صحراء الربع الخالي مثلت “برمودا” الجزيرة العربية

في مثل هذا اليوم (10 ديسمبر) كانت رحلة بيرترام توماس الشهيرة بمساعدة عدد من البدو، السكان الأصليين لـ “الربع الخالي”

من صحراء الربع الخالي (وكالات)

صحراء الربع الخالي، ذلك الاسم الذي ارتبط بالغموض والإثارة عند الرحالة والمستكشفين، يكفينا أن نذكر الاسم حتى يثار الرعب والخوف.

“الربع الخالي” في الصحراء لا يقل رعبًا وغموضًا عن مثلث برمودا الشهير؛ فحوله أطلقت الكثير من الأساطير. إنها رحلة محفوفة بالمخاطر في صحراء الربع الخالي، تلك الصحراء الشاسعة التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة العربية، وتتقاسمها أربع دول عربية هي سلطنة عُمان، واليمن، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، التي يوجد بها الجزء الأكبر من تلك الصحراء الغامضة.

وعلى الرغم من كونها من أكثر الصحاري جفافًا في العالم، بسبب مناخها الحار صيفًا البارد شتاءً؛ مما جعلها منطقة منعزلة وخالية من البشر في وقتنا الحالي، فإنها لم تكن دائمًا خالية. فقد كانت منطقة صحراء الربع الخالي في القدم منطقة عبور للقوافل المحملة بالتوابل والأحجار الكريمة، والبخور واللُّبان، الذي تنفرد سلطنة عُمان بإنتاج أجود أنواعه، واستمرت هكذا حتى أصبحت طرقها صعبة جدًّا، فهجرها التجار، وتركوها محمّلة بأسرارٍ، وأساطير، تسري عبر الأجيال، أبعدت الناس والرحالة عنها حتى اليوم، إذ توجد بها مناطق كثيرة، لم يتم اكتشافها مطلقًا.

بالإضافة إلى البدو الذين ظلوا يبحرون فيها على ظهور سفن الصحراء (الجمال)، فإن أول محاولة لاجتياز صحراء الربع الخالي، من الرحالة الغربيين، تعود إلى الرحالة والمستكشف الإنجليزي بيرترام توماس عامي 1930 و1931، عندما سمع قصة تدور حول مدينة مدفونة تحت الرمال تسمى “أوبار”، أو أتلانتس الرمال كما أطلق عليها لورنس العرب الذي ذكرها أكثر من مرة في مخطوطاته وتمنى العثور عليها لكن لم يتحقق له ذلك. وهذه المدينة لم تندثر بسبب تعرضها للنهب أو الدمار من قبل الأعداء، أو بسبب الأوبئة والزلازل، وإنما اختفت تحت رمال الصحراء.

 رحالة يمتنع عن التدخين

بدأ بيرترام توماس رحلته الشهيرة في 10 ديسمبر 1930 بمساعدة عدد من البدو، السكان الأصليين لتلك الصحراء.

ويعتبر بيرترام توماس، الذي عمل مستشارًا في مجلس وزراء سلطنة عُمان، أول أوربي يجتاز صحراء الربع الخالي، المعروفة ببيئتها القاسية ورمالها المتحركة وخلوها من الحياة تقريبًا.

وحتى يحصل بيرترام على ثقة القبائل، قام بارتداء الزي البدوي، والتحدث باللهجة المحلية الدارجة، حتى إنه امتنع عن التدخين وشرب الخمر، احترامًا لعادات وتقاليد أهل المنطقة.

ولا يزال إنجازه هذا من أفضل مآثر الاستكشاف العربي عبر التاريخ، فبفضل رحلته العجيبة تمكن من الإجابة عن أغلب تساؤلات المستكشفين والرحالة في ذلك الوقت.

يقول بيرترام توماس في كتابه “مخاطر الاستكشاف في الجزيرة العربية” عن صحراء الربع الخالي: “استطاعت صحراء الربع الخالي تلك الصحراء العذراء الكبيرة في جنوب شبه جزيرة العرب أن تستحوذ على انتباه “ويلستد” و”ريتشارد بيرتون”، بل استحوذت على انتباه كل رجل أبيض أقام في شبه جزيرة العرب، كما أغرتني أنا الآن، ومنطقة الربع الخالي يمكن تشبيهها بسيدة وقور، تومئ للإنسان بأن لا يقربها، كان هذا هو انطباعي الأول بالنسبة لها، ولكن لم أتعلق بهذا الوهم الذي سببه الغزو المباشر والنهائي، وكان قلب الرمال يحتاج مني إلى خبرة وتجربة، وكان طموحي وقتها محددًا بنطاق الحدود الجنوبية للأراضي، وكان هذا كافيًا لأنها تمثل مساحة كبيرة”.

هكذا أنهى بيرترام جملته الجميلة، واصفًا مشاعره اتجاه تلك الرحلة العجيبة داخل تلك الصحراء الساحرة، صحراء الربع الخالي.

وعلى الرغم من جميع مساعيه، والمصاعب التي خاضها في عبور صحراء الربع الخالي، فإنه لم يتمكن من الوصول إلى المدينة المفقودة، فقد اكتشف بعض الأطلال والآثار، لكن هذه الاكتشافات لا تدل على أنها مدينة “أوبار” المفقودة.

وتوفي بيرترام دون أن يصل إليها، لكنه ترك وراءه كتابًا هامًّا يسمى “أرابيا فيليكس”، واصفًا فيه ما رآه وحدث له في رحلته الشهيرة.

البحث عن المجهول

ولم تكن تجربة بيرترام في اكتشاف الربع الخالي هي الوحيدة، فقد تبعه في ذلك، الرحالة والمستكشف البريطاني جون فيلبي، ثم المستكشف الإنجليزي ويلفريد ثيسيجر عام 1940 مستأنفًا ومتممًا رحلة البحث الاستكشافية، وكان ثيسيجر قد قرأ كتاب بيرترام توماس عن رحلته في الصحراء العربية، كما قرأ كتاب توماس إدوارد لورنس (لورنس العرب) “ثورة في الصحراء” فأثار ذلك إعجابه واهتمامه بالعرب، واتجهت أفكاره إلى صحراء الربع الخالي.

وقد عبّر عن ذلك في كتابه الرمال العربية قائلًا “لا أدري ما الذي يدفعني إلى مغادرة بلادي إلى أرض الشرق، أبحث في رمالها عن المجهول، وأعيش فيها على الجوع والخوف، لعل سحر الصحراء قد استهواني”.

ومن شدة حبه لحياة الصحراء واندماجه بالبدو الذين لولاهم ما نجح في القيام برحلته، قام كذلك بارتداء ملابسهم حتى سماه رفاقه من البدو الذين قادوه عبر رحلته “مبارك بن لندن”.

تمكن ثيسيجر من عبور الربع الخالي مرتين بين عامي 1945 و1950، وقد عثر في منطقة تسمى “شصر” على بقايا بئر، وصور قلعة مبنية من الحجر الكلسي، قال إنها يمكن أن تكون بقايا حصن في المدينة، لكنه لم يتمكن أيضا من إثبات أن تلك الأشياء المكتشفة تعود إلى المدينة المفقودة، لكن محاولته هذه مكنت شركة تنقيب عام 1948، من إكمال اكتشافاته وتحديد منطقة “شصر” على أنها مكان المدينة المفقودة، لكنهم لم يقدموا أي دليل منطقي على صحة هذه الأقوال.

وما زالت تلك الصحراء تحمل الكثير من الأسرار التي لم يتم اكتشافها بعد، ولا تزال أميرة الربع الخالي، المدينة المفقودة، تنتظر بطلًا يوقظها من سُباتها، ويكشف عن الجمال والسحر المدفونين تحت رمالها الذهبية.

المصدر : الجزيرة مباشر