عندما تعادي الدولة أفرادًا من شعبها.. أبو الفتوح والقزاز مثالا

ما معني أن يصرخ أبناء السياسي والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح أن والدهم يعاني في محبسه من مرضه الشديد وأزمات قلبه التي تتوالى عليه؟ ثم تتجاهل الدولة صرخات الأبناء ولا تسمع أنات الرجل ولا صرخات أبنائه. الرجل تجاوز السبعين من عمره ولم يرتكب جرما يستحق عليه السجن 15عاماً، ومع ذلك نرتضي هذا!
عندما تتأمل مثالًا آخر مثل المدرس السكندري يحيى إبراهيم: هذا التربوي الذي أعرفه بشكل شخصي وليس له علاقة بأي تنظيم سياسي ولا توجه فكري سوى أنه متضامن مع المعتقلين السياسيين من كل التيارات، ولا تتجاوز كل تعليقاته سوى كلمات تضامن مع شخص تم اعتقاله بطريق الصدفة أو الخطأ.
قُبض على يحيى إبراهيم منذ أكثر من عام ويعاني من مرض السكر، وهو الذي لا يوجد وراءه سوى أسرته المكلومة بغيابه، فلا تيار يدافع عنه ولا مركز حقوقي يجري خلفه. سقطت أسنان يحيى كلها الآن نتيجة إهمال علاجه في السجن الذي لا نعرف سببا حقيقيا له، ولا تهمة سوى الاتهامات المكررة: الانتماء لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة.
رسالة من أم مكلومة
لا أدري لماذا اختارتني هذه السيدة لترسل رسالة في فجر يوم قريب، قرأت رسالة الأم المكلومة فأوجعتني ولم أستطع النوم، مثلما لا تنام هي في انتظار عودة الابن الغائب منذ سنوات سبع.
وهذه رسالة الأم: “ابنى محبوس سبع سنوات حبس احتياطي طالب مريض وعنده ارتجاع دموي بالمريء نفسى ابني يطلع من ظلام السجون شباب ابني ضاع داخل السجون ابنى اسمه احمد محمد عبداللطيف على قاسم هو موجود في سجن استقبال طره الاحتياطي”.
كانت السيدة تعتقد بوجود علاقة لي مع بعض أعضاء لجنة العفو الرئاسي، وطلبت أن أتواصل معهم، بذلت ما أستطيع لكي تصل رسالتها لعلها تجد صدى يخرج الشاب المريض.
لم تتوقف الأم عن إرسال رسائلها كل يوم أو يومين خاصة مع كل إعلان عن خروج دفعة جديدة من المحبوسين احتياطيا. وفي ليلة الإفراج تظل السيدة تعد الثواني والدقائق، ونظل تتنقل من صفحة عضو باللجنة إلى صفحة محامي حقوقي علها تلمح اسم ابنها المحبوس احتياطيا، وأصبحت أنا كذلك مثلها أبحث عن اسمه أو اسم أي من أصدقائي خلف القضبان.
المنع من السفر
هو واحد من الشباب الذي لم يصل عمره الآن إلى 23 عاما، أعرفه منذ عامين حيث تصادفنا في عمل فني، قابلته منذ أيام في معرض الكتاب في إسطنبول، خرج من مصر بعد انتهاء دراسته الإعدادية، وفي إسطنبول استكمل الثانوية وهو الآن يدرس بإحدى الجامعات ومرشح للدراسة في دولة أوربية.
القنصلية المصرية ترفض تجديد جواز سفره حيث إنه مطلوب للتجنيد أو السجن في مصر، وهو يحاول بكل طاقته حل المشكلة. الأحدث في الحكاية المتكررة في بلاد الغربة أنه لم ير أمه منذ خروجه من مصر قبل سبع سنوات، وعندما حاولت الأم السفر إليه منعت السلطات خروجها من المطار وسحبت جواز سفرها.
المنع من السفر أصبح عقابا للأهل، هذا ما قاله صديقي الحقوقي الذي مُنع سفر زوجته وأولاده أيضا ولم يراهم منذ سبع سنوات، وأصبح حلمه احتضان ابنته التي صارت شابة في غيابه والذي لا نعرف متى ينتهي؟
مثال آخر: صديق إعلامي صُودرت أمواله مثل كثيرين لمجرد أنهم شاركوا في محاولة تغيير الوطن، وهذا جرى مع كل التيارات، وهو ما اشتكى منه قبل أيام السفير معصوم مرزوق خلال حوار على منصة يوتيوب. أما مشكلة صديقي فهي منع أمه من السفر أيضا بعد مصادرة أموالها يقول ” أنا لا أستطيع السفر إليها لكنهم يمنعوها من السفر لماذا”، ما هذا الجبروت وهذه الوحشية التي تتعامل بها الدولة مع أبنائها!
الدولة وليس النظام
عندما تتحد كل أجهزة الدولة وتصبح تعبيرا عن منهج واحد ورؤية واحدة يصبح لا فرق بين الدولة بكل مكوناتها والنظام. السلطة التنفيذية في أدنى مستوياتها تتعامل وكأنها السلطة القضائية وتصدر أحكامًا على مواطن لمجرد أنه يعارض سياسات النظام، حينئذ تصبح الدولة والنظام كتلة واحدة.
الغريب أننا أصبحنا نواجه هذا من كل السلطات في مصر وكأن الجميع أصبح شخصا واحدا، وتتعامل هذه السلطات مع المواطن بعداء منقطع النظير.
تجد هذا مع صرخات بنت صفوان ثابت رجل الأعمال المحبوس احتياطيا والممنوع أسرته من التصرف في أمواله. وتنادي أسرته بنقله فقط من حبسه الانفرادي المحبوس فيه منذ القبض عليه.. تجده أيضا في عقاب كل المحبوسين داخل زنزانة علاء عبد الفتاح لمجرد أنه محبوس معهم. كما تتعجب من وضع أفراد على قائمة الارهاب ومطارداتهم في البلاد المنفيين فيها وهذا لمجرد أنهم يعارضون النظام فتتحول حياتهم في بلاد الغربة إلى جحيم.
الدولة المندمجة في النظام فصارا جسدا واحدا تتحدى رغبة هيئة التدريس في كلية العلوم التي اختارت الدكتور يحيى القزاز ممثلا لها في مجلس الكلية، فترفض إدارة الجامعة اختيار الأساتذة بتعينه في مجلس الكلية ممثلا عنهم. عقاب وتنكيل بأكاديمي مرموق لا لشيء سوى عقاب على مواقفه المعارضة للنظام القائم، وليس الدولة!
إن دمج الدولة في النظام والنظام في شخص ليس وضعا كارثيا على حاضر دولة تعاني من مشكلات كثيرة، لكنه خطر على مستقبل دولة كانت وستظل محورا مهما في المنطقة العربية والعالم، وعندما يصل الحال بالدولة النظام إلى وضع أفراد منها موضع العداء، فهذا ببساطة انهيار لها وتقزيم لدولة كانت كبيرة ولكنها صارت هكذا!