاعة، وإقصاء العقل بعيدا، والميل للتفكير العشوائي وما شابه.

 تحفيز الشعب القطري والمقيمين لقبول التحدي

السؤال المُهم.. كيف تمكنت قطر من احتواء وكسر هذه الحملة الإعلامية العنيفة التي تشنها وسائل إعلام غربية عملاقة، منذ سنوات، وتصاعدت بحدة في الآونة الأخيرة بمشاركة ساسة أوروبيين، استباقا لمونديال قطر، وتزامنا معه؟
لا أزعم امتلاك إجابة قاطعة للسؤال، فالأمر يستدعي دراسات إعلامية وأبحاث متخصصة، للوقوف على أسلوب مواجهة هذه الحملة الإعلامية الضخمة، سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا، وإفشالها أو على الأقل إضعاف تأثيراتها إلى الحد الأدنى. كان لتصريحات الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر أمام مجلس الشورى القطري (25أكتوبر- تشرين الأول الماضي)، عن تعرض بلاده لحملة ضارية تتسع وتتواصل، بشكل غير مسبوق على خلفية تنظيم قطر لكأس العالم، الأثر الكبير في الحد من نواتج هذه الحملة الشعواء، وتأثيراتها، وتحفيز الشعب القطري والمقيمين، لقبول التحدي والتصدي للمهمة وإنجاحها، كونها مناسبة للتعاون والتآخي وتبادل الخبرات.. تجمع ولا تفرق، واعتبارها بطولة للجميع ونجاحها نجاح للجميع.

  السيف والأفعال أصدق من الأقوال

الجهد الدبلوماسي القطري هو الآخر، لعب دورا فاعلا في احباط المخطط الإعلامي لإفساد المونديال، بعد الفشل الغربي في منع انعقاده في قطر.. كما يُحسب للحملة الإعلامية الغربية، والتغطية المهنية لها بواسطة شبكة قنوات الجزيرة، تحشيد العرب والمسلمين حول العالم، دعما لقطر، وللفرق العربية المشاركة في المونديال. يقول الشاعر العربي أبو تمام بن أوس الطائي: “السيف أصدق أنباء من الكتب”، بمعنى أن منهج التفكير والتعقل والتخطيط السليم والإرادة والعزيمة القوية، من شأنهم حسم المعارك وكسبها على شاكلة معركة المونديال، وهو ما أجادته قطر وأبدعت فيه. إن الأفعال أقوى أثرا، وأكثر مصداقية من أي أقوال، حتى ولو كان مصدر الأقوال هو أعتى وسائل الإعلام.. ذلك إن الإنسان كائن اجتماعي واتصالي بطبعه، دائم الاشتباك مع الواقع.. فضولي راغب دوما في التعرف على غيره من البشر، والمجتمعات.

تلقائية الشعب القطري و20 ألف متطوع.. وتقبيل الوالدين

هيأت قطر كل الظروف لإشباع هذا الفضول لدى زوارها للمونديال، وهم بمئات الآلاف.. إذ وجدت هذه الأعداد الكبيرة ترحيبا وتواصلا وتعاونا ورحابة صدر، واحتكاكا بقيم وأخلاقيات الأصالة العربية وكرم الضيافة، ومشاهد لاعبين في تقبيل الوالدين والبر بهم، التي جسدت قيما أسرية دافئة، غير مفتعلة، ومُفتقدة في الغرب، وهي جاذبة بلا شك، لكل إنسان مهما كانت جنسيته أو ديانته. احتشد الشعب القطري في تلقائية ومعه 20 ألف متطوع نصفهم من العرب، لتقديم أبهى صور التحضر والرقي، والتعاون والسماحة والإخوة الإنسانية والمودة والمحبة قبولا للآخر الأجنبي بدون عُقد ولا رواسب، ليجد هؤلاء “الأجانب” أن الصورة معاكسة تماما لما سمعوه وعرفوه عن العرب باعتبارهم متخلفين، غير متحضرين. هذا إضافة للتعبير السلمي الراقي عن التضامن مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المثابر، وبُغضا للاحتلال الإسرائيلي.

 مليارات المتابعين للمونديال والزوار وصفحاتهم لتعرية الأكاذيب

هؤلاء الأجانب الذين عايشوا عن قُرب الشعب القطري والعربي خلال فعاليات مونديال قطر، هم أنفسهم تحولوا إلى “وسائل إعلام” من خلال صفحاتهم للتواصل الاجتماعي، وأدواتهم، للدفاع عن قطر، والعرب، والرد على الإعلام الأوربي والأمريكي المهاجم، وتعرية أكاذيبه وزيف ادعاءاته وتزويره للحقائق. هنيئا لقطر، شعبا وحكومة وللشعوب العربية وحكوماتها التي تعاونت وفتحت البلاد لاستقبال رواد المونديال ومنحتهم الإقامة.. فهذا النجاح لقطر هو نجاح لكل العرب، وكسر للهيمنة الغربية ولو بشأن كرة القدم الساحرة التي تجذب إليها مليارات البشر متابعين لفعاليات المونديال ومبارياته.. لا سيما في مثل هكذا مناسبة تتكرر كل أربع سنوات فقط.

أتم الله على قطر المونديال بسلام وتوفيق.

المصدر : الجزيرة مباشر