قوانين القرآن (4).. قانون الزوجية

 

لكي تنهض البشرية بواجبها وتستكمل دورتها وتؤدي مهمتها، سنّ ربها -سبحانه- قانون الزوجية، حفظًا للنسل وحملًا للرسالة، وأداءً للأمانة، ومن أجل ذلك جعل -سبحانه- بناء الأسرة ميدانًا من ميادين طاعته، والسعي لمرضاته.

ولكي يبقى النسل قائمًا والبشرية ممتدة، خلق الله الشهوة الداعية إلى المعاشرة، وجعلها فطرة في الخلق، ومن أبرز مقاصدها: المحافظة على النسل وبقاء النوع واستمرار الاستخلاف واكتمال دورة البشرية.

وهي منظومة ربانية قيّمة لا يجوز تقسيمها أو انتكاسها أو تبديلها، أو الانتقاء منها وفق الأهواء، فلا يجوز للإنسان تعطيل تلك المنظومة، بأن يُخصي نفسه، أو يخصيه غيره، أو يأخذ الرجل أو المرأة هرمونات تفسد جنسه وتشوش فطرته.

كما لا يجوز له إفراغ تلك الشهوة دون ضوابط شرعية وقوانين ربانية، وإلا تصبح البشرية غابة حيوانية لا يربطها رابط ولا يردعها رادع، بل هي -حينئذ- أحط من الحيوانات قدرًا، وأدنى منها منزلة، فإن الكثير من ذكور الحيوانات والوحوش والطيور تغار على إناثها وتصونها وترعاها، كما لا يجوز أن يكون قضاء تلك الشهوة بوسائل منكرة كالزنى والشذوذ، أو بأنواع من الزواج منكرة لا تمتّ إلى الرقي الإنساني بصِلة، لأنها تخالف الفطرة، وتُفسد البنية المجتمعية، وتقضي على نمو البشرية وارتقائها على كل الأصعدة وفي شتى المجالات، كما لا يصلح أن يُقصَد الإنجاب لذاته بمعزل عن الأسرة الحاضنة والبيئة الحافظة والأرض الطيبة التي ينبت فيها، فالإنجاب ليس هدفًا لذاته، وإنما لحمل الرسالة والنهوض بالأمانة، ولا يتم ذلك إلا برعاية سليمة ومحافظة على الفطرة القويمة، لذا كان الزواج والحمل والإرضاع والتربية ميدانًا تعبديًّا، ومنحة ربانية، واستقامة أخلاقية، ورفعة عند الله وعند الناس.

الخلل الناتج عن غياب قانون الزوجية

إنها حملة ضخمة من الإخفاقات، ومظاهر عجيبة من الاختراقات، حيث انطلقت الحملات تترى ضد قانون الزوجية اتباعًا للأهواء، بداية من الاعتراض على حكمة الله في خلق الذكر والأنثى، إلى العبث في مكونات الذكورة والأنوثة والتطلع إلى إيجاد جنس ثالث، إلى التمرد على مقومات الأسرة ومكوناتها، والعمل الدائب لهدمها وتدميرها، إلى العبث في منظومة الزواج والعمل على تشويهها وتحويلها إلى شراكة أرباح وخسائر، إلى إطلاق الحرية الجنسية بلا وازع من فطرة نقية أو قيمة أخلاقية أو رقي إنساني أو مقصد شرعي أو حاجة اجتماعية.

القانون

أذكر هنا مادتين من قانون الزوجية:

أولاهما: (الزوجية أصل الوجود)

فالزوجية أساس الكون وسر بقائه، قال الله تعالى: {وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} وقال سبحانه: {وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجا}

وقد نزل آدم وحواء إلى الأرض بصفتهما زوجين وليسا مجرد فردين أو جنسين، فلن يصلح الاستخلاف إلا بهما، فالمرأة قبل أن تكون أي شيء في الكون هي زوجة، والباقي بمثابة الاستكمال وليس العكس، والرجل كذلك أيضًا.

ثانيتهما: (الزوجية تتحقق بالذكور والإناث معًا وليس بأحدهما).

قال تعالى: {وَأنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنثى} وقال سبحانه: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كالأُنثى}.

فما كان للزوجية أن تتحقق بالإناث دون الذكور، فمن أرادت أن تنفك عن ما خلقها الله من أجله فهي تناقض أصل خلقتها ومحراب عبادتها الأوسع والأشمل، فكل محاولة لسلخها عن مقامها ومكانها هو تقزيم لدورها وتفريغ لمهمتها واغتيال للبشرية بأسرها، وتضييع لقيمها ومقومات بقائها وسر طمأنينتها وسكنها.

ولن تتحقق الزوجية بالذكور أيضًا، فتلك بهيمية حمقاء وجاهلية خرقاء، وانحدار بالبشرية إلى مزيد من الضمور والضياع.

فللرجل والمرأة إمكانات وتطلعات في مجالات شتى يحسنونها، ولكن كل ذلك لا يعارض ولا يغني عن القيام بمهمة الزوجية.

المعرضون عن القانون

وقد أعرض أقوام عن القانون، فماذا حصدوا سوى انحرافات جنسية وسعار شهواني قاتل وتحلل اجتماعي مدمر، وانهيار للمنظومة المجتمعية، وحالة من الضياع النفسي والإنساني لا تخطئها عين متأمل في العالم الغربي.

وهم فوق ذلك، يتأهبون لعقوبة الله في الدنيا والآخرة، أن سلط عليهم من الأوبئة والآفات في أجسادهم ونفوسهم وزروعهم وبيئتهم ومناخهم ما يفسد معيشتهم ويكدّر حياتهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

“يا معشرَ المهاجرين: خِصالٌ خمْسٌ إذا نزلْنَ بكم -وأعوذُ باللهِ أنْ تُدْرِكوهنَّ-: لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم”.

المتحققون بالقانون

استقام المؤمنون على منهج ربهم وقوانين كتابهم، فشاع الزواج بينهم وفق منظومة قيمية وأخلاقية، وحماية اجتماعية راشدة، وهيمنة شرعية راعية وموجهة وحافظة.

فحصدوا ترابطًا اجتماعيًّا لا يشابههم فيه أحد، وسلامة نفسية رغم ما يمر بهم من أحداث لا تجدها عند أغنى الناس وأشهرهم.

وحصدوا سكينة أسرية نادرة في عصر التشتت والتهارش والصراع، وحصدوا حظًّا وافرًا من الوقاية من عقوبات السماء، فهم الأقل إصابة بالأمراض الجنسية والأوبئة الكونية والجرائم المجتمعية.

وأخيرًا أقول:

مهما اقترب الرجل من صفات المرأة فلن يكون امرأة ولن يصلح لأن يعود رجلًا، ومها حاولت المرأة الترجل فلن تكون رجلًا ولن تصلح لأن تعود امراة.

أنزلَ اللهُ تَعالى البشريَّةَ الى الأرضِ أزواجًا وليسوا أفرادًا، فكُلُّ مُحاوَلةٍ للعَيشِ خارِجَ منظومةِ الزوجيةِ فهي مُضادَّةٌ لشَرْعِ اللهِ تعالى.

نزلَ آدمُ وزوجَتُه إلى الأرضِ للقِيامِ بمَهمَّةِ الاستخلافِ، ولن يَنْجَحَ بنو آدَمَ في القيامِ بتلك الفَريضةِ مُنْفردِينَ بمَعْزلٍ عن قانونِ الزَّوجيَّةِ.

المصدر : الجزيرة مباشر