لماذا لا يحدث انقلاب عسكري في الصين؟

الجيش الصيني

اتصل صديقي المحلل السياسي، فجر الأحد 25 سبتمبر/أيلول الماضي، ليسألني: ما تقييمكم للانقلاب العسكري الذي وقع في الصين؟ الكلمات الصاعقة أثارت ضحكي، فأبدى استغرابه، وقال: هل أنت متابع، قلت: لم أسمع بهذه المعلومات، وإن كنت على يقين باستحالة حدوثها، فما كان منه إلا أن طلب أن أشرح له أسباب ذلك، وانصرفت إلى أعمال أخرى، أردت إنجازها على وجه السرعة.

سألني زميل آخر، فعدت إلى الصحف الأجنبية الصادرة مساء اليوم، فلم أجد شيئًا، فظننت أن ما ذكراه مجرد مزحة أو مقلب تعرّضا له، فما إن دخلت مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر الأخبار الممنوعة عن الصين، وبخاصة التي يصدرها المنشقون، حتى وجدت كمًّا هائلًا من الأخبار والفيديوهات المصورة عن “الانقلاب المزعوم”.

تحوّل موضوع الانقلاب في الصين إلى” تريند” عالمي بعدة لغات، لأيام على تويتر ويوتيوب وفيسبوك ووي تشات وويبو الصينيَّين، ونشرته صحف ألمانية ومواقع إخبارية بسنغافورة وعربية وهندية دعمت -عبر إحدى القنوات القومية- وجود حالة الانقلاب، بينما القنوات اليابانية والغربية فندت الشائعة تمامًا، ونفت ” الانقلاب الزائف”.

ظهور الرئيس

ظلت الشائعات تتردد ثلاثة أيام، حول تعرّض الرئيس شي جين بينغ للإقامة الجبرية، بعد أن أطاح به “جنرال الجيش القوى لي تشا مينغ، قائد قوات جيش التحرير الشعبي”. رفضت وزارة الخارجية الرد بنفي الخبر أو التعليق عليه، والتزمت الحكومة الصمت، ولم تبث الإذاعات أي أنباء، إلى أُجبرت على بث خبر عن زيارة (شي) لمزرعة حكومية، بعد غيابه عن الأنظار لمدة 11 يومًا.

لم يكن مستغرَبًا موقف السلطات التي تدير أمور الدولة بسرية تامة، بعيدًا عن الإعلام والشعب، فظل الناس بالداخل لا يعلمون أي معلومات عما يدورهم حولهم عن الانقلاب، إلا 200 ألف شخص، رصدوا على موقع (ويبو) بعض الأخبار عن تعطل حركة الطيران بالمطارات، كان تسريبها داعمًا للشائعات.

نشرت الصحفية الصينية المنشقة -الدقيقة عادة- جينفر زينغ مقطعًا مصورًا على يوتيوب، يُظهر قوافل عسكرية ضخمة تتجه إلى العاصمة بيجين، وتولت شبكة إعلامية لحركة (فالون غونغ) الدينية المحظورة بالصين منذ عام 1999، الترويج للأخبار الزائفة عن “تحرك القوات لدحر الانقلاب”.

زعيم الشعب

انتشرت الأخبار كالفيروس، عقب صدور أحكام بسجن نائب وزير الأمن العام السابق سون لي جون، ووزير العدل السابق فو تشنغ هوا، ورؤساء شرطة سابقين في شنغهاي وتشونغتشينغ وشانشي، بتهمة الفساد وعدم الولاء للرئيس شي.

جاءت الأخبار قبل احتفالات العيد الوطني مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وقبل أسبوعين من اجتماع أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. وعادة ما تسبب هذه الاجتماعات أجواء شائعات ساخنة. اجتماع 2300 عضو باللجنة المركزية كل 5 سنوات، يحدد النخبة التي ستحكم الدولة، والمعاونين الأساسيين للرئيس وقادة التنظيمات الحزبية.

رأينا في دورة 2012، كيف تتحول بيجين إلى ثكنة عسكرية، وتتشدد الضوابط الأمنية وسط المدينة وحولها حيث مقرات “البرلمان” والوزارات والحزب والفنادق التي تستقبل الوفود من أنحاء البلاد.

الصين دولة مركزية عتيقة، ويضع قادة الحزب الشيوعي حائطًا منيعًا يضمن عدم تسريب أخبار التغييرات التي ستحدث، ولا يعلم الناس بها إلا بعد انتهاء تلك الاجتماعات وذهاب ممثلي الشعب إلى الأقاليم. لذلك تكثر الشائعات حول الفساد والتعديلات الوزارية والحزبية، مع ذلك هناك اتجاه رأيته في بيجين عام 2013، محددًا من قِبل معاوني الرئيس بأنه سيكون “رئيسًا مدى الحياة”. بعد تخلّص (شي) من كافة خصومه ومنتقديه، خلال السنوات العشر الماضية، يخطط للحصول على لقب “زعيم الشعب”، ليكون الرجل الثاني بعد الزعيم الأول (ماو تسي تونغ).

نموذج آخر للعسكر

يظن البعض أن الجيش الصيني نموذج مثل “النماذج المتكررة في الأنظمة العسكرية الاستبدادية التي احترفت الانقلاب على النظم المنتخبة أو الملكية، حيث تستولي على السلطة وتقدم نفسها ملاذًا للأمم”. تكشف هذه الرؤية القصور في فهم الكثيرين لتركيبة النظام السياسي الذي يديره الحزب الشيوعي منذ سيطرته على الحكم عام 1949. الجيش في الصين لا قيمة له في الصراع على السلطة. القبضة الحديدية في يد الحزب الذي يدير الدولة بكافة أجهزتها، وله سلطات واسعة في إدارة شؤون وحدات الجيش، وأجهزة الإعلام والوزارات والجامعات والنقابات والبنوك والشركات، على مستوى أصغر وحدة وأكبرها.

يرأس الجيش السكرتير العام للحزب الشيوعي شي جين بينغ، ويديره وحدات الحزب بداخله، التي تشكل منذ ثورة 1949، جيش التحرير الشعبي. فالجيش تنظيم لينيني عقائدي، ولاؤه الأول لزعيم الحزب، يتلقى أوامره وفقًا لرؤية الزعيم، التي يقدمها للحزب لتأكيد سلطته، ويتولى ممثلو الحزب ترديد شعاراته، وتنفيذ سياساته لإظهار ولائهم له، وسلطاتهم فوق كل السلطات البيروقراطية، ومراكزهم الوظيفية أعلى كعبًا. يتولى الحزب تدمير أي مؤسسة أخرى في البلاد ” قد تدعم خطًّا حقيقيًّا لسلطة معارضة”.

أقوى رجل

وصفت مجلة إيكونوميست البريطانية، في ملف للأسبوع الجاري، شي جين بينغ بأنه “أقوى شخص في العالم”، بما يمتلكه من سلطات مطلقة، وقدرة على شن حروب عالمية وسرية داخل الحزب، سهّلت له أن يجهز المسرح بتعديلات دستورية، تجعل منه رئيسًا أبديًّا. تؤكد تساي شيا -التي زاملت (شي) لسنوات بصفتها معلمة للقيادة العليا للحزب الشيوعي قبل هروبها إلى واشنطن- سيطرة الحزب سيطرة مطلقة على الصين، بما في ذلك قيادة الجيش والسلطة التنفيذية والهيئات التشريعية. تتوقع أن يُمنح (شي) ولاية ثالثة، رغم أن “إعادة انتخابه ستكون مثيرة للجدل، وستؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في المستقبل، ستدفعه إلى تشديد قبضته في الداخل، ورفع طموحاته دوليًّا”. وقالت إنه مع ازدياد تطرف طريقة (شي) في الحكم، فإن الاقتتال الداخلي والاستياء اللذين أثارهما سوف يزدادان قوة، وستكون المنافسة بين الفصائل داخل الحزب أكثر شراسة وتعقيدًا ووحشية من أي وقت مضي.

انتهى الانقلاب الزائف، وبقيت قدرة المعارضة على كتابة رواية تهز النظام الاستبدادي، وتكشف ضعف إعلامه، وإن جاءت عبر أخبار مضللة.

المصدر : الجزيرة مباشر