ومضى عام آخر من أعمارنا

عام 2021 كان مهمًا لتركيا ويجب تقييمه من كافة الأصعدة.

انتصار طالبان من الأحداث البارزة في 2021

مع انقضاء عام وحلول عام جديد، نتمنى أن يكون عام 2022 فاتحة خير على الإنسانية بأسرها.

لا معنى للفاصل الزمني الذي نسميه رأس السنة إلا بجعله مناسبة للوقوف مع الذات، ومحاسبتها على وجودها في هذا العالم وما أنجزت فيه، وما عجزت عن إنجازه.

فالإنسان كائن حي يسير بطبعه نحو الأمام، وهو المخلوق الوحيد الذي يدرك أن الموت قادم نحوه، وأن كل يوم يمر إنما يقربه من موته المقدر. ومع تضاؤل وقتنا في هذا العالم نحتاج إلى أن ندرك أننا مجرد ضيوف سيرحلون كما جاؤوا.

حينما نتحدث عن “الموت” فلا نقصد بالطبع نهاية وجودنا، فالموت بالنسبة لمن يؤمن بالآخرة ليس هو النهاية. إنه بداية يوم عظيم نواجه فيه ما قدمت أيدينا، وسيرى كل منا بالتأكيد جزاء ما فعله، ولو كان ذرة من خير أو ذرة من شر.

لعل أفضل استعداد ليوم الحساب العظيم هو ما نمر به بالفعل في حياتنا من انشغالنا ببعض الأمور والحوادث بين حين وآخر، ثم تتاح لنا فرصة التقاط بعض أنفاسنا وإجراء محاسبة ذاتية ننظر خلالها إلى ما فعلناه وما قد فاتنا. فشهر رمضان والأعياد ويوم الجمعة، وحتى عيد الميلاد ويوم رأس السنة، جميعها أوقات تمنحنا الفرصة المناسبة لإجراء محاسبة ذاتية.

من الناس من يدرك هذا التحذير ويشعر به فيعمل بمقتضاه، ومنهم من لا يدركه، لا سيما في رأس السنة وأعياد الميلاد، التي يجعلها مناسبة للانغماس في الغفلة والغرور.

وحينما ننطلق من هنا ونشير إلى الموت باعتباره السمة المشتركة الوحيدة بين جميع البشر كأساس أخلاقي، فإن تأثيره سيكون مقتصرًا على من يعرفه فقط. وبالطبع هذه المعلومات قديمة قدم تاريخ البشرية، لكنها أكثر المعلومات عرضة للنسيان عند الإنسان.

وتيرة الموت

لقد كانت وتيرة الموت مرتفعة للغاية في العام الماضي كما في العام الذي سبقه تمامًا، حيث بات أكثر حضورًا في حياتنا بسبب تأثير فيروس كورونا. وربما لا يوجد أحد إلا وقد فقد قريبًا أو عزيزًا أو صديقًا، على الرغم من أن هناك من حاول عدم الاكتراث بهذا الوباء أو التعامل معه على أنه إنفلونزا عادية انطلاقًا من نظريات المؤامرة.

وثمة أسباب أخرى للموت كانت تسابق فيروس كورونا، حتى بدا العام الماضي كموسم حصاد أراوح. فقد ودّعنا كثيرا من الأسماء البارزة التي قدمت إسهامات واضحة واستثنائية في مجالات العلوم والفكر والفن والسياسة، وكان كل واحد منهم نجمًا ضمن عالمه الخاص، فودّعنا محمد أمين سراج، ومحمد علي الصابوني، ودوغان كوجيل أوغلو، وسيزاي كاراكوتش، وغيرهم الكثير ممن لا تحضرني أسماؤهم. رحمهم الله جميعًا ورفع درجاتهم وجعل قبورهم رياضًا من رياض الجنة.

هجوم إسرائيل

بالطبع لا يوجد متسع لعرض الحساب الطويل لعام 2021، سواء على صعيد تركيا أو العالم. لكن لو سألنا: ما هو أهم حدث في هذا العام؟ فلو استثنينا التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لفيروس كورونا، فسأجيب بدون تردد بأن أهم ما حدث هو الهجوم الذي شنته إسرائيل على غزة يوم 10 مايو/ أيار بعد أن وضعت “صفقة القرن” وراء ظهرها، وانطلقت بدعم من الأنظمة العربية المستسلمة لها، لكن الكلمة الأخيرة والعليا كانت لأهل غزة.

أما الحدث الثاني فهو انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. مما لا شك فيه أن قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سبقته استعدادات أولية منذ سنوات، ولا شك في أن هذا الانسحاب في حد ذاته كان هزيمة، لأن الولايات المتحدة فشلت في القضاء على الأسباب التي دفعتها إلى الاحتلال من جهة، ولفشل جميع الأهداف التي رسمتها من جهة أخرى. ولا شك كذلك في أن تراجع أحدث الآلات الحربية أمام آلات وأدوات بدائية للغاية يشكل نوعًا من التحدي للكليشيهات المحفوظة في أذهان البشرية حول القوة والنصر والصبر والعزيمة.

دروس مهمة

إن هزيمة الولايات المتحدة أمام طالبان، وإسرائيل أمام حماس، على الرغم من انعدام التكافؤ في القوى بين الطرفين، وعلى الرغم من الانطباع السائد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل قوتان لا تُقهران، تحتوي على دروس مهمة للغاية لكل عقل رشيد.

والتاريخ يحكي لنا العديد من الأمثلة على ذلك، مثل الطاغية جالوت الذي ظن أنه لا يُقهر وقد كان قوة عظمى بالفعل آنذاك، لكن نهايته كانت عكس ما تخيّل، وبأضعف سلاح كان لدى نبي الله داود (عليه السلام). فعلى الرغم من أنه يعلم حجم قوة هذا الطاغية فإن استراتيجية ومهارة النبي داود في العمل بشكل دقيق مكنته من ضرب جالوت في أكثر نقاط ضعفه، وكان ذلك بمثابة نجاح ونصر استثنائي كسر كل قواعد الحساب والنظريات.

قيل الكثير حول فهم طالبان للإسلام، وعن المعاصرة وما شابه ذلك من قضايا، ولقد تحدثنا حول جميع ذلك في مقالات سابقة، وذكرنا أن الاعتراف بنجاحها أو التعامل معها على اعتبار أنها الحاكم الفعلي لأفغانستان لا يعني الموافقة على منهجها بشكل مطلق وتام، وأن ذلك ليس من الضروري في الأصل.

عام مهم

عام 2021 كان مهمًّا بالنسبة لتركيا ويجب تقييمه من كافة الأصعدة.

الموضوع الأكثر أهمية هو الطريق الذي لن يُعتبر طريقًا جيدًا أو حسنًا. فنحن في صراع بعضنا مع بعض في العديد من القضايا، وهذه هي السمة التي لا مفر منها لطبيعة المجتمع. لكن المشكلة تبدو حينما تتطرق السياسة أو تقترب من الجسد المتكامل للمجتمع، الذي من المفترض أن يبقى متماسكًا. لقد أصبح جزءًا من خطابنا السياسي وثقافتنا أن نتخذ من أي قضية وسيلة لمهاجمة بعضنا وبث الأحقاد والبغضاء، ونسينا التحدث مع بعضنا، حتى إن العام الماضي مرّ دون أن يذكّرنا بضرورة التحدث مع بعضنا.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أُصبنا بمرض خطير من العنصرية وكراهية الأجانب وكراهية اللاجئين. هذه الأمراض بالذات من أكثر أنواع الطاعون والأمراض فتكًا، فهي لا تقتل المستهدَف فحسب، بل تقتل إنسانية الشخص الذي يستهدِفه قبل ذلك. شافانا الله من ذلك.

 

المصدر : الجزيرة مباشر