2022.. أهم التحديات على المستوى العربي

(1)

كلما أقترب عام من لفظ أنفاسه الأخيرة أشعر بالأسى، فالنهايات دائما موجعة وتجعلك رغما عنك تراجع الأيام والأسابيع والشهور التي مضت وأخذت معها جزءًا من عمرك، مراجعة مرهقة وبصفة خاصة حين تكون أحد مواطني العالم العربي، الذي أصبح كسفينة عتيقة تلطمها الأمواج العاتية، فتتعثر في مسارها وتكاد تهوي إلى القاع بعد أن زاد اتساع ثقوبها، وأتذكر أشقاء لنا يركبون بحار الموت من أجل هجرة تبعدهم عن أوطانهم التي افتقدوا فيها مقومات الحياة الأساسية.

وحين أتجول بعيني في خريطة العالم، ينقبض قلبي ويتمرد عقلي على واقعنا: لماذا الجغرافيا العربية مستباحة من جانب قوى إقليمية غير عربية وأخرى دولية؟ وكيف نجحت تلك القوى في تفكيك مقومات الوحدة العربية وزرع الخلاف بين الأشقاء، حتى ابتلينا بفتنة الحروب الأهلية التي ارتفعت فيها النعرات المذهبية على نداء الوطن الجامع؟ وكيف عرفت أوطاننا معنى الخراب وذاقت شعوبنا طعم الخوف ومرارة الإرهاب؟ ثارت شعوب عربية على أنظمة حكم فاشلة مستبدة وفاسدة، أملًا في تغيير الأحوال إلى الأفضل، لكنها دخلت في دوائر الفوضى، وما إن شربت هذه الشعوب من كأس الحرية والكرامة حتى أجبرت على مضغ الحصرم وابتلاع العلقم.

 (2)

بعد مرور ما يقرب من عقد من الزمن على الربيع العربي ما زالت الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية هي رهان المستقبل والتحدي الأول أمام الشعوب العربية، رغم أن تعبير الشعوب عن آمالها وطموحاتها أصبح عند بعض الناس مرادفا للفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما اتخذته أنظمة الحكم التي ورثت الربيع العربي ذريعة لترديد عبارة: “الشعوب العربية غير مؤهلة للديمقراطية بصورتها الغربية”، فلهم ديمقراطيتهم ولنا ديمقراطيتنا.

الديمقراطية التي يتحدث عنها حكامنا إطار أجوف، والاحتكام للصندوق خدعة زائفة، وعادة ما تكون نتائج الانتخابات محسومة قبل أن تبدأ. الرهان على الديمقراطية والحكم الرشيد في الوطن العربي تحدٍّ يفرض نفسه، إذا أردنا الخروج من الدوائر المغلقة التي نسير فيها منذ عقود لنعود دومًا إلى نقطة الصفر. أغلبية نظم الحكم العربية تحكم دون رقابة شعبية حقيقية قادرة على الإصلاح وتحقيق التداول السلمي للسلطة، وهو ما يجعل تلك الأنظمة -وخاصة بعد بقائها مدّة طويلة في الحكم وإحكام قبضتها على كل مؤسسات الدولة وخاصة الجيش والشرطة والقضا- أنظمة حكم مستبدة فاسدة تجتهد لتأمين البقاء في السلطة ولا تعمل لتحقيق آمال الشعوب، وأنظمة مثل هذه لا يمكن أن تصل بالمواطنين إلى بر الأمان بل تذهب بهم إلى مسار غير مأمون العواقب، حيث يصبح الحاكم هو الدولة إن ذهب ذهبت.

 (3)

التحدي الثاني القضية الفلسطينية، فهي تظل القضية المركزية التي يجتمع عليها العرب من المحيط للخليج حتى وإن بدت الأمور على خلاف ذلك، فكل قطر عربي الآن منشغل بمشاكله الداخلية ومخاوفه الحدودية وأمنه القومي، يبحث عن الخلاص وطوق النجاة بحزمة تحالفات يظن أنها مفيدة بصورة مباشرة وعاجلة ولو كانت على حساب القضية الفلسطينية وحل الدولتين كما حدث مع ما يسمى الاتفاقيات الإبراهيمية. جاءت أحداث حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة وردّ المقاومة الفلسطينية على غطرسة الاحتلال، لتثبت أن القضية الفلسطينية لم ولن تموت ما دام هناك فلسطيني واحد على قيد الحياة، وأنه لا يمكن أن تستقر الأمور في الشرق الأوسط دون حل دائم وعادل لهذه القضية التي طال عليها الزمن، وهذا تحدٍّ مستمر. العالم العربي يحتاج إلى قضية توحّده وتخرجه من حالة الانقسام والانكفاء على الذات التي تعاني منها أقطاره المتفرقة، الدول الرشيدة ذات التخطيط الاستراتيجي تبحث عن قضايا عادلة تقدمها لشعوبها لتحفيزها على الصمود والمقاومة والانخراط في العطاء، الشعوب تقوى وتتطور بالتحديات. وإذا كان الشعب الفلسطيني يحتاج إلى مساندة الشعوب العربية، فالعكس صحيح، فالشعوب العربية تحتاج إلى مساندة الشعب الفلسطيني في قضيته الوجودية.

المصدر : الجزيرة مباشر