اتهامات صويلو لواشنطن، هل تطلق يد تركيا في الشمال السوري؟

صويلو متحدثا لوسائل الإعلام

رغم أن تركيا تلقت التعازي في ضحايا حادث التفجير الذي وقع بشارع الاستقلال يوم الأحد الماضي من دول العالم بامتنان بالغ، حتى تلك التي وردتها من دول تشوب علاقاتها معها بعض الخلافات والمشكلات، ولم يبد أحد من المسؤولين الأتراك امتعاضه منها أو رفضه لها، إلا أن رد الفعل المفاجئ من وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، تجاه التعزية الواردة من السفارة الأمريكية بأنقرة، التي لم تكتف بإفراد مساحة لها على موقعها الرسمي، بل دعمتها بتغريدة لها على تطبيق توتير، أثار الكثير من الدهشة، والاستغراب، وأفرز العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تدفع مسؤولا في الدولة إلى اتخاذ هذا الموقف العدائي العلني دون أدنى اعتبار للعلاقات الدبلوماسية التي تربط بلاده بهذه الدولة.

تصريح الوزير صويلو كان كاشفا للمدى الذي انحدرت إليه علاقات بلاده الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا بعد أن شبه الموقف الأمريكي بأنه مثل القاتل الذي يتقدم الوافدين إلى مسرح الجريمة، منتقدا الدعم الذي تقدمه إدارة بايدن لتنظيم وحدات حماية الشعب في سوريا أحد أفرع حزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي من قبل تركيا، وهو التنظيم الذي حملته تركيا المسؤولية عن التفجير الذي وقع بشارع الاستقلال وفق الاعترافات التي أدلى بها المتهمون والمتورطون في المشاركة بتنفيذه.

وإمعانا في تأكيد اتهاماته، أعلن الوزير أن البعض سيحزن بعد إلقاء القبض على الشخص الذي أمره التنظيم بقتل منفذة الجريمة لإخفاء جميع الأدلة، واعدا بالإعلان عن المزيد من المعلومات، التي ستوضح كامل تفاصيل الحادث، وستفضح المخططين له، والمصدرين الأوامر لمنفذيه، وحجم الذي تلقوه، وأهدافهم التي سعوا لتحقيقها من ورائه..

غضب شعبي

لم يكن وزير الداخلية هو الغاضب الوحيد من موقف واشنطن الداعم للتنظيمات الإرهابية التي تهدد تركيا، فردود أفعال المواطنين الأتراك، وتعليقاتهم التي سطروها تعليقا على بيان التعزية الصادر من السفارة الأمريكية على موقعها الإلكتروني حمل الكثير من مشاعر الغضب والاستنكار الشعبي تجاه السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة في سوريا، والدعم العسكري واللوجستي غير المحدود الذي تقدمه لهذه التنظيمات بذريعة محاربة تنظيم الدولة، ووقوفها ضد مصالح تركيا وأمنها القومي…

وهو الدعم الذي طالبت تركيا مرارا وتكرارا المسؤولين في واشنطن بضرورة وقفه لما له من تأثير سلبي على أمن واستقرار المنطقة، وعلى أمنها القومي سواء في الداخل أو في المناطق الحدودية مع سوريا، وتنظيف الشريط الحدودي من عناصره ونقلهم إلى شرق الفرات، وإقامة منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلو مترا، بما يضمن خلو هذه المناطق من المسلحين والمجموعات الانفصالية، ويمنح الفرصة أمام اللاجئين السوريين للعودة إلى مناطقهم.

تراخٍ أمريكي

وتم بالفعل توقيع اتفاق مع كل من موسكو وواشنطن عام 2019 بهذا الخصوص، تعهدت بموجبه الدولتان بإبعاد العناصر المسلحة عن الحدود التركية بعمق ثلاثين كيلو مترا، تلبية لرغبة أنقرة، شريطة إنهاء عمليتها العسكرية المعروفة باسم” نبع السلام”، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تلتزم بتنفيذ تعهداتها، وتركت المنطقة تحت السيطرة الكاملة للعناصر المسلحة لهذه التنظيمات المصنفة من جانب تركيا، والولايات المتحدة نفسها، والاتحاد الأوربي كتنظيمات إرهابية.

ونظرا للموقف الأمريكي المتراخي عمدا، وعدم تحرك واشنطن صوب كبح جماح العناصر المسلحة المتمركزة في المناطق الواقعة تحت نفوذ قواتها بالشمال السوري، هددت تركيا أكثر من مرة بإطلاق عملية عسكرية جديدة في المناطق التي تتمركز فيها هذه التنظيمات، غير أن المعارضة القوية التي واجهتها هذه الرغبة من جانب موسكو وواشنطن أدت إلى تراجعها، إلا أن ما حدث مؤخرا، وعودة العمليات التفجيرية والانتحارية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي، كاشفا عن تكنيك جديد للحزب في مواجهته للدولة التركية،  دفع مسؤولا عسكريا تركيا إلى التصريح بأن بلاده ستقوم بشن عملية عسكرية في شمال سوريا عقب إنهاء عمليتها التي تقوم بها حاليا ضد عناصر العمال الكردستاني في شمال العراق.

دعم أمريكي، بريطاني، سويدي للتنظيمات المسلحة

المدهش حقا أن واشنطن تقدم دعما غير محدود لأفراد وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني اللذين يسيطران فعليا على ثلاث محافظات في الشمال السوري، حيث تدعمهم بأحدث ما أنتجته شركات تصنيع السلاح الأمريكي، كما تقدم لهم الدعم اللوجستي والمشورة العسكرية، وتقوم بتدريب عناصرهم المقاتلة على فنون القتال والخطط الهجومية والدفاعية، إلى جانب ما تقدمه من دعم مالي وسياسي، فمؤخرا على سبيل المثال أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن تخصيص 450 مليون دولار من ميزانيتها لعام 2023 لبرنامج تدريب وتجهيز قوات البيشمرجة الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية التي يندرج تحتها أفراد وحدات حماية الشعب والعمال الكردستاني، وقوات الأمن العراقية. وهو دعم يتخطى في مجمله الهدف المعلن منه، وهو محاربة تنظيم داعش.

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد طالب في شهر أغسطس الماضي الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاءها من الأوربيين بوقف دعمهم لوحدات حماية الشعب المسؤول عن قوات سوريا الديمقراطية لقيامه بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرته، وأوضح المرصد في بيانه أن الحزب لا يزال يتلقى دعما سياسيا وماليا وعسكريا كبيرا من كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسويد.

تصريح جيفري وعلاقاته بتفجير إسطنبول

الغريب في الأمر ذلك التزامن بين تصريح أدلى به جيمس جيفري المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، ووقوع انفجار إسطنبول، حيث أعلن قبل أيام قليلة من حدوثه أن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا على غرار ما حدث في أفغانستان من شأنه أن يؤدي إلى حالة من الاضطراب وزعزعة الاستقرار، بينما أكدت التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية التركية مع المشتبه بهم أن الأوامر جاءت لهم من قيادات في حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، بمدينة كوباني شمال سوريا…

وهو ما يدفع الأتراك على ما يبدو إلى عدم استبعاد احتمال وجود أصابع لأجهزة استخبارات دولية وإقليمية، هي من قامت بتحريك هذه المجموعة للقيام بهذا العمل الإجرامي، بهدف عرقلة تقدم تركيا، ووقف مسيرتها، من خلال إلهائها بقضايا داخلية، بعد أن وسعت رقعة نشاطها السياسي والاستراتيجي، ورفعت مكانتها الإقليمية، وبدأت في التحضير لإقامة تكتلات سياسية واقتصادية جديدة، قد تهدد في حال إعلانها كيانات وتكتلات قائمة بالفعل.

وهو الاحتمال الذي يقف وراء الموقف الصارم لوزير الداخلية التركي، مما ينبئ بتحولات كبيرة في سياسة تركيا تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من الدول الغربية، وتعاطيها مع الملف السوري بكامله، حتى وإن أعلنت دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية أسماء الدول التي تقدمت لبلادها بواجب العزاء، وأعلنت تضامنها معها، ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية.

المصدر : الجزيرة مباشر