أردوغان يبدأ حملته الانتخابية ويستهدف رئيس بلدية إسطنبول

في وقت لا تزال فيه أحزاب المعارضة التركية تبذل جهودا حثيثة للتوصل إلى توافق تام على شخصية تتمتع بكافة الصفات السياسية والأيدولوجية اللازمة، ولديها قبول ومصداقية لدى جماهير الشعب التركي يمكّنها من المنافسة بقوة في الانتخابات الرئاسية المقررة منتصف العام المقبل والفوز بها، لترشحها تلك الأحزاب لخوض هذا السباق الصعب.

في هذا الوقت قرر الرئيس أردوغان على ما يبدو بدء حملته الانتخابية لخوض معركة الرئاسة مبكرا هذه المرة، فإلى جانب القيام بجولات ميدانية، وعقد مؤتمرات انتخابية موسعة في مختلف المحافظات التركية، وافتتاح العديد من المشروعات الحيوية، قام أردوغان بشنّ حملة سياسية وإعلامية تستهدف كشف حقيقة أبرز الأسماء التي ترشحها المعارضة لمنافسته.

إنه أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، الذي يرى أنه أكثر المرشحين ملاءمة، وأوفرهم حظا، وأعلاهم قدرة على المواجهة الشرسة المتوقعة، وانتزاع منصب الرئيس من أردوغان، وهو الهدف الأساسي الذي تسعى الأحزاب الستة المتحالفة لتحقيقه.

هذا إلى جانب أن اسمه يتردد كثيرا داخل الغرف المغلقة سواء في اللقاءات الثنائية لزعماء أحزاب المعارضة، أو في اجتماعاتهم الموسعة، أو في التصريحات العلنية لبعضهم، باعتباره الأجدر حاليا بمنافسة أردوغان. وحجتهم في هذا الطرح أنه استطاع ببراعة فائقة، في أول مرة يخوض فيها انتخابات الفوز برئاسة بلدية إسطنبول، أكبر معاقل حزب العدالة والتنمية، وأكثرها أهمية أيديولوجية وتاريخية للحزب، الأمر الذي يعني أن الرجل لديه المقومات المطلوبة التي تجعله قادرا على منافسة أردوغان شخصيا، وانتزاع مقعد الرئاسة منه، فإذا كان قد استطاع أن ينافس حزب العدالة والتنمية، وينسف خمسة وعشرين عاما قضاها الحزب في رئاسة المدينة وفي خدمة سكانها، فهو من دون شك الأجدر بمنافسة أردوغان وإزاحته عن مقعد الرئاسة.

أردوغان يتهم إمام أوغلو بالسطو على جهود حزب العدالة والتنمية

ودحضًا لهذه الحجج التي تستند إليها أحزاب المعارضة في اختيار أكرم إمام أوغلو مرشحًا للانتخابات الرئاسية، قرر أردوغان كشفه بصورة علنية، متهمًا إياه من دون ذكر اسمه بتزييف الحقائق، ومحاولة السطو على جهود وزارات حزب العدالة والتنمية، خلال افتتاحه خط مترو يربط بين حي بندك ومطار صبيحة جوشكك في الطرف الآسيوي من إسطنبول في غياب رئيس بلديتها، الذي كان في إجازة بمدينة بودروم الساحلية، منتقدا حديثه الدائم عن خطوط السكك الحديدية، وتصدر صوره وتوقيعه على جميع مواقع العمل بها، وكأنه صاحب الفضل في إنشائها، رغم أن وزارة النقل والبنية التحتية هي التي تتولى المشروع كاملا فنيا وماليا.

لم يكتف أردوغان بهذا بل أعاد إلى أذهان المواطنين الأزمات التي واجهتها إسطنبول منذ تولي إمام أوغلو رئاسة بلديتها سواء تلك المرتبطة بالسيول والفيضانات وتلك المتعلقة بحادثة الثلوج التي أغلقت الطرق في الشتاء الماضي، وظل المواطنون عالقين في الطرق والشوارع أكثر من خمسة عشر ساعة، في حين ذهب رئيس البلدية للقاء السفير البريطاني، وتناول وجبة غداء من السمك في منطقة سرايير الساحلية.

وفي إطار توجيهه الضربة القاضية لطموحات أكرم إمام أوغلو أشار أردوغان إلى أن الأخير إنما فاز برئاسة بلدية إسطنبول بالكذب والخداع، وأن الانتخابات المقبلة ستظهر كافة الحقائق للمواطنين.

طموحات بلا إمكانيات، ومنصب بلا فاعلية

لا يستطيع أحد أن يتجاهل حقيقة أن إمام أوغلو يعمل جاهدا منذ توليه رئاسة بلدية إسطنبول لتقديم نفسه مرشحًا محتملًا لمنافسة أردوغان، مستغلًّا في هذا فوزه برئاسة بلدية إسطنبول، وتحقيقه نجاحا ملحوظا بفارق كبير عن مرشح العدالة والتنمية في هذه الانتخابات، ليصبح أول سياسي يتمكن من إعادة إسطنبول إلى المعارضة بعد نحو خمسة وعشرين عاما، ظلت فيها المدينة تحت رئاسة العدالة والتنمية.

وتبدو هذه الحسابات منطقية للوهلة الأولى، لكن التعمق في ممارسات أوغلو السياسية وأسلوب إدارته للمدينة وانشغاله الدائم بمسألة الترشح لرئاسة الجمهورية جعلته ينسى أو بالأحرى يهمل واجباته الأساسية المتمثلة في إدارة أمور البلدية التي تعدّ أكبر بلديات تركيا مساحة وأكثرها سكانا، وحلّ مشاكل أهلها وزائريها.

تحركات سياسية ولقاءات جماهيرية وتصريحات إعلامية

وعوضا عن ذلك، كثف إمام أوغلو تحركاته السياسية وزاد حجم لقاءاته مع الدبلوماسيين الأوربيين والغربيين، ومشاركته في اجتماعات المحافل الدولية، إلى جانب اجتماعاته الدائمة مع رؤساء الأحزاب السياسية التركية، وقيامه بجولات ولقاءات جماهيرية، والإدلاء بتصريحات إعلامية حول العديد من الملفات السياسية الداخلية والخارجية، وتنظيم لقاءات جماهيرية والحرص الشديد على حضور المناسبات الوطنية في المحافظات التركية المختلفة، والإدلاء بخطابات سياسية في الجماهير المحتشدة بتلك الاحتفالات.

وهي تصرفات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بكونه رئيسًا لبلدية إسطنبول، مما أوضح من دون لبس أن أكرم يقوم فعليا بحملة انتخابية مبكرة للرئاسة، أو ربما هي بروفة لما سيكون عليه الوضع في حال تم التوافق على ترشيحه لخوض السباق الرئاسي من جانب ائتلاف أحزاب المعارضة.

ورغم أن عددا كبيرا من قيادات حزبه حزب الشعب الجمهوري تدعم بقوة ترشيح كمال كيليشدار أوغلو لخوض الانتخابات الرئاسية، بصفته رئيسا للحزب، وأن هذه الفرصة المتاحة له قد لا تتكرر مرة أخرى، وهو الطرح الذي يدعمه أردوغان بقوة، ويحث غريمه على الإقدام عليه، ليحتكما معًا إلى صندوق الانتخابات وينهيا التنافس القائم بينهما منذ سنوات طويلة، فقد تجاهل إمام أوغلو ذلك وأصرّ على ترشيح نفسه.

منافسة وصراع قد يؤثر على تماسك حزب الشعب الجمهوري

إمام أوغلو رغم إدراكه لحقيقة أن ترشح كيليشدار أوغلو هذه المرة ربما يكون فرصته الأخيرة على الساحة السياسية، فإنه  تجاهل هذا الأمر تماما، وقام بتوظيف وسائل الإعلام التابعة للمعارضة وموارد البلدية للدعاية لنفسه وتحسين صورته عبر إبرازه رجلا لا يمل ولا يكل من العمل ليلا ونهارا من أجل سكان إسطنبول، متبنيا شعار “نعمل من أجل 16 مليون مواطن” في إشارة إلى عدد سكان المدينة، بل ولتحقيق هذا الهدف قام بإنشاء قنوات إعلامية جديدة، مهمتها الدعاية له واستخدام كل الإمكانيات المتاحة لهذا الهدف.

وهو الأمر الذي أغضب كيليشدار أوغلو ومؤيديه من القاعدة الجماهيرية للحزب، ودفعه إلى توظيف عدد من وسائل الإعلام لمواجهة خطط إمام أوغلو وإفشال مسعاه للترشح في الانتخابات الرئاسية في حرب وصراع خفي يدور حاليا بين الاثنين، رغم النفي المتكرر لذلك من جانب قيادات الحزب، التي تخشى من عواقب انتشار هذه الحقائق، وتأثيرات ذلك على نتائج الحزب في الانتخابات المقبلة لصالح العدالة والتنمية.

لكن التصريح الذي أدلى به مصطفى كمال تشيشك المحامي السابق لزعيم حزب الشعب الجمهوري، الذي ذكر فيه أنه خلال السنوات الثلاث الماضية تم إنفاق 650 مليون ليرة تركية وإهدارها على وسائل الإعلام وشركات استطلاع الرأي في الحرب الخفية الدائرة بين كيليشدار أوغلو وإمام أوغلو، كشف إلى أي مدى وصل الصراع داخل حزب الشعب الجمهوري، حتى أصبح يهدد وحدة الحزب وتماسكه في فترة من أشد الفترات حرجا وأهمية في آن واحد.

وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بما سيكون عليه الوضع بعد ما صرح به الرئيس أردوغان فيما يخص مسألة ترشيح أكرم أمام أوغلو لخوض السباق الرئاسي فإن هذا سيؤثر دون شك في مصداقية الرجل سواء على الصعيد السياسي أو فيما يخص وجهة النظر الجماهيرية بالنسبة له.

المصدر : الجزيرة مباشر