مرحبا بفيروس الشمولية.. “شي” رئيسا أبديا!

الرئيس الصيني في مؤتمر الحزب الشيوعي

 

أنهي المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني أعماله، بعد أسبوع من اجتماعات “الشاي” المطولة، بحضور 2300 من مندوبي الأقاليم. في كلمته الافتتاحية -استمرت نحو ساعتين- أطلق الرئيس شي جين بينغ “حرب الشعب الشاملة” ضد “القوى الأجنبية التي تحاول احتواء الصين”. طالب (شي) الشباب بإنجاب المزيد من الأطفال -بينما يمنع ولادة نساء الإيغور قسريا- وأن يمتلكوا روحا قتالية، لتحقيق “النهضة العظيمة”، وجعل بلدهم “قوية ومزدهرة”، والاستعداد “للرياح العاتية والمياه المتقلبة والعواصف الخطيرة”.

تمكن “شي” من تغيير النظام الهندسي لانتقال السلطة، من نظام مؤسسي، نفّذه للمرة الأولى منذ تولي الحزب الشيوعي الحكم عام 1949، سلفه الرئيس هو جينتاو الذي سلّم السلطة بسلاسة إلى “شي” العائد بالنظام إلى الخلف من جديد.

أصبح “شي” مركز الحكم، عاد النظام إلى حكم رجل واحد، يعاني “متلازمة الرجل القوي”. قوبلت كلمة “شي” بتصفيق حاد، وهي وسيلة يجيدها النواب، لإظهار احترامهم لسلطة الرئيس الذي سيظل في مكانه إلى الأبد.

المؤتمر البابوي

لن يعرف الشعب ما وقع خلال اجتماعات كرست لـ”العم شي” أن يصبح “زعيم الكل”، ولن يروا إلا الوزارة والقيادات الجديدة خلال أيام، التي شكلت اللجنة المركزية من 200 عضو وأعضاء المكتب السياسي الـ25، واللجنة الدائمة للمكتب السياسي التي تضم 7 أو 9 أشخاص من بينهم الرئيس شي”.

رغم تراجع الناتج القومي إلى 3.2%، وفقا للتقرير الأخير لصندوق النقد الدولي، وظهور معارضة تندد بسياسات مواجهة وباء كوفيد-19، وملاحقة رجال الأعمال، فإن تجديد الرئاسة لـ”شي” كان مضمونا.

يسيطر شي على 2300 مندوب بسهولة. تؤكد صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية في تقرير من بيجين، أن جميع أعضاء اللجان الدائمة على مستوى المقاطعات، التابعة للحزب الشيوعي، باستثناء 7 أعضاء، هم من المعينين من قبل شي. تضيف: هؤلاء يقدّمون شي على أنه “خيار جديد للبشرية”. شبّه مراسل (واشنطن بوست) المؤتمر بأنه “الاجتماع السري البابوي الذي يعقده الكرادلة، بما يكتنفه من غموض وتعتيم، وما يدور فيه من مناورات لأجهزة تخشى فقدان قبضتها على أتباعها”.

رئيس فوق المحاسبة

تمت الاجتماعات بعيدا عن عيون الشعب والإعلام، فلحظة هيمنة “شي” تخفي أهم نقاط ضعفه، إذ يخشى أن تتسرب أي معلومات إلى الرأي العام، خاصة المتعلقة بالصراع على السلطة.

يشرف “شي” على حملة قمع جماعية على الإعلام والمجتمع المدني، منذ توليه الحكم. صعّد من خنقه جميع أشكال المعارضة والسيطرة على المعلومات والرقابة على الإنترنت، مع حملة “709” التي بدأها عام 2015، وقمع بها الحقوقيين والناشطين السياسيين، والهوية الثقافية للتبتيين والإيغور، وأزال المساجد وقبور المسلمين. مع ذلك يتأكد “شي” أنه فوق المحاسبة، لأن النواب الذين يصفقون له بشدة، سيكونون من داعميه، ولو كانوا يكرهونه، وسيتظاهرون بالولاء له من أجل الحفاظ على مصالحهم التي يتحصلون عليها، من خلال وجودهم في قيادة حزب تتدلى منه دولة، يدير أموالها وشؤون شعبها.

معارضة في المنفى

لم يحسب “شي” قوة جديدة تولدت من الضعف، وهي قوة المعارضين الذين انشقوا عن الحزب، وهربوا إلى الخارج، ويعملون على فضح أساليب القمع التي يتبعها الحزب مع رجاله المخالفين للرأي، بينما يقفز “شي” بالبلاد في الاتجاه المعاكس، بعد أن كان مبشرا بالإصلاح الاقتصادي والسياسي، ينشئ دولة شمولية، تدعي “محاربة الإرهاب والأيديولوجية”.

تمكن الصحفي الاستقصائي وانغ تشيان، الذي كان يعمل لسنوات في التلفزيون الحكومي CCTV، من إنشاء موقع مُعارض، بعد فراره إلى اليابان. يقول وانغ في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس، إنه تحوّل من نجم بالتلفزيون الرسمي، إلى مُعارض في المنفى، لأن الحكومة في عهد شي جين بينغ “منعت النقد الذي كان يمارسه أعضاء من الحكومة في التقارير الصحفية، في عهد شي الذي أصبح أكثر زعماء الصين استبدادا منذ ماو تسي تونغ”. أضاف “في عهد (شي)، أبعد أصحاب الرأي الناقد، وسيطرت ذراع الدعاية للحزب الشيوعي بشكل مباشر على المؤسسات التي تدير الصحف والمحطات التلفزيونية والإذاعية والمذيعين والصحفيين، وأنشأت وكالة جديدة تتولى إسكات الأصوات المنتقدة على الإنترنت، وجهاز رقابة واسعا مدعوما بآلاف المراقبين، يتولى سرّا إلغاء التقارير المستقلة، وضمان صمت الإعلاميين وتدريبهم على نطق اسم (شي) بعناية”.

يتحدث وانغ من غرفة ضيقة في المنفى، بصوت كثير من الإعلاميين المضطهدين، في وقت تتنافس فيه الصين ومصر وأغلب الدول العربية، على احتلال مرتبة متدنية بالقائمة السوداء لملاحقة الصحفيين، التي تصدرها منظمة “صحفيون بلا حدود” الدولية منذ 9 سنوات.

اعتاد وانغ المشاركة بتقارير مهنية يدعمها الحزب الشيوعي، ووظف طاقته وسمعته، وميوله النقدية التي اكتسبها لمحاربة الفساد. وكم فرح وانغ مع تولي “شي” السلطة، حين قدّم نفسه على أنه رجل الشعب، المحارب للفساد، فإذا به “يتجه إلى القمع، ويجعل الإعلام ناطقا باسم الحزب، ليكون الولاء المطلق للزعيم والحزب الشيوعي قبل كل شيء، وبدلا من ممارسته الشفافية وسيادة القانون ومحاربة الفساد، مكّن جهازا سرّيا في الحزب من احتجاز مسؤولين دون محاكمة، وانتقل بالإعلام من جهاز دعاية إلى أداة رقابة على الشعب”.

فيروس الشمولية

تصف تساي شيا -التي عملت مع (شي) بالتدريس للقيادات العليا بالحزب قبل وأثناء توليه الرئاسة- خطابه بأنه “يعكس حقبة من التراجع الاقتصادي والصراع الأيديولوجي، وينشر الشمولية وهي فيروس إنساني”.

تحوّل لو جيوي -خريج هارفارد وأول وزير مالية بعهد شي- من مقر إقامته في أوربا، إلى ناقد للرئيس الذي “لا يوفر حماية للملكية الخاصة والحقوق الفردية”.

تقول المؤرخة صن بيدونغ بعد استقالتها من التدريس بجامعة فودان، لصحيفة نيويورك تايمز، إنها هربت -لرفضها كتابة ميثاق ولاء الطلاب للحزب- من أنظمة المراقبة الواسعة والسيطرة العقابية التي تشبه الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين، والصين بقيادة ماو. تعاني بيدونغ من كوابيس “أسنان شمولية كانت تتأرجح نحوي”، لذلك تغادر هي وأمثالها الصين.

المصدر : الجزيرة مباشر