لماذا يتجاهل العالم وحيد القرن الرمادي؟

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش

 

 (1) ثقب أوكرانيا الأسود

تبدو الأمور على الساحة الدولية واضحة للغاية، كما كانت في أعين الطفل الصغير الذي هتف ببراءة “الإمبراطور يسير عاريا”، الأخير تم خداعه من قبل نصابين أقنعوه بأنهم حاكوا له ثوبا لا يراه الأغبياء والحمقى والعديمي الكفاءة. لم يجرؤ أحد حتى الإمبراطور نفسه على أن يقر بالحقيقة الماثلة للعيان خوفا من أن يتهم بالغباء أو عدم الجدارة، لكن فعلها طفل برئ بقلب صاف لا يعرف مؤامرات القصر ولا ألاعيب السياسية. وكذلك الحال على الساحة الدولية، الجميع يرى حقيقة أن أمريكا تدفع بقوة لإطالة أمد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ليس الهدف تحرير أوكرانيا من الوجود الروسي كما تدعي، بل المراد إضعاف روسيا واستنزافها، وكذلك استنزاف دول الاتحاد الأوربي، وتحقيق فوائد اقتصادية وعسكرية على حساب الجميع بما فيهم أقرب الحلفاء الغربيين.

تبدو أوكرانيا وكأنها ثقب أسود ابتلع أمنيات شعوب العالم في التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا، وما تسببت فيه من ركود واضطراب سلاسل الأمداد. الاستقرار والأمان والوفرة والرفاهية التي كانت معظم شعوب الدول المتقدمة تعيشها، أصبحت محل شك بسبب أحداث غير متوقعة، ويبدو العالم وكأنه يقف على شفا الهاوية. الوضع يماثل نظرية وحيد القرن الرمادي، ومفادها أن هناك مشكلة ضخمة ظاهرة للعيان لكن يتم تجاهلها وعدم التوقف عندها لإيجاد حلول. الهيمنة الغربية لم تعد مستساغة، العقوبات والضغوط التي يمارسها الغرب بقيادة أمريكا، على الدول المارقة من وجهة نظره، لم تعد تقتل بل أحيانا تقوّي وتؤدي إلى البحث عن وسائل للالتفاف عليها والبحث عن بدائل للنظام المالي والمصرفي الدولي الغربي، مما يمنح الدول التي تريد الخروج من خيمة الهيمنة الغربية وسيلة للتبادل التجاري والنمو الاقتصادي خارج منظومة الدولار واليورو.

الجميع يعرف أن الحرب ليست في ساحة القتال وإن الاقتصاد يقود السياسة، والعنف يؤدي إلى مزيد من العنف. دوائر البؤس تتسع ومساحات الدمار تتضاعف وكذلك الضحايا من المدنيين. من السهل تحديد تاريخ لبدء الحرب لكن من المستحيل تحديد موعد نهايتها، كل الأطراف الفاعلة في الصراع تسير فوق رمال متحركة.

(2) قمة المناخ وسط العاصفة

في ظل هذه الظروف العالمية الاستثنائية، استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية بداية من 6 نوفمبر الحالي وحتى 18 منه قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 27)، التي شارك فيها عدد كبير من قادة العالم، والأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولون رفيعو المستوى في المنظمات الأممية، ويحضرها مئات النشطاء المعنيين بالبيئة من كافة دول العالم. قمة جلاسكو للمناخ التي انعقدت العالم الماضي، كان هدفها التباحث حول سبل لإبقاء ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، وهو الحد الذي يقول العلماء إنه سيجنب الأرض أكثر عواقب الاحتباس الحراري تدميرًا. ومنها التدهور البيئي والكوارث الطبيعية والأحوال الجوية المتقلبة، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، والاختلال الاقتصادي والنزاعات، وكذلك ارتفاع مستويات سطح البحر، وذوبان جليد القطب الشمالي، وموت الشعب المرجانية، وتحمض المحيطات، واندلاع الحرائق في الغابات.

ولقد صار جليا أن ما اعتدنا عليه أصبح لزاما إعادة النظر فيه. وكان هناك العديد من التوصيات في القمة الماضية على رأسها الخفض التدريجي لاستخدام الفحم والوقود الأحفوري، وكذلك تمويل الدول الصناعية الكبرى مشروعات لتحسين البيئة في العديد من الدول النامية لأن انبعاثاتها تاريخيا هي المسؤولة عن التلوث هناك، لكن الدول لم تلتزم بالتزاماتها التمويلية تجاه برامج التكيف المناخي، التي قُرّر في اتفاقية باريس أن تبلغ 100 مليار دولار سنويًّا.

قمة شرم الشيح المفترض أن توجّه إلى تنفيذ الوعود السابقة، لكنها تنعقد في ظل ظروف عالمية بالغة الصعوبة جعلت من المستحيل الالتزام بتوصيات مؤتمر المناخ السابق بسبب أزمة الطاقة والغذاء. الحديث عن مستقبل كوكبنا واستمرار الحياة عليه يصطدم بحماقة الساسة وغلواء القوة. فما يتم إنفاقه على الحرب الأوكرانية من الجانبين الروسي والغربي يكفي لتخرج الدول النامية ذات الاقتصاد الهش والضعيف من عثراتها الاقتصادية، كما يمكن بهذه الأموال مكافحة الجفاف والمجاعات في أفريقيا وإسقاط الديون عن الدول المتعثرة اقتصاديا، وكذلك الإنفاق على المشاريع الطموحة لخفض حرارة الأرض وإنقاذ البشرية من عواقب الاحتباس الحراري وتغير المناخ.

أزمة المناخ، رهان ممكن أن نكسبه، وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش فى افتتاح كوب 27: “نحن نسلك الطريق السريع نحو الجحيم المناخي، من المؤسف أننا بصدد خسارة الكفاح من أجل حياتنا، لذلك يجب أن نختار بين التعاون أو الهلاك”.

ليس هناك بديل لنجاتنا جميعا سوى التفكير في أن دول العام جميعا شريكة في إدارة كوكبنا، وأن خيرات الأرض ليست حكرا على عرق أو شعب أو دولة. لا يمكن أن ننقذ كوكبنا وحياتنا إلا باحترام القانون الدولي من قبل الدول العظمى، وعدم فرض ازدواجية المعايير واحترام قيم العدل والتراحم. الدول النامية تنتظر من الدول العظمى أن تكون قدوة يحتذى بها وليس قوى غاشمة تفرض هيمنتها بما لديها من قوة عسكرية واقتصادية، وهذا ما يجب أن تسعى كل شعوب العالم لتغييره، وأن تقوم الدول الكبرى والمتقدمة بدورها ولا تدفن رأسها في رمال الغطرسة وملاحظة وحيد القرن الرمادي قبل أن نتعرض جميعا لمخاطر الفناء.

المصدر : الجزيرة مباشر