ماذا يعني حضور مورغان فريمان حفل افتتاح كأس العالم في قطر؟

مورغان فريمان وغانم المفتاح

 

ظهور النجم السينمائي العالمي مورغان فريمان في حفل افتتاح كأس العالم بالدوحة، رفقة الشاب القطري غانم المفتاح، سفير النوايا الحسنة، كان بمثابة مفاجأة، ولفتة رائعة بالفعل، جسّدت حرفيًّا الرسالة العميقة التي أرادت قطر أن تعرضها للعالم، حيث الأمة الواحدة، التي يأخذ بعضها بيد البعض الآخر، وتعيش في كوكب صغير شبيه بالخيمة العربية، تنطوي فيه الاختلافات، ليدرك كل من في الأرض، أنهم من آدم، وأن آدم من تراب.

قصة المونديال بصوت ساحر

روى مورغان (85 عامًا) -حائز جائزة الأوسكار- قصة المونديال بطريقته الساحرة، على شريط فيديو قبل أن يظهر في استاد البيت الذي يتسع لـ60 ألف متفرج في الدوحة، وقال للعالم عبارة سيذكرها التاريخ “نجتمع هنا كقبيلة واحدة كبيرة، والأرض هي الخيمة التي نعيش فيها جميعًا”، لافتًا إلى أن كرة القدم تمتد عبر العالم، وتوحد الدول في عشقها للعبة الجميلة.

وقد ظهر في الحفل الرائع رجال يرقصون بالسيوف، ويطلقون الأغاني، وتميمة “لعيب”، كما لمعت الصحراء بحبيبات الرمال الذهبية، في تجسيد للبيئة العربية، التي لا تنفصل عن أغنية المونديال الحلم، وهو يعبّر عن شعب ملهم استحال حلمه أخيرًا إلى حقيقة، كما أن التنوع الثقافي ليس من قبيل الترف الفكري، أو تفضيل تقاليد على الأخرى، وإنما تعظيم للحضارة الإنسانية والثراء الذي تتضمنه.

آية قرآنية موحية

وإذا كان الشغف العالمي بكرة القدم طوى القارات كلها، وأصبحت الشعوب تتحلق قبالة الشاشات وداخل الملاعب الخضراء، دون حاجة إلى التعليق والترجمة، فإن الآية من سورة الحجرات التي تلاها الشاب غانم المفتاح، صاحب الهمة العالية، أوجزت كل ما يمكن أن يقال في مثل هذه المناسبات النادرة {يا أيُّها الناسُ إنّا خلقناكم مِن ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارَفوا إنَّ أكرمَكم عندَ اللهِ أتقاكم إنَّ اللهَ عليمٌ خبير}، ولا توجد فرصة متاحة أكثر من كرة القدم للتعارف، وطي الخلافات، ومد حبال الوصل، وتشجيع منتخبات لا يجمع بينها وكثير من الجمهور إلا التعلق بالنجوم واللعبة الحلوة في عصبية حميدة.

لا شك أن حضور مورغان أشد الممثلين إثارة للإعجاب، وصاحب الصوت الخارق والأداء السينمائي الأسطوري، هو تكريم لقطر ولمونديال 2022، إذ إنه لم يلتفت إلى الأصوات النشاز، والنقد الذي ينطلق من أحقاد ودوافع رخيصة مفضوحة، حاولت أن تثنيه عن الحضور، لأنه فنان عالمي يعرف أين يضع قدمه، وفي أي مناسبة يظهر، وأي عبارة ينبغي أن يرددها، وقد أهّله لذلك حسن الاختيار لتجسيد أعظم الأدوار، ومعظمنا يستحضر صوته العجيب وكلماته المؤثرة في نهاية فيلم شاوشانك. فضلًا عن أن مورغان ممثل استثنائي، جعله إحساسه الرفيع وروحه الفكهة وقدرته الفذة على كسر الشخصيات واحدًا من أكثر الفنانين احترامًا في جيله، فلم يظهر في أي صورة إباحية، ولا مشهد مستفز للمشاعر والأديان، كما أنه أيضًا أحد أبرز الممثلين الأمريكيين الأفارقة القلائل الذين تلقوا باستمرار أدوارًا لم تكن مكتوبة خصيصًا للممثلين السود.

تحدي الإعاقة

ربما لم ينتبه كثير من الناس إلى مورغان وهو يتحدث إلى الشاب القطري في حوار عظيم الأثر، يكاد يكون سينمائيًّا، حيث يحاولان العبور فوق ركام من الحروب والكراهية، وفي تلك اللحظة، ظهر الممثل الأمريكي، ويده اليسرى مُغطاة بقفاز، يعود إلى حادث السير الذي تعرض له قبل سنوات، وتضررت منه يده التي لم تسعفها عمليات جراحة الأعصاب عديمة الجدوى، لكن ذلك لم يعطل مسيرته، فكلاهما -مورغان وغانم- يتحدى الإعاقة.

ثمة رمزية جسّدها مورغان المواطن الأمريكي، الذي ينتمي إلى جذور أفريقية، ويتحرك في مدن عديدة، كما أنه رفيق للمناضل الأفريقي نيلسون مانديلا، وقد عاش معه كثيرًا من الأوقات العصيبة، وأصبح معنيًّا بما يجري في القارة التي تحاصرها الحروب والأزمات والحملات الاستعمارية المتواصلة، ولذلك أدى مورغان في العام 2009 دور مانديلا في فيلم (Invictus)، ورُشّح لجائزة الأوسكار عن أفضل ممثل. كما أنه أيضًا لم يكن بعيدًا عن السياسة، حيث أدى تقريبًا في 2017 دور البطولة في مقطع فيديو يتهم فيه روسيا بـ”الانتقام” لسقوط الاتحاد السوفيتي ووضع خطة ضد الولايات المتحدة، ويبدأ المقطع بجملة تتخيل سيناريو فيلم يضع فيه جاسوس من (كي جي بي)، غاضب من انهيار بلاده، خطة للانتقام، ويمضي إلى الحديث عن إنشاء نظام استبدادي والتركيز على عدوه المعلَن، الولايات المتحدة، متهمًا روسيا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية والمعلومات الكاذبة، لإقناع الناس في المجتمعات الديمقراطية برؤية الكرملين، وأظهر الفيديو أيضًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صور بعد وقت قصير من سقوط الاتحاد السوفيتي، وفي الختام دعا فريمان الرئيس الأمريكي -ترمب حينها- إلى الجلوس على طاولة المكتب البيضاوي وقول الحقيقة. وفي مقابلة تلفزيونية لاحقة، شدد فريمان على أنه يصدّق تلك المزاعم رغم أنه لا يريد أن يتورط في السياسة.

كأس دهاق

حضور مورغان الطاغي للمشاركة في حفل الافتتاح المبهر هو مشهد سيقاوم النسيان طويلًا، وسيجعل من هذه البطولة استثنائية، لأنها تقام للمرة الأولى في دولة عربية مسلمة، في وقت بدت فيه كأس العالم “كأسًا دهاقًا” بالإثارة والمتعة الكروية، حيث ينشغل الرجال عن النساء والسياسة، وتنشغل النساء بالجمهور الذي حط رحاله في الدوحة من نجوم ومشاهير وناس عاديين بعضهم مجنون بكرة القدم، وآخرين تستميلهم الأجواء الكروية، كما ينشغل رجال الدين بالدعوة، وأهل الاقتصاد بالأرباح والخسائر المادية، وتنشغل القنوات الفضائية والأسافير بالملاعب والأهداف والأجواء الرائعة عمومًا، وينشغل أهل السينما والفن بظهور أحد أعظم النجوم، مورغان فريمان، في مناسبة ستحجب الأضواء حتى نهاية العام الجاري.

المصدر : الجزيرة مباشر