عدي التميمي.. رسائل إلى الداخل والخارج

الشهيد عدي التميمي

منذ عام 1948 وقطار الشهداء في فلسطين المحتلة لم يتوقف يومًا، قد نشهد هدنة هنا أو توقفا هناك، ليس بفعل الشعب أو المقاومة، وإنما بفعل السياسة التي تحولت دومًا -وهي تدري أو لا تدري- من خلال الاتفاقيات المبرمة، إلى درع أمني إسرائيلي إضافي لم يحقق أيّ مكاسب للقضية على الأرض. لكن الشباب الفلسطيني لم يستكن قط لمثل هذه الممارسات، التي حقق المحتل من خلالها بعض المكاسب، فما أن يتوهم المحتل الهدوء حتى تنفجر المقاومة في وجهه، تارة عن طريق أطفال الحجارة، وتارة من خلال شباب الضفة، وتارة ثالثة ورابعة وخامسة من خلال أبطال غزة.

ليس الأول

إذن، الشهيد عدي التميمي، ليس الأول ولن يكون الأخير في سلسلة الشهداء الذين يسطرون تاريخًا نضاليًّا لا نظير له، دفاعًا عن قضية عادلة، أمام آخر عملية احتلال في العالم، وقد تكون جرائم القتل والاغتيال على الهواء مباشرة التي تنفذها قوات الاحتلال، مثلما حدث مع التميمي، ومن قبله شيرين أبو عاقلة، حتى الطفل محمد الدرة وغيرهم، بمثابة عمليات دعم وزخم للنضال الفلسطيني من وجوه كثيرة، وتبعث في هذه المرحلة تحديدًا، برسائل مزدوجة للداخل والخارج في آن واحد، من أهمها:

  • أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأجيال الفلسطينية الجديدة التي لم تشهد بدايات الاحتلال، ولم تمرح في أرض فلسطين التاريخية، ومن بينهم عدي التميمي نفسه، وهو ما نراه واضحًا في صفوف الأطفال قبل الشباب، وهي عملية مهمة جدًّا لاستمرار النضال.
  • رسالة التميمي التي تركها بخط يده، والتي يؤكد فيها أنه في طريقه إلى الشهادة لا محالة، وأن عملياته هذه لن تحرر الأرض، وإنما هي بمثابة تحريك للموقف وللشباب، وثقته بأن مئات من الشباب سوف يتبعونه، هذه الرسالة سوف تضع الآلاف، وليس المئات، من الشبان الفلسطينيين أمام مسؤولياتهم، وسوف تفجر موجات من الغضب في وجه الاحتلال.
  • رسائل المقاومة الفلسطينية الآن بالضفة الغربية، التي تقع تحت حكم السلطة الفلسطينية، بما تضم من قوات أمن مريبة، دأبت طوال الوقت على إجهاض المقاومة، لحساب دولة الاحتلال، من خلال اتفاقيات أوسلو، وما واكبها من اتفاقيات أمنية، هي إشارات قوية لحكومة الاحتلال بأن هذه الاتفاقيات فشلت بحكم الأمر الواقع، وأن المقاومة سوف تعود من جديد وبأشكال مختلفة.
  • الكشف عن ظهور فصيل جديد من فصائل المقاومة في نابلس، يحمل اسم جماعة “عرين الأسود” ومسؤوليتها عن العديد من العمليات، يؤكد أن القلب الفلسطيني لا يزال حيًّا، وأن النضال من أجل تحرير الأرض سوف يأخذ منحى جديدًا خلال الأسابيع والشهور المقبلة، وقد يكون ذلك بمثابة تعويض عن فصائل النضال التاريخية، مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية وغيرهما، من الفصائل التي توارت بالتزامن مع توقيع الاتفاقيات السياسية والأمنية.
  • باعتراف قيادات عسكرية إسرائيلية، فإن 55% من القوات البرية لجيش الاحتلال ينتشرون حاليًّا في مدن الضفة الغربية في مواجهة الشباب الفلسطيني، على الرغم من أن التصعيد هناك لم يصل إلى مستوياته القصوى، في الوقت الذي تترقب فيه غزة ساعة الصفر للانضمام، وهي تكلفة باهظة لدولة الاحتلال، تُحتم عليها في النهاية إعادة النظر في المواقف كلها.
  • نحن أمام رسالة إلى الشعوب العربية، بأن القضايا العادلة لا تموت بمرور الوقت، حتى وإن بدا ذلك إكلينيكيًّا بعض الوقت، وأن القضية الفلسطينية تحديدًا قضية الشعوب العربية، وليست أبدًا قضية الحكام، الذين يخضعون لحسابات تتعلق بوجودهم على رأس السلطة، وهو ما يحتم علينا دعم الأشقاء الفلسطينيين بكل السبل، بعد عمليات التشويه الإعلامي التي تعرضوا لها من خلال إعلام الحكام، على مدى العقدين الماضيين على الأقل، لأسباب أصبحت معلومة للجميع، وتزامن ذلك مع عمليات تطبيع بغيضة، ولقاءات واجتماعات وزيارات مقززة.
  • بعد صدور عشرات القرارات من الأمم المتحدة، تتعلق بانسحاب قوات الاحتلال من الأراضي الفلسطينية دون جدوى، وبعد الفيتو الأمريكي، والأمريكي البريطاني الفرنسي في مجلس الأمن، فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية بشكل عام وإدانة دولة الاحتلال، تؤكد كل الشواهد الآن، وبشكل خاص تحرير قطاع غزة بفعل المقاومة، أن النضال الفلسطيني هو الطريق الوحيد لتحرير الأرض، وأن كل ما جرى من محادثات واتفاقيات، إنما كانت تهدف إلى استهلاك الوقت، لحين ظهور أجيال جديدة تعيش الأمر الواقع، ولا تهتم بالأرض ولا العرض.

إنذار لدولة الاحتلال

على أي حال، ربما جاء التصعيد الحاصل الآن في الضفة الغربية، وفي القدس المحتلة، بالتزامن مع جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية التي استضافتها الجزائر، بمثابة إنذار لدولة الاحتلال بأنه قد آن الأوان لأن يكون الشعب الفلسطيني على قلب رجل واحد، وأن الغد لن يكون كالأمس.

وهو ما يحتم على القيادة الفلسطينية الرسمية، أن تنصاع للصحوة الشعبية، التي سوف تجد دعمًا دوليًّا في هذه الآونة تحديدًا لأسباب مختلفة، على أن نضع في الاعتبار أن القضية الفلسطينية يجب أن تظل قضية العرب الأولى على المستوى الشعبي، حتى وإن لم تكن كذلك على المستوى الرسمي لأسباب مشينة، وكل ذلك رهن باستمرار المقاومة، لأن فلسطين لن تتحرر إلا بنضال أبنائها.

المصدر : الجزيرة مباشر