رسالة من مدينة ألمانية.. هل يزعج الأذان سياح القاهرة؟!

زاهي حواس

 

في مدينة كولونيا الألمانية، قررت البلدية هذا العام رفع الأذان في أكبر مساجدها كل يوم جمعة عبر مكبرات الصوت، وجاء القرار بعد اتفاق بين المدينة والجالية المسلمة على تخفيف القيود المفروضة عليهم بموجب مبادرة مدتها عامان ستسمح لكل المساجد في كولونيا -وعددها 35 مسجدا- برفع الأذان لمدة تصل إلى خمس دقائق أيام الجمعة، وهي مبادرة قابلها الألمان بدون انفعال، ورآها البعض الآخر أمرا منطقيا لجالية مسلمة كبيرة تعيش في المدينة،  لم يحتجّ أحد على رفع الأذان بحجة الإزعاج، فالأمر تم تنظيمه في هدوء، وكما قالت رئيسة بلدية المدينة هنرييت ريكر “القرار هو إحدى علامات الاحترام لأهل هذه الديانة”.

لا شك أن احترام الثقافة والديانة هو مؤشر على قبول الآخر وعدم التحيز ضده، وكما ترى رئيسة بلدية كولونيا أن التعددية الحقيقة يجب أن تكتمل بقبول الآخر، وأن انطلاق صوت الأذان عبر مكبرات الصوت مؤشر على القبول المتبادل للأديان، والالتزام بالحرية الدينية التي يحث عليها الدستور الألماني، كما أن كثيرين يعتقدون أن المسلمين في هذا البلد جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي، وأن كل من يشكك في ذلك، إنما يشكك في هوية البلاد وروح التعايش السلمي فيها.

الكاتب والوزير يهاجمان صوت الأذان

لقد أعاد ذلك إلى الأذهان ما ذكره وزير الآثار المصري الأسبق الدكتور زاهي حواس، في حوار له مع قناة صدى البلد، أن صوت الأذان في مساجد القاهرة يزعج السياح، ولا يشجع على السياحة، وقال “إنها شكوى عامة وظاهرة لا توجد في العالم غير مصر”!!

مبرر الدكتور حواس في ذلك أن الدول السياحية مثل مصر، يجب الاهتمام فيها براحة السائح وعدم إزعاجه، لكن الغريب في هذا الأمر أن يتم التغاضي فعلا عن الأسباب الحقيقية التي تزعج السياح في بلد مثل مصر ويتم إلصاقها بصوت الأذان!!

كان الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى أيضا قد سبق حواس في هذا الطرح، وشن هجوما على رفع الأذان في المساجد القريبة من أماكن إقامة السياح في فنادق القاهرة وقال “الأذان والميكروفونات الصاخبة من أهم الأسباب التي تؤثر على السياحة في مصر”!!

الحقيقة أن هذا ليس صحيحا، فكل من رافق سياحا أجانب إلى مصر يعرف أن أحدا لم يشتك من صوت الأذان قط، بل أيضا بإلقاء نظرة على كتيبات دليل السياحة إلى مصر، التي تهتم بالتفاصيل، وتنبه السياح إلى ما يجب توخي الحذر منه، لا نجد أثرا إلى صوت الأذان كعامل إزعاج.

السياح يزورون المساجد التاريخية

السياح والضيوف الأجانب أكثر ذكاء وثقافة مما يعتقد إبراهيم عيسى والدكتور حواس، فهم يعرفون أن السياحة في البلاد الإسلامية لها خصوصيتها بسبب المعتقد والثقافة المختلفة، كذلك رغبة السائح بشكل عام في معايشة أجواء وثقافة ذلك البلد بكل تفاصيلها حتى يستمتع فعلا بالزيارة. على سبيل المثال، يهتم بزيارة المساجد الأثرية والأحياء الشعبية، ويختار الأكلات المشهورة كالفلافل والكشري، ويحتسي أكواب الشاي في مقهى الفيشاوي، ويتجول في أحياء القاهرة القديمة العامرة بالمساجد، ولا يعزل نفسه في فنادق وسط البلد ذات الطابع الغربي وسط الأجواء التي جاء منها، بل ينطلق يخالط الناس ويتعرف على ثقافة الشارع، لأن هذا هو المعنى الحقيقي المرادف للرحلة السياحية الثقافية!

صحفيو مونديال قطر يثنون على صوت الأذان

في قطر وقبل ساعات من انطلاق المونديال، حصلت تغريدة على تويتر للصحفي الرياضي الشهير “هنري وينتر” -مصحوبة بفيديو لصوت الأذان الذي انطلق من مساجد قريبة من استاد الوكرة- على الكثير من الثناء، إذ كتب الصحفي الإنجليزي أنه تأثر كثيرا بسماع صوت الأذان، وتساءل أحد المعلقين عما إذا كان يجب التوقف عن التدريب احتراما لصوت الأذان.

أما الصحفي البرازيلي كارتر باتيستا، فقد أعرب أيضا عن تأثره بسماع صوت الأذان، ووصفه بأنه أحد أجمل الأشياء التي رآها في دولة قطر.

تلك هي الأشياء المختلفة عادة التي تسعد السائح في زيارته للخارج، أن يرى كل مختلف، حتى ضجيج القاهرة، وصخب شوارعها، والبؤر الفقيرة فيها، كلها أشياء لا تزعج السياح، ولا تضر بسمعة مصر، فالسلبيات في كل دول العالم، وتسجيل أي شيء بالكاميرا سواء كان سلبيا أو إيجابيا إنما هو شعور وليد للحظة اندهاش، وليس له علاقة بثقافة البلد، ولا ينبغي أن يزعج أحدا.

الأسباب الحقيقية لإزعاج السياح

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم ينتقد إبراهيم عيسى والدكتور حواس تلك البدع ومعتقدات بعض الطوائف من السياح؟ التي تأتي لممارسة طقوس غريبة في أرض مصر، مثل “طائفة عبدة الأهرامات” التي تأتي سنويا لممارسة نوع من الهرطقة الدينية الخاصة بها داخل الهرم الأكبر، وهم يدفعون أموالا مقابل ممارسة شعائرهم دون أن يمنعهم أحد!

إذا كان هناك من يتقبل هذا الأمر بين المصريين أو المسؤولين بهدف عدم التحكم في رغبات السائح ومعتقداته، فمن المهم أيضا عدم جلد الذات ورفض شعائرنا وعقائدنا وفنوننا بحجة أن ذلك يزعج السائح.

في النهاية، لا خوف على السائح، فهو يعرف إلى أين يذهب، لكن الخوف كل الخوف من الأسباب الحقيقية التي تتسبب في “تطفيش” السياح، مثل النصب والتحرش والمضايقات الأمنية وتفتيش الكاميرات وحذف الصور، واعتبار أن السائح كنز دولارات يجب تفريغه منها قبل عودته إلى بلاده.

المصدر : الجزيرة مباشر