ماذا يريد فلاديمير بوتين من تركيا؟!

بوتين وأردوغان

في خطوة فاجأت الجميع حتى المعنيين بالأمر، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحويل ضخ فاقد الغاز من خلال “السيل الشمالي” إلى أوربا عبر الأراضي التركية، مشيرا إلى إمكانية رفع موسكو صادراتها من الغاز إلى تركيا بهدف تحويلها فعليا إلى مركز لإمداد أوربا بالغاز، معتبرا أن هذه الخطوة من شأنها تأمين إيصال الطاقة إلى القارة الأوربية بأمان تام، إلى جانب مردودها الاقتصادي على تركيا.

وهو الاقتراح الذي رحبت به تركيا على لسان وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، الذي أعرب عن دهشته لسماع هذا الخبر، معلقا: “هذه أول مرة نسمع فيها بمثل هذا المقترح”، مشيرا إلى أن أمرا مثل هذا يحتاج إلى كثير من الدراسة والبحث والتأني لمعرفة إمكانيته وآلية تطبيقه.

لكنه أكد في الوقت نفسه أنه من المستحيل أن يتخلى العالم اليوم عن المصادر التقليدية للطاقة، وأن عملية التحول إلى الطاقة النظيفة والخضراء قد تستمر مئة عام.

موقف تركيا المعلن ردا على مقترح روسيا اعتبر تمهيدا سياسيا للدور الذي يمكن أن تؤديه في المستقبل القريب لإيصال الغاز إلى دول أوربا، التي بدأت فعليا تعاني من نقص وارات الطاقة، وهو ما يهدد جميع مفاصلها الاقتصادية والاجتماعية، وقد بدأت بوادره الظهور داخل المدن الفرنسية والألمانية.

كثير من الأسئلة تتبادر إلى الأذهان جراء هذا الموقف المفاجئ من جانب روسيا، فلماذا أعلن الرئيس الروسي هذا المقترح الآن؟ وما الذي يسعى للحصول عليه عبر تركيا؟ ولماذا تركيا على وجه التحديد؟!

الأهداف الروسية الخفية وراء مقترح بوتين واختياره لتركيا تحديدا

مقترح الرئيس الروسي يهدف إلى ضرب عدة عصافير برمية حجر واحد، ليحقق أهدافا لا يمكن أن تتحقق من دون هذا المقترح، ومن أهم هذه الأهداف:

1 – توجيه ضربة قاضية للولايات المتحدة الأمريكية، من خلال إبداء حسن نيته اتجاه دول الاتحاد الأوربي التي تعاني أشد المعاناة نتيجة وقف إمدادات الغاز الروسي إليها بسبب تخريب خط نورد ستريم 1 و2، وخروج الخطين من الخدمة، حيث يتهم بوتين الولايات المتحدة بالضلوع في هذا العمل الذي وصفه بأنه إرهابي، بهدف إضعاف أوربا وإحكام السيطرة عليها، وفرض شروطها الخاصة بسعر بيع الغاز لها، بعد وقف تدفق الغاز الرخيص الذي كانت تستورده من روسيا، وهو ما بدا واضحا في الانتقادات التي وجهت مؤخرا للإدارة الأمريكية بعد رفعها أسعار بيع الغاز بأكثر من أربعة أضعاف السعر الاعتيادي، الأمر الذي اعتبره القادة الأوربيون استغلالا مرفوضا للأزمة.

2 – إبداء حسن نيته اتجاه دول الاتحاد الأوربي، من خلال اتخاذ موقف إنساني مع دخول موسم الشتاء، والعمل على الحد من حجم المعاناة التي تنتظر مواطني الاتحاد نتيجة ارتفاع الأسعار بصورة غير منطقية، الأمر الذي تسبب في لجوء العديد من الدول إلى خفض الكميات التي يتم استيرادها من الغاز، وهي كميات لا تفي باحتياجات السوق ولا تلبي حاجات المواطنين، وهو ما ظهر جليا في الطوابير التي تراصت عدة كيلومترات أمام المحطات في بعض الدول، وتوقف العديد من المصانع عن العمل في دول أخرى، وبدء هجرة المواطنين الأوربيين هروبا من الصقيع وبحثا عن الدفء في دول أخرى.

3 – دفع الدول الأوربية إلى إعادة التفكير بشكل جدي في مصالحها الخاصة من جهة، وفي علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، ومواقفها المعلنة من روسيا من جهة أخرى، خصوصا بعد مواقف بوتين التي تعد بالنسبة للكثيرين  إيجابية، سواء مقترحه لحل أزمة الطاقة لدى الاتحاد الأوربي، أو موافقته على تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود مرورا بموانئ تركيا وتحت إشراف قواتها المسلحة، مما منع حدوث مجاعة عالمية هددت الكثير من الدول، وهو أمر أمر قد يساهم في إضعاف سيطرة الولايات المتحدة، ويحد من هيمنتها على مقدرات دول العالم، ويفسح المجال أمام إعادة تشكيل التحالفات الدولية، بما يصب في صالح التعجيل بولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وإنهاء نظام القطب الواحد، وهو أحد أهم الأهداف التي يسعى بوتين لتحقيقها.

4 –  زيادة حجم التعاون بين روسيا وتركيا في مجال الطاقة، سواء من خلال الجدوى الاقتصادية، وحجم العائدات المالية التي يمكن أن يؤمنها تحقيق هذا المقترح، في وقت لا يزال الاقتصاد التركي يئن فيه تحت وطأة أزمات متعددة نتيجة عوامل متباينة، إلى جانب تحويل الرغبة التركية في أن تكون مركزا لتصدير الطاقة إلى أوربا إلى حقيقة واقعة، وجميعها أمور من شأنها أن تضمن لبوتين استمرار وجود حليف دائم وقوي له داخل حلف الناتو، لديه القدرة على التأثير في قرارات الحلف، والحد من اندفاعه، وعرقلة أي قرارات يمكن أن تضر بمصالح بلاده أو تقف في طريق تحقيق أهدافه.

5 – توسيع نطاق التعاون الروسي التركي من شأنه أيضا زيادة هوة الخلافات التركية الأمريكية، وهو أمر يصب في صالح تحقيق رغبة موسكو الرامية إلى ضم تركيا إلى جبهتها، التي تضم الصين وإيران، وإخلاء المنطقة من أي حليف يمكن أن يدين بالولاء للإدارة الأمريكية.

مكاسب اقتصادية وسياسية يحملها المقترح الروسي لتركيا

صحيح أن مقترح الرئيس الروسي جاء لتحقيق أهدافه الخاصة التي تخدم خططه، إلا أنه لا يمكن غض الطرف أو التغاضي عن المزايا التي ستنعكس على تركيا جراء تحقيق هذا المقترح الهام، وتتمثل تلك المزايا في عدة نواح سياسية واقتصادية واجتماعية.

فإلى جانب العائدات التي يمكن أن تتدفق على خزينة الدولة التركية، وتأثيرات ذلك على تحسين قدرة الاقتصاد التركي، فإن تحويل تركيا إلى مركز عالمي لتصدير الطاقة إلى دول الاتحاد الأوربي سيرفع مكانتها، ويعزز كونها قوة فاعلة على الساحة السياسية الدولية، تمهيدا لتحقيق رغبتها في أن تكون أحد الأقطاب الرئيسة في النظام العالمي الجديد.

المصدر : الجزيرة مباشر