مونديال 2022.. ورسائل قطر للعالم

عشاق كرة القدم يشاهدون افتتاح كأس العالم من كورنيش الدوحة

مليارات البشر في مشارق الأرض ومغاربها يتحلقون حول الشاشات التلفزيونية، لمتابعة مونديال قطر2022، منذ انطلاقه بحفل الافتتاح مساء أمس (الأحد) وحتى 18 من شهر ديسمبر (كانون الأول) المُقبل. جاء الحفل مُبهرا بالإبداع الفائق إذ شاهدنا أداءً رائعا، وتنظيما، وترحيبا بالضيوف في مودة، حاملا رسائل ناطقة بالعراقة والأصالة، والتحضر والانفتاح على العالم قبولا للآخر، وتواصلا معه، سلاما، وتعاونا، وتسامُحا، ومحبة، وتقديما للهوية العربية والإسلامية للدولة القطرية.

انطلق المونديال في نسخته القطرية، بحفل الافتتاح والمباراة الافتتاحية بين منتخبي قطر والإكوادور على استاد البيت بمدينة الخور شمالي العاصمة القطرية الدوحة، التي تحتضن البطولة مع أربعة مدن قطرية أخرى.
ومع انشغال مليارات العُشاق لكرة القدم ومُحبيها، من شعوب العالم قاطبة بمتابعة فعاليات هذا الحدث العالمي في توحد واندماج، تلاشى غبار “الحملات” العنصرية التي شنتها وسائل إعلام غربية، رفضا لتنظيم هذا الحدث التي يتكرر كل أربع سنوات، باعتبار أن العرب والمسلمين ليسوا أهلا لذلك .

رئيس الفيفا والنفاق الأوربي.. وأفضل نسخة مونديال

استبق رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السويسري جياني إنفانتينو، انطلاق المونديال بساعات، مستنكرا بشدة للمواقف الأوربية الرافضة لإقامة البطولة الدولية في قطر.. متهما “أوربا” بالنفاق، وأن عليها قبل إعطاء دروس في الأخلاق للآخرين، الاعتذار للعالم لثلاثة آلاف سنة قادمة، عن ممارساتها بحق العمال على مدار ثلاثة آلاف سنة سابقة.

استطرد رئيس الفيفا أن دولة قطر تمثل نموذجا للتسامح والعمل الجماعي، وعلى أوربا أن توقف الانتقادات وتركز على تحسين أوضاع المهاجرين لديها، مشددا على أن قطر سوف تقدم أفضل نسخة من المونديال في التاريخ.. لافتا بأن الفيفا منظمة دولية ليست سياسية، تضم 211 دولة يتم التعامل معهم جميعا على قدم المساواة، سعيا إلى توحيد العالم من خلال كرة القدم. مع تصريحات رئيس الفيفا، ومن قبلها تجاهل قطر للانتقادات الأوربية، ذهبت هذه الانتقادات وكل الجدل المثار تشكيكا في دولة قطر وقدرتها على تنظيم مثل هذا الحدث العالمي الضخم، هباءً منثورا.

منع الخمور في الملاعب.. وتقارير الشرطة البريطانية عن عنف المخمورين

الحملات الأوربية والغربية، تركزت على قرار قطر بمنع الخمور في “الملاعب وحولها”، وهو قرار تبنته منظمة الفيفا رسميا.. ثم إنه قرار تنظيمي متعلق بسيادة الدولة، ورؤيتها لـ “تأمين فعاليات كأس العالم” الذي هو مسؤوليتها، لما يمكن أن يأتيه السُكارى (متعاطو الخمور) في الملاعب في أجواء حماسة التشجيع من شغب وعنف لا يحمد عقباه. ففي المملكة المتحدة إحدى الدول الناقدة لتنظيم المونديال بقطر، أشارت تقارير رسمية للشرطة البريطانية، إلى أنها تلقت نحو مليون شكوى من التعرض للعنف على أيدي مخمورين في 2011، كما استقبلت المستشفيات العامة البريطانية مليون ومائتي ألف شخص للعلاج من مضاعفات تناول الكحول، ولا يختلف الحال كثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق دافيد كاميرون (2010- 2016م)، كان قد اتخذ إجراءات للحد من تناول الخمور، منها رفع أسعارها، مبررا بالقول: “إن جرائم العنف الناجم عن تناول الخمور يتسبب في إنهاك موارد مستشفياتنا وتنجم عنه الفوضى في شوارعنا ناهيك عن بث الرعب في نفوس السكان”.. فلماذا اللوم على قطر إن هي منعت الخمور في الملاعب وحولها فقط؟

 الترويج للمثلية.. وإطلاق النار على ملهى للمثليين في ولاية أمريكية

إذا انتقلنا لقضية المثليين الراغبين في استخدام هذه المناسبة في الترويج لقضيتهم، فالمثلية تتنافي مع الإسلام، وليس مطلوبا من قطر التخلي عن هويتها الإسلامية والعربية، وإغضاب أكثر من مليار ونصف مليار مسلم في العالم، لمجرد إرضاء هذه الفئة المحدودة، أو الدول الداعمة لها.. فليس هناك دولة تحترم ثقافتها وتقاليدها يمكن أن تتنازل عن هويتها لإرضاء الآخرين. ثم إن المثلية ليست محل إجماع حتى في الدول التي تبيحها، ولعل حادث إطلاق النار أمس (الأحد)، الذي وقع بإحدى مدن ولاية كولورادو الأمريكية، كاشف عن رفض قطاع من المجتمع الأمريكي ذاته للمثلية.. إذ قام أحد الأشخاص بإطلاق النار بملهى ليلي للمثليين بإحدى مدن الولاية، مما أسفر عن قتل 5 مثليين وإصابة 15 آخرين.. مع التأكيد على رفض العنف والقتل تعبيرا عن رفض سلوك الآخرين.

 بناء قوى ناعمة وحل النزاعات الدولية.. وإنجاز اتفاق أمريكا وطالبان

اللافت من بين الانتقادات لقطر جاءت من مغردين عرب، بسب إنفاق 220 مليار دولار استعدادا لكأس العالم ما بين ملاعب وخدمات وفنادق وبنى تحتية ومتنزهات، مليون شجرة، وهو ما سيبقى بطبيعة الحال لرفاهية الشعب القطري.. هذا رغم سعادة البلاد العربية والإسلامية، شعوبا وحكومات، بهذا الحدث العظيم.
إن قطر وإن كانت دولة صغيرة المساحة، فإنها تستثمر إمكانياتها الكبيرة جيدا، لبناء قوى ناعمة تجعلها أقوى تأثيرا على الساحة الدولية.. إذ تلعب قطر ومنذ سنوات أدوارا سياسية مهمة لحل النزاعات والصراعات حول العالم، وإحلال السلام، ولعل أهمها على الإطلاق نجاحها في إنجاز الاتفاق بين الإدارة الأمريكية وحركة طالبان الأفغانية، عام 2020 والذي أنهى الاحتلال الأمريكي والبريطاني لأفغانستان بعد 20 عاما. لا يضير “قطر” إذن، سعيها للفوز بتنظيم مونديال 2022 وعملت منذ 2010 على تسخير كل جهودها وإمكانياتها استعداد لهذا الحدث العالمي، فليس أفضل من هذا الحدث العالمي الذي تنتظره غالبية شعوب العالم بشغف كل أربع سنوات، ليكون حاملا لرسائلها والتعريف بها وثقافة وتحضر شعبها، وناقلا للعالم صورة متميزة للإسلام والعروبة، لمحو التشوية الذي يطالهم على مر السنين بفعل العنصرية الغربية وسلوك جماعات الإرهاب البغيضة رغم قلتها.

نسأل الله السلامة والتوفيق لقطر في إتمام هذا الإنجاز الضخم على خير.

المصدر : الجزيرة مباشر