ماريغوانا “منة شلبي”.. وصحافة تنافس مواقع التواصل الاجتماعي في الانفلات!

منة شلبي

أثارت أخبار القبض على الممثلة المصرية منة شلبي بواسطة مسؤولي الجمارك بمطار القاهرة الدولي، يوم الجمعة الماضي، مُتهمةً بحيازة مخدر الماريغوانا، بقصد التعاطي، جدلا واسعا في الأوساط الشعبية والإعلامية والفنية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بين مُصدق، ومُشكك.

منة شلبي من مواليد عام 1982، وهي حائزة على جائزة أفضل ممثلة عربية، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من مهرجان “موريكس دور” اللبناني عن دورها في مسلسل “بطلوع الروح”، وجائزة فاتن حمامة للتميز عام 2019 عن مجمل أعمالها من مهرجان القاهرة السينمائي، وجائزة أفضل ممثلة، وأفضل دور نسائي من مهرجانات أخرى. شاركت منة شلبي في نحو 38 فيلما، منذ عام 2001 ابتداءً من فيلم الساحر أمام الفنان الراحل محمود عبد العزيز، وانتهاءً بفيلم الجريمة في العام الحالي. كما شاركت في بطولة 16 مسلسلا، والعديد من الأعمال الفنية.

على غير العادة

الواقعة تتلخص حسب الجمارك في ضبط مجموعة من القطع، قالت جمارك المطار إنها مخدر الماريغوانا، حسبما جاء في بيان رسمي صادر عنها.

البيان -على غير العادة- أتى على ذكر تفاصيل وعدد وأوزان القطع موصوفة جميعا بأنها من مخدر الماريغوانا، ولم ينس البيان اسم الممثلة “منة شلبي”. لاحقا تبين أن القطع المضبوطة المنسوبة إليها هي من الشوكولاته، والمكملات الغذائية التي تحتوي في تركيبتها على نبات الماريغوانا.

هذه الجمارك نفسها بالمطار تُصدر بيانات شبه يومية عن نشاطها وعمليات الضبط التي نجحت بها في وقف تهريب عُملات بمبالغ كبيرة أو أقراص مخدرة، أو حتى أجهزة كهربائية.. لكنها لم تذكر يوما اسم المتهم ولا تفاصيل المضبوطات.. فلماذا تذكر اسم منة شلبي؟

الممثلة المتهمة أنكرت تماما في التحقيقات أمام النيابة العامة صلتها بهذه المضبوطات حسبما أفاد المحامي المدافع عنها، الذي أكد أن عملية تفتيش حقائب موكلته (منة شلبي)، تمت بمعزل عنها ودون حضورها، وهذه نقطة بالغة الأهمية من الناحية القانونية إن كانت صحيحة، إذ يتعين قانونا حضور المتهم نفسه عملية تفتيش حقائبه أو سيارته أو منزله أو ما شابه ذلك.

الماريغوانا وعلاج الزهايمر والاكتئاب

النيابة المصرية تعاملت بشكل مهني سليم مع الواقعة وأخلت سبيل الممثلة شلبي في ذات اليوم، مقابل ضمان مالي قدره 50 ألف جنيه (ألفي دولار تقريبا)، مثلما تفعل مع غيرها من المتهمين بالتعاطي، وهو ما أثار حفيظة بعض رواد صفحات التواصل، ظنًّا منهم أن النيابة العامة لا تعمل في العطلات الرسمية، وهو ظن ليس في محله فالنيابة العامة تعمل طوال 24 ساعة يوميا مثل الشرطة.

“الماريغوانا” نوع من العقاقير يستخرج من نبتة القنب الهندي، وبحسب مواقع طبية موثوق بها، فهي تستخدم طبيا في تخفيف الآلام المزمنة، وإنقاص الوزن، والوقاية من أمراض السكر والسرطان ونوبات الصرع، وعلاج الاكتئاب والتوحد، والحماية من الزهايمر، وغيرها من الأغراض الطبية، والترفيهية، وطبيعي أن هذا كله يتفاوت بنسب مختلفة من غرض إلى آخر.

 هل كانوا أشرارا وقتلة؟

القضية التي تعنينا هنا في كل هذا، هي التناول الصحفي ومن بعده التلفزيوني، فهذه الوسائل المصرية سواء موالاة أو معارضة، تعاملت مع الحادثة بالإدانة التامة إهدارًا لقاعدة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، أو بالتشكيك في الواقعة بكاملها.

صحافة الموالاة اختارت التحيز واستباق التحقيقات وإدانة المتهمة تماما، وبدلا من نشر الأحرف الأولى من الاسم على الأكثر، فإنها نشرت اسمها وصورها وجواز سفرها (وثيقة السفر الدولية)، فمَن يقف وراء تسريب جواز سفرها ولماذا؟

راحت هذه المواقع الصحفية تنقب في سجل منة شلبي، لتتخذ من إتقانها لدور “المدمنة” في أفلام ومسلسلات سابقة، دليلا على إدانتها بالتعاطي والمضبوطات، فهل كان الفنانون الراحلون محمود المليجي وعادل أدهم وزكي رستم وغيرهم ممن أدوا أدوار القتلة والأشرار على الشاشة، هم قتلة وأشرار في الواقع أم هو الاستخفاف بالعقول؟!

أما صحافة المعارضة، فلا تختلف كثيرا في افتقاد الموضوعية والحياد، فقد اتخذت موقفا مُشككا في الواقعة من أساسها على طول الخط، واعتبار القضية ملفقة لـ”منة شلبي”، لأنها ربما “دهست كابل كهرباء عريان”، وهو تعبير شعبي مصري يعني في حالتنا هذه أن منة شلبي أغضبت واحدا من أصحاب النفوذ.

ليس من مهام الصحافة إدانة أي متهم، سواء شلبي أو غيرها؛ فلا يجوز القطع بصحة اتهام منة شلبي أو غيرها، تماما مثلما لا يمكن الجزم ببراءتها، استباقا للتحقيقات.

منافسة مواقع التواصل

إننا أمام صحافة تاهت منها أدوارها ومهامها وأخلاقيات المهنة ومواثيقها.. المتصدرون لساحاتها “جُهلاء”، ولا يدركون أنهم هكذا.. إنهم حمقى وخطر على المجتمع كله وقيمه وأخلاقياته لو كانوا من الموالاة، فهم مثل الدبة التي تقتل صاحبها، يسيئون إلى مصر كلها.

إنها صحافة لا تشعر بالخجل ولا الوجل وهي تضرب سمعة الناس في مقتل وتخوض في أعراضهم بالباطل، رغم أن “الخوض في الأعراض” محظور قانونا في كل الأحوال، ولو كان عن حق، فهو مرفوض مهنيا وأخلاقيا وإنسانيا ودينيا.. هذه الممارسات لا تعود بأي فائدة على المجتمع. لكنهم لا يأبهون وفي غيهم ماضون. هذه الصحافة الرديئة، لا تتورع عن منافسة صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي في انفلاتها، سعيا إلى “التريند”، وما يجلبه من مشاهدات وأموال، ولو على حساب سمعة الأبرياء وتلطيخها. مع أن رواد الصفحات التواصلية ليسوا محكومين في ممارساتهم الفردية بقواعد مهنية أو أخلاقية أو غيره، فكل مُغرد وشأنه فهو صاحب القرار فيما يكتب وينشر.

نسأل الله الصلاح لصحافتنا المصرية، وأن تعود إلى رشدها.

المصدر : الجزيرة مباشر