جمال مبارك رئيساً .. هل المُزحة تجاوزت الحد؟!

جمال مبارك

عندما يُنادي أحدهم على جمال مبارك، ويقول: (ياريس)، أو يدونها على فيسبوك أو تويتر، أو يكتبها في (هاشتاج)، فهل هى مُزحة تجاوزت حدود الواقع والسياسة، أم أن ما يبدو مُستبعداً، أو صعب التحقق، أو يكاد يلامس جدار المستحيل، اليوم، هو قابل للحدوث غداً؟

نعم، هى مُزحة ثقيلة في ظل واقع الحال المعاش من ناحية طبيعة نظام الحكم في مصر الذي يُحكم السيطرة عليه فرد واحد، هو شخص الرئيس، مما هو معروف ومشهود ومُجّرب في كل العهود منذ إعلان الجمهورية عام 1953، إنما الجديد أن درجة السيطرة والتحكم أكبر وأوسع وأشد من كل عصر سبقه.

ونعم، أيضاً بشأن إمكانية أن نجد جمال يوماً مترشحاً للمنصب الأرفع ضمن آخرين، وتقديري أن هذا مُستبعد، إنما أسجله هنا لاعتبار وحيد فقط وهو أن السياسة تتسم بالتغير الدائم، والمفاجآت المتوالية، والصدمات العنيفة أحياناً، والدرامية في أحيان أخرى، ومهما بدا الوضع مستقراً، أو جامداً، أو مطمئناً لأصحاب الشأن، فإن عواصف السياسة قد تنطلق بشكل مباغت فتفرض واقعاً جديداً، والربيع العربي مثالٌ.

لكن متغيرات السياسة، وتقلبات الأوضاع، لا يمكن التنبؤ بها، أو تحديد موعد لها مهما امتلك كبار المفكرين والفلاسفة والكتاب القدرة على التنظير والتحليل وفهم ما وراء الظاهر من مجريات الحياة اليومية، والربيع العربي مثال للمرة الثانية.

ابن الرئيس

لست مع جمال مبارك، لكني في نفس الوقت معه كمواطن مثل أي مواطن مصري، المهم أن يُعامل كأي مواطن، لكن هذا لا يحدث، إذ يظل ابن الرئيس مُبجلاً حتى لو كان الرئيس سقط في ثورة وتعرض لمحاكمات وسجون، وحتى لو كان ابن الرئيس مُدانًا بحكم بات في قضية فساد مُخجلة عام 2016، وقضى سنوات في السجن بسببها، ففي وادينا الطيب ابن الرئيس يظل ابن الرئيس ولو كان لا شيء، وابن الخفير يظل ابن الخفير ولو كان كل شيء.

والذي شاهد فيديو زيارة جمال لقبر والده حسني مبارك في الذكرى 49 لحرب أكتوبر المجيدة، وهو وسط حشد من الناس والجميع يتزاحم حوله لالتقاط الصور والفيديوهات معه يدرك أن ابن الرئيس يبقى مواطناً مميزاً ولن يكون مثل عموم المواطنين.

جمال ومشهد القبر المستفز

مشهد القبر مستفز حيث يتعارض مع رهبة المكان، حتى لو كان قبراً من فئة الخمسة نجوم للفخامة في تشييده ومساحته ومعماره، إنما الأهم باطن القبر إذ يسري عليه ما يسري على قبور كل متوفى منذ خلق الله آدم؛ مساحة ضيقة، مملؤة بالتراب والجسد متحلل، والعظام متآكلة في الأكفان الممزقة المتسخة، ويتساوى فيه أعظم العظماء مع أشد الحقراء.

ظهر جمال وسط الحشد المُرتب له بعناية من رجاله، كما لو كان نجم سينما في الالتفاف حوله، والرغبة في التصوير معه، والسلام عليه، وتقديم أوراق له ربما لطلب خدمات أو مساعدات شخصية منه، ومن المثير أن يتم إحضار شخص بسيط لديه أربعة أطفال أطلق عليهم أسماء عائلة مبارك: حسني وسوزان وعلاء وجمال، وبدا لي شخصاً بائساً وهو يلاحق جمال ليكرر له أسماء أولاده، ويعرض عليه شهادات ميلادهم لتأكيد مصداقيته، وجمال غير عابئ لا به ولا بالآخرين، سوى أنه يبتسم فقط، ويصافح أحياناً، ويتجاهل في أحيان أخرى.

(ولا يوم من أيامك يا مبارك)

هناك من قال له (ياريس)، و(أبو محمود)، و(يا باشا)، وشخص آخر قال ثلاث مرات بصوت مرتفع: (ولا يوم من أيامك يا مبارك)، وهذا دغدغة لمشاعر جمال، لكنه في الوقت نفسه تعبير ينتشر باتساع بين الناس فيه حنين إلى عصر مبارك ذلك أن الحياة والمعيشة فيه لم تكن بتلك القسوة اللاهبة اليوم.

جمال .. وابن ماركوس

لن يكون جمال مثل ابن فرديناند ماركوس ديكتاتور الفلبين الذي أسقطته ثورة شعبية هائلة عام 1986، إذا ترشح الابن بونج بونج، (64 عاماً)، وفاز بالرئاسة، ذلك أن الفلبين تشهد انتخابات منتظمة منذ خلع ماركوس، وانتقال الحكم من رئيس لآخر، في المدد الدستورية المحددة دون المس بالدستور، والفترات الرئاسية، والتداول السلمي للسلطة، وهذا لا يحدث في مصر، فقد شهدت الفلبين 6 رؤساء خلال 36 عاماً بعد إسقاط ماركوس.

ونجل ديكتاتور الفلبين لم تكن له تجربة سيئة في الحكم خلال وجود والده مثل جمال الذي حكم مصر بالفعل لخمس سنوات على الأقل، حيث لم تظهر منه إشارة واحدة للإيمان بالديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية، فقد انغمس مع رجال الأعمال داعماً لهم، وهم مساندون له، ودخل هو نفسه مجال الأعمال، وخطط للاستحواذ على مفاصل السلطة، وتجربة انتخابات برلمان 2010 تحت إدارته كاشفة عن أنه كان مستبداً في ثوب أنيق خادع، والاستبداد عموماً لا يعرف المدني من العسكري، فهو آفة واحدة.

ليس استعراضاً للرئاسة

تقديري أن جمال الذي نصّبه المحتشدون حوله رئيساً لمدة نصف ساعة على قبر والده لم يكن يستعرض نفسه كمرشح رئاسي، فهذا بعيد جداً، إنما هذه الوقفة هى الظهور المدروس الثاني له ليقول إن أموالنا التي عادت لنا بحكم نهائي للمحكمة الأوربية تؤكد نزاهتنا وشرفنا، والظهور الأول له منذ يناير 2011، كان خطابه المسجل في فيديو خلال مايو الماضي بعد حكم المحكمة الأوربية، لكنه يتناسى أن النزاهة والشرف الطهارة ليست بحاجة لحكم محكمة، ويتجاهل أن الحكم صدر لصالحه وعائلته لأمور تتعلق بمسار وأوراق القضية في مصر، كما يتناسى وجود حكم نهائي بالفساد ضده وشقيقه علاء ووالدهما، اسمه القصور الرئاسية، وسجنوا بسببه ثلاث سنوات.

جمال يدرك أن الرئاسة حلم مستحيل، فشل في تحقيقه أولاً مع وجود والده في الحكم، وهو يعلم أنه لا يقدر على التقدم خطوة نحو الرئاسة ثانية ووالده تحت التراب كرئيس مخلوع، ولم يعد له حضور في الاحتفالات بأكتوبر بعد أن كان محور الاحتفال وحده، ولا يجوز الرهان على توليفة من ناس تم إخراجهم له، أو أعداد أكبر منهم بكثير لديهم حنين لعهد والده، فالانتخابات قصة أخرى ممسوكة جيداً بآليات خاصة.

المصدر : الجزيرة مباشر