في كتابه نحو عالم أكثر عدلا: أردوغان يبحث عن حلول جديدة لأزمة اللاجئين!

أردوغان يرفع كتابين بخطط حزبه

قرأت توصيف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمأساة اللاجئين بقلب إنسان تعرض للهجرة قسرا من وطنه، وترك خلفه ممتلكاته وجاهه ومكانته العلمية والأدبية.. لذلك شعرت بالمعاني الحضارية والإنسانية التي أراد أردوغان أن يعبر عنها.

وينطلق أردوغان في توصيفه لمأساة اللاجئين من تراث أمته الحضاري في الكفاح من أجل تحقيق العدل، ونصرة المظلوم وإكرام الضيف والنجدة والمروءة.

وتتجلى أصالة القيادة في الكثير من معاني الفروسية والنخوة والكرم.. فالعدالة في تراثنا ترتبط بالسيادة والعزة.. وفرسان الحق الذين يملأ قلوبهم الإيمان هم الذين يكافحون ويضحون لحماية المظلومين، وهم الذين يقودون الأمة لتحقيق العدالة التي ترتبط بالحرية وحقوق الإنسان.

من حقه أن يفخر

لذلك يفخر رجب طيب أردوغان بموقف دولته الحضاري الإنساني من مشكلة اللاجئين -ومن حقه أن يفخر- فيقول: إننا نشعر بالآثار المأساوية الواقعة في سوريا منذ اليوم الأول لأننا دولة جارة، ولنا روابط وثيقة مع شعبها، وتركيا اليوم تستضيف حوالي 4 ملايين لاجئ، بينهم 3.6 ملايين سوري، وأكثر من 365 ألف شخص من جنسيات أخرى، وقد فتحنا أبوابنا لجميع المظلومين دون النظر إلى معتقداتهم وأصولهم، فهذا الموقف واجب إنساني قبل كل شيء بالنسبة لنا.

لكن المشكلة -كما يرى أردوغان- جاوزت الأبعاد التي يمكن لأي دولة أن تتغلب عليها وحدها، وسبب تعمق المشكلة يعود إلى تبدد آمال الناس في العودة إلى وطنهم بعد أن غادروه.

إنه لا يمكن التغلب على المشكلات الناشئة في هذه المنطقة -وخاصة قضية المهاجرين والإرهاب- دون الاتفاق على حل مقبول لكل من يعيش في سوريا، وهذا يتطلب تعاونا من المجتمع الدولي.

حقائق صادمة عن الأزمة!

يقدم رجب طيب أردوغان للعالم صورة لأزمة لم يشهدها العالم من قبل فيقول: إن هناك ما يقرب من 260 مليون مهجّر، وأكثر من 80 مليون نازح، و25 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، ولا يزال هذا العدد في تزايد يوما بعد يوم لأسباب اقتصادية، إضافة إلى أسباب متعددة أخرى مثل الجوع والقحط والحروب الأهلية والهجمات الإرهابية والغموض السياسي.. فيضطر الناس إلى الهجرة، لا من أجل البحث عن العمل أو لتأمين مستوى معيشي أفضل: بل للبقاء على قيد الحياة، وسد الجوع، والعثور على قطعة خبز يسدون بها رمق أولادهم.

ويقدم أردوغان الكثير من الحقائق التي تشكل صدمة لضمير الإنسانية من أهمها: أن رحلات الأمل غالبا ما تنتهي بالموت.. فمنذ عام 2013 ذهب 20 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال ضحايا الأمواج الهائجة في البحر المتوسط، ولقي الآلاف من الأبرياء حتفهم في الصحراء الكبرى.

هناك الكثير من الحقائق يكشفها أردوغان توضح أنه درس الأزمة بعمق ليقدم رؤيته لحلها، إذ يقول: إن قضية اللاجئين تخفي وراءها مأساة كبيرة، فجثث الأطفال الصغار على الشواطئ أظهرت للعالم أن هذه القضية لم تعد تحتمل التجاهل.

وهذه المشكلة تزداد عمقا بسبب تعارض المصالح بين الدول، وضعف المؤسسات الدولية، والأهم من ذلك عجز الأمم المتحدة وعدم فعاليتها، ولهذا أصبحت عملية الإصلاح -في وقتنا الراهن- أمرا ضروريا لإعادة هيكلة الأمم المتحدة.

فضيحة للغرب!

هذه الحقائق عن مأساة اللاجئين تكشف الوجه الحقيقي للغرب وتنكره للمبادئ والقيم الإنسانية. لذلك يقول رجب طيب أردوغان: إن إخواننا السوريين يناضلون من أجل البقاء على قيد الحياة، وفقد الآلاف منهم حياتهم بسبب الأعمال الوحشية التي ارتكبها إرهاب الدولة والمنظمات الإرهابية، ونزح الملايين من منازلهم وأوطانهم، وتحولت المدن التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين -وكذلك المكتبات والمساجد والمستشفيات- إلى ركام ودمار.

لكن ما موقف الدول الأوربية من هذه المأساة؟!! يجيب أردوغان بأن الدول الأوربية لم تكترث بما يسمى القيم الغربية مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، بل تركت الشعب وحده في مقاومته من أجل الحرية.

لقد ترك الغرب المظلومين السوريين تحت رحمة نظام لا يتردد في استخدام جميع أنواع الأسلحة -ومن ضمنها الكيماوية- في قتل المدنيين، لا بل يفتخر بذلك، ولا يكترث بآلام الأطفال الذين قتلوا.

ويوضح أردوغان كيف تجاهل المجتمع الدولي مأساة اللاجئين السوريين؛ فلم يذرف أحد دمعة واحدة من أجل عشرات الآلاف الذين لقوا مصرعهم في ظلمات البحر المتوسط وبحر إيجة.

أما الذين نجحوا في الوصول إلى أوربا فقد تعرضوا للذل والاستغلال والمواقف التي تؤذي مشاعرهم.

ويضيف أردوغان أن أوربا انشغلت بإغلاق حدودها، ونظرت إلى الهجرة غير النظامية القادمة من سوريا من نافذة الأمن والمصالح الوطنية، وروجت لفكرة خاطئة للغاية هي أن الأسلاك الشائكة ستحمي أوربا من تدفق اللاجئين، لا بل إنهم قدموا توصيات ستذكر في المستقبل بالخزي والعار مثل إغراق زوارق اللاجئين في البحر المتوسط، وطبقوا سياسة دفع اللاجئين إلى الوراء، وتركوا هؤلاء الناس لمياه البحر.

أوربا وخطاب الكراهية

في مواجهة مشكلة اللاجئين استخدمت أوربا خطاب الكراهية الذي تصاعد في السنوات الأخيرة، ويصف أردوغان هذا الخطاب بقوله: إنه لأمر مخز أن تقوم العملية السياسية على مآسي الناس الذين اضطروا إلى ترك كل ممتلكاتهم خلفهم.

وبينما تعرض المطالبون بالديمقراطية وبحقوقهم وكرامتهم في الشرق الأوسط للسحق، نرى العالم آثر الاستمرار في لعبة القرود الثلاثة (لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم)، فلا يسمع صوت المدافعين عن الديمقراطية والحرية والحقوق.

ولقد فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل للأزمة الإنسانية التي يتعرض لها مسلمو أراكان، كما حدث في سوريا، وكذلك فشل المجتمع الدولي في منع المأساة التي شهدتها ميانمار.

وفي مواجهة هذه المأساة يطرح رجب طيب أردوغان سؤالا مهما: هل الديمقراطية موجودة من أجل القوى المهيمنة فقط؟ ولماذا لا تطبق الديمقراطية والحقوق والحريات على الدول المتخلفة، أو الدول النامية، وعلى شعوب تلك الدول؟

ويجيب رجب طيب أردوغان بقوله: إذا كنا سنصمت عن الحقائق التي نؤمن بها؛ فلن يحكم بالحق أبدا، وسيحكم الظالمون العالم.

إن اعتراضنا على ذلك هو في الواقع صوت مشترك صادر عنا، وعن جميع الدول النامية، ولم يعد هناك مجال لصم الآذان.

يضيف رجب طيب أردوغان: لم تعد هناك إمكانية لديمومة بنية النظام الأمني العالمي الراهنة التي ترعى الظالم لا المظلوم، ولا تمنح الأمن للإنسانية.

لقد ولى الزمن الذي كان فيه الغرب هو مركز العالم، وآن الأوان لبناء عالم متعدد المراكز؛ ورفض هذه الحقيقة، وعدم إجراء التحولات البنيوية المناسبة هما أهمّ أسباب تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى الغرب.

إن الناس الذين يتجهون إلى أوربا على متن القوارب البالية والسفن القديمة المهترئة عبر مياه البحر المتوسط، إنما يبحثون في الواقع عن الأمن والحياة الكريمة.

أين الضمير؟!!

لكن الدول الغربية التي وضعت مبادئ الحريات وحقوق الإنسان الأساسية في أعقاب الحرب العالمية الثانية وجعلتها شعارات لها؛ أصبحت تدير ظهرها اليوم لهذه القيم. وبينما آلمنا أشد الألم موت الناس في البحر المتوسط، وفي بحر إيجة، وإلقاء جثثهم على الشواطئ؛ لم نر أدنى علامات الندم وعذاب الضمير لدى أولئك الذين تركوا هؤلاء الناس للموت؛ لذلك لا يمكن لنظام عالمي فقد الرحمة أن يداوي جراح الإنسانية.

يرى رجب طيب أردوغان أن الحل الحقيقي لمأساة اللاجئين، يكمن في إنهاء الصراعات والحروب في البلدان التي جاء منها هؤلاء المهجرون القسريون في أسرع وقت ممكن.

لذلك يجب أن يتولى السلطة نظام يضمن مستقبل شعوب هذه البلدان من الناحية السياسية والاقتصادية، ويلقي سمعه لأصواتها ومطالبها، وحينها ستزول الأسباب التي تدفع هؤلاء الناس إلى التوجه إلى حدودنا، أو إلى أبواب الدول الأوربية، وأيّ خطوة تتخذ دون النظر إلى السبب الحقيقي وراء مشكلة اللاجئين، وإيجاد حلول مناسبة لها، لن ينجم عنها أكثر من مشاهد جديدة تجرح ضمير الإنسانية.

ولكن هل يمكن أن تتوقف الصراعات؟!

يرى أردوغان أن العالم فشل في حل الأزمة السورية والعراقية، والقضية الفلسطينية.

لكن أردوغان يفاجئنا بأنه على ثقة بأن الصراعات ستتوقف، وسيتم تطبيق الحلول التي تناسب التوازنات التاريخية والثقافية والعقائدية والمذهبية في المنطقة. وتركيا قدمت -ولا تزال- كل دعم من أجل الجهود المبذولة في هذا المنحى.

لكن من أين استمد أردوغان تلك الثقة بأن الصراعات ستتوقف؟!

إن الوعي بالتاريخ والقراءة المتعمقة للواقع تؤكد أن العالم يتغير بسرعة، وأن الشعوب ستنتصر في النهاية، وستبني المستقبل على أسس الحرية والعدل.

تلك الثقة توضح أن أردوغان ينطلق من رؤية للمستقبل تقوم على مبادئ حضارية وإنسانية، وهذه الثقة بالقدرة على تحقيق الشعوب لأهدافها وانتزاع حريتها دليل على أصالة القيادة، وقوة الإيمان، والقدرة على مواجهة التحديات.

كما أن ثقة القائد بالقدرة على تحقيق الأهداف توضح قدرته على قيادة مرحلة جديدة من الكفاح لبناء عالم أكثر عدلا، وهو عنوان كتابه!

ولأنه يثق بقدرة الشعوب على بناء المستقبل، فإنه يمكن أن يقود كفاحها من أجل الحرية والكرامة والعدالة والتنمية.

المصدر : الجزيرة مباشر