في الصين.. “إعلام كاذب” يكشف خديعة الرئيس!

الرئيس الصيني جالسًا بينما يتحدث اليه الرئيس السابق الذي صدرت الأوامر بإخراجه من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي

 

ينتظر الصينيون عادة نتائج اجتماعات الحزب الشيوعي على أحر من الجمر، يترقبون القرارات الختامية لمؤتمر يُعقد كل 5 سنوات، على ضوئه تتشكل مراكز القوى، وشؤون الحكم. قبل ساعات من انتهاء أعمال المؤتمر العشرين، صباح السبت 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فوجئ الناس بخبر بثته وكالة أنباء (شينخوا) الرسمية، بأن الرئيس السابق هو جينتاو غادر قاعة الاجتماعات، لشعوره بوعكة صحية.

لم يهتم أحد بالخبر، لا سيما أن مراسل الوكالة لو جيان وين، كتب عندما بدأ الاجتماع، أن الرئيس السابق (79 عاما)، أصر على أن يحضر الجلسة رغم مرضه.

كلمات ممنوعة

قبل أن ينتهي الحزب من اجتماعات امتدت 3 أيام، لاحظ مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي حظر الرقابة على الإنترنت، واستخدام كلمات لم تكن موجودة، منذ تعليق متظاهر لافتة احتجاج بجانبي جسر وسط العاصمة بيجين تطالب الرئيس “شي” بالرحيل وتتهمه بالخيانة. يعلم مستخدمو الإنترنت في بلد شديد القمع للكلمة والحريات، أن تعديل خوارزميات الرقابة يجرى يوميا، خاصة مع انشغال القادة بمؤتمرات تشهد عادة صراعات سياسية.

لفتت الرقابة أنظار الجمهور إلى وجود حدث خطير، عندما وسّعت قائمة الكلمات المحظورة، مثل “صعود العرش، مغادرة الاجتماع، مقيد للغاية”، ورصدت مواقع متخصصة حذف محتوى تعديل دستوري أقره مجلس نواب الشعب (البرلمان) في 11 مارس/آذار 2018، ينص على عدم السماح بإعادة انتخاب الرئيس أكثر من ولايتين.

عرف الصينيون صباح الأحد 24 أكتوبر نهاية الصراع، بصدور بيان تشكيل أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، تضم الرئيس شي (69 عاما) و6 من مساعديه، وهم لي تشيانغ (67 عاما) سكرتير الحزب الشيوعي في شنغهاي والمرشح لرئاسة مجلس الدولة (الوزراء)، وزهاو لي (65 عاما) المسؤول عن لجنة الانضباط ومكافحة الفساد، وتساي شي (66 عاما) سكرتير الحزب في بيجين والرفيق الملاصق لـ”شي” منذ عملهما معا بمقاطعة فوجيان بالجنوب. جاءت التعديلات بدينغ شيوي شيانغ كأصغر مسؤول باللجنة (60 عاما)، ولي شي (66 عاما) رئيس وحدة الانضباط والمسؤول عن المخابرات، المرافق لـ”شي” مثل ظله منذ سنوات.

الصندوق الأسود

تشكك الناس في حدوث أمر جلل بحزب اعتادوا أن يخفي صراعات النخبة بصندوق أسود لا يطلع عليه أحد، ويعيد كتابة التاريخ في كل حقبة زمنية، بما يتناسب مع أفكار القائمين عليه وأهوائهم. جاءت الاختيارات للقادة من “الهان” كالعادة، وعدا شخص واحد، يقع الجميع على أعتاب السبعين، معظمهم لديهم روابط عائلية مع الرئيس، إما عبر آبائهم ممن عملوا مع والده الوزير الثوري الإصلاحي الذي انقلب عليه الحزب في عهد ماو تسي دونغ، أو التقوا “شي” في مراحل حياته الأولى، ويدينون له بالولاء المطلق، ويزينون له أفكار صعود الصين لإدارة العالم، وسوء الأعمال، بدرجة دفعتهم إلى تعديل الدستور، ليحصل على ولاية رئاسية مفتوحة المدة.

حصل (شي) على ألقاب زعيم الشعب والمرشد الأعلى للحزب والقائد الأعلى للقوات المسلحة، في “دولة الحزب”، بما يجعله فوق النقد ومحصنًا وفقًا للدستور، والآمر الوحيد للجيش لشن الحرب، من دون أن يجرؤ أحد على مخالفته، وإلا تحوّل -وفقا لهذه التعديلات- إلى عدو للحزب والدولة، وبما يوجب تطهيره بالسجن مدة طويلة.

لم يحصل الناس على إجابة عن أسباب رحيل رئيس الوزراء المفاجئ لي كه تشيانغ (68 عاما) مهندس اقتصاد السوق، رغم توقعهم أنه سيصبح الرئيس في حال تقاعد “شي”، بعد دوره المهم في طمأنه الأسواق والناس خلال أزمة كوفيد-19، ولم يتخيلوا أن يختف وانغ يانغ (68 عاما) مهندس السوق الحرة في وادي السيليكون بالجنوب الشرقي من البلاد. زادت الدهشة مع إبعاد هو تشون هوا (59 عاما) نائب رئيس الوزراء من المكتب السياسي الذي يضم 24 عضوا، والمشهور في الآونة الأخيرة بـ”هو الثاني”، باعتباره ممثلا لجيل الشباب المنتظر لقيادة البلاد، في حال رحيل “شي”.

نهاية القمع

تمكنت الآلة الإعلامية وسلطات القمع من تغمية الشعب عما يحاك في الخفاء، فتمر ساعات لنكتشف أن القبضة القوية لم تتمكن من السيطرة المطلقة طوال الوقت. قبل السماح بدخول الصحفيين الأجانب إلى قاعة المؤتمر، لتصوير لقطات الختام التاريخية على خلفية حمراء، طلب “شي” إعادة تصويت مندوبي المؤتمر الـ2300، على اختيار أعضاء اللجنة المركزية للحزب 205 أعضاء، لإبعاد 5 منهم، ومن ثم إعادة اختيار أعضاء المكتب السياسي الأعلى درجة، لإبعاد أحدهم، ليصبح 24 عضوا.

شاهد الصحفيون المحليون الصراع على السلطة علنا للمرة الأولى، حينما سحب لي تشانشو -المسؤول الثالث بالحزب الجالس على يسار “هو جينتاو”- ملفا أمام الرئيس السابق، فيحاول “هو” أن ينظر إلى الورق ويجذبه تجاهه، فينظر الرئيس شي، ليثنيه عن طلبه، فلم يسكت. أومأ “شي” لحارسه الخاص بأن يأخذ أوراق الخديعة الجاهزة ضد “هو” ورجاله بالحزب، تضمنت قائمة سرية للمبعدين. وصف “شي” قائده “هو” عام 2012 عندما تنازل هو عن سلطاته طواعية وبطريقة سلسة، للمرة الأولى في البلاد، بأنه “صاحب العقل الراجح والشخصية النبيلة”، الآن يهينه ويلقي به خارج القاعة على الملأ.

دولة الخوف

صوّر الصحفيون المشهد بهواتفهم من زوايا عدة، في خطوة كاشفة لمعارضة بعضهم لممارسات الرئيس وضعف القبضة الأمنية للسلطة. وبعد 3 أيام، أذاعوا الحدث في تلفزيون سنغافورة الرسمي، وانتشر كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، خارج الصين وداخلها.

يُظهر المشهد خروجا مذلا لرئيس قابلته شامخا في مناسبات عدة، بفعاليات (إكسبو شنغهاي 2010)، وفي بيجين. رأيته يؤسس لنظام جماعي للسلطة، عبر مجموعة “المهندسين” الذي أحدثوا نهضة اقتصادية كبرى. حمل الحرس الخاص لــ”شي” الرئيس عنوة وجريا خارج القاعة، بينما البرود واضح على قادة الحزب ومَن حولهم خوفا مِن “شي”.

أكملت الصور المشهد، إذ سجلت إخراج ابن “هو” من اللجنة المركزية، لإبعاده عن المراكز القيادية نهائيا، وإزاحة رئيس الوزراء الحالي، لتعيين سكرتير شنغهاي مكانه في مارس المقبل، وإقصاء “هو الثاني” ليتصدر “الرجل الأوحد” المشهد منفردا، ليبدأ عهد يسمي حقبة “ماو الثاني” رئيسا إلى الأبد.

المصدر : الجزيرة مباشر