منبر الداعية السوداني “مُزمل فقيري” لتجريح العلماء

مزمل فقيري

 

قبل أكثر من عشر سنوات ظهر في أركان النقاش بالجامعات السودانية أحد الشباب السلفيين، يدعي مُزمل فقيري، كان في الأول ينتمي لجماعة أنصار السنة المُحمدية، لكنه سرعان ما تمرد عليها، وأصبح يكيل إلى شيوخها السباب ويتهمهم بالحزبية ومفارقة منهج السنة والجماعة، كما يتصوره هو بالطبع، وقد اشتهر أكثر بهجومه المتواصل على الشيخ الراحل حسن الترابي، وقام بلعنه والإساءة إليه مراراً، حد التكفير أحياناً، لكن الترابي تجاهله، ولم يعره انتباهاً، بل وصلت الجرأة بفقيري إلى تجريح معظم شيوخ السودان، والعالم الإسلامي، فلم يسلم أحد من لسانه، وتحول إلى ظاهرة، مُثيرة للجدل.

تٌخرصات على الهواء

معركة جديدة أثارها مزمل فقيري على خلفية حلقة قدمها الإعلامي عبد الله الشريف عن الدكتور يوسف القرضاوي، إذ عرض مزمل تغريدة منسوبة لعبد الله الشريف بأنه حلم بالشيخ القرضاوي في الجنة وبجواره سبعمئة ألف حورية، ووصف الشريف بأنه إخواني كذاب، وتساءل فقيري ساخراً: يا ترى كيف عدّ عبد الله الشريف الحور في المنام، وهل كان عنده آلة حاسبة؟ لكن عبد الله الشريف رد على فقيري، ونفي أي صلة له بتلك التغريدة، أو بالأخوان المسلمين، وسخر منه أيضاً، وأشار إلى كثير من تناقضاته المُضحكة، وافتراءاته على العلماء.
لكن مزمل لم يكتف بذلك، وإنما خرج في مقطع فيديو آخر تعرض فيه للشيخ أبو إسحق الحويني، وقال إنه ليس من تلاميذ الشيخ الألباني، ووصفه بالمُحتال، ورماه بالكذب والابتداع أيضاً، دون أن يتبين مما سمعه، فيصيب من يصيب بجهالة، وقد جرّ عليه ذلك القول سخط الكثيرين، لكنه، أي مزمل، يحب أن يكون دائماً تحت الأضواء، ولا يأبه بأي حال ظهر، وذلك مصدر شهرته، ورزقه.

المدخلية في السودان

تجربة مزمل فقيري في التعرض للشيوخ والعلماء انتقلت من الداخل إلى الخارج، وصار له أتابع يحركهم كالقطيع، ويصفقون له بحماس وافتتان، دون أن ينتبهوا إلى أن الرجل يسوقهم إلى حتفهم، بخلق فتنة لا تبقي ولا تذر، ولعل مزمل، وهذه ربما لا يعرفها عنه كثير من الناس، أنه ينتمي إلى التيار المدخلي، الذي أسسه الشيخ السعودي ربيع بن هادي المدخلي في مطلع التسعينيات، واشتهر ذلك التيار الديني بتحريم معارضة الحكّام والخضوع الكامل لهم والدفاع عن مواقفهم وسياساتهم مهما كانت، وبتفصيل الفتاوى التي تحث على العنف والإقصاء، ولذلك وقفوا ضد ثورات الربيع العربي، والتجارب الديمقراطية، حد أنهم اعتبروا الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر ولي أمر شرعيا لا يجوز الخروج عليه. لكن مزمل الذي انحشر في ذلك الطريق وهو أعمى، لم يكتف بمهاجمة الثورات الشعبية، أو شيوخ الحركة الإسلامية، وإنما أعمل لسانه حتى في شيوخ الجماعة السلفية، أمثال رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية الشيخ الراحل محمد هاشم الهدية، الدكتور محمد الأمين إسماعيل، والشيخ محمد سيد حاج رحمه الله، بدافع الغيرة لا أكثر، إذ إنه يستهدف أي شيخ محبوب ولديه نجومية، أو له تأثير ويتمتع بشعبية في أوساط الشباب، إلى جانب الصراع على مال الدعوة الذي يأتي من الخليج.

ملة إيدي كوهين

من الظلم وصف مزمل بالشيخ، إذ إنه أقل رفعة ومكانة علمية وأخلاقية من الشيوخ والعلماء الذين يهاجمهم، فمذ ظهر في الجامعات، لم يطوّر خطابه ونهجه، واشتهر بالسُباب والشتم وتحقير الناس، ومؤخراً هجر الدعوة وأصبح بشكل يومي مثير للريبة، ويخوض في السياسة، تلك اللعبة القذرة، على طريقة برامج الـ ” توك شو”، ومع ذلك تتغاضى عنه السُلطات الأمنية، التي يتجنب الإشارة لها، خشية ورهبة، وهذا ينزع عنه صفة الشجاعة، لأن الإساءة للناس وسط أنصاره، وتحت حماية مشددة، والهروب من المواجهات الفكرية، دليل على تواضع قدراته، ودليل أيضاً على أن جهة خارجية تدعمه وتشجعه، وهى لا تريد للإسلام خيراً، بدليل أن الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين قام بتنصيبه شيخاً على المسلمين، وكتب كوهين “لو كان لي سُلطة في الكنانة لعينت هذا الهزبر كاردينالاً في الأزهر الشريف، وملكته سلطان تجديد الخطاب الديني من المحيط إلى الخليج”، فهل اتبع مزمل فقيري ملة كوهين وإسرائيل ليرضى عنه، بهذا الطريقة الحماسية المُريبة؟

منبر الكراهية والتجريح

ليس بغريب على مزمل فقيري التعرض للشيخ الراحل يوسف القرضاوي، فقد شتم من قبل كل الشيوخ الأكارم ورجال الدين، لم يترك أحداً إلا واغتابه وأكل لحمه ميتاً ما كره ذلك، منذ الشيخ الراحل محمد سيد حاج والدكتور محمد الأمين إسماعيل والشيخ القارئ نورين محمد صديق، والدكتور عصام أحمد البشير، مروراً بالشيخ سلمان العودة، وقد كفر الشيخ الشعراوي، وحتى شيخه محمد المصطفى عبد القادر لم يسلم من لسانه، ووصلت به الجرأة النهش في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، من خلال تناوله لزواج النبي من السيدة صفية، فلم يردعه أي وزاع ” قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ”.

بهذا الداعية، الذي لا يدعو إلى الله على بصيرة، هو ومن اتبعه، فنحن أمام ظاهرة خطيرة، أفرزت في غفلة من التاريخ، دعاة حقد وكراهية، يتمسحون بالدين وينفرون عنه، وقد تحولت صفحاتهم إلى محاكم تفتيش ومنابر عنف وإرهاب وتكفير، لا أخلاق ولا اعتدال ولا جدال بالحُسنى، صنعتهم الخلاف ونبش الأعراض والتجريح والإساءة للأخرين، ينفثون أحقادهم في العلماء، كنافخ الكير الذي سيحترق به أول الأمر، على مسمع ومرأى السُلطات.

المصدر : الجزيرة مباشر