رئيس البحرية التركية السابق يكتب لـ”الجزيرة مباشر”: هل الحرب مع روسيا على الأبواب؟

  • قال الرئيس الأوكراني زيلينسكي “إن الحرب مع روسيا على الأبواب، وستغزو روسيا أوكرانيا. وهذا يمكن أن يحدث غدًا أو في أي لحظة، لكنه أصبح محتّمًا”.
  • ألقى زيلينسكي، الرئيس الأوكراني، خطابًا علنيًّا حول التهديد الروسي، في 19 يناير/ كانون الثاني 2022، وبنى خطابه ذلك على ثلاث ديناميكيات هي “توبيخ وسائل الإعلام”، “توبيخ العالم” و”رسالة التفوق النفسي”.

توبيخ وسائل الإعلام

لدى مراجعتنا رسالته الأخيرة، سنرى أن زيلينسكي ينتهج التركيز على الحرب النفسية. فقد قال زيلينسكي الذي يوبخ بشدة وسائل الإعلام المدعومة من الغرب على وجه الخصوص: “أليست هذه حقيقة نواجهها منذ ثماني سنوات؟ ألم يبدأ هذا الغزو في عام 2014؟ أم برز خطر الحرب للتو؟ لم يظهر هذا الخطر في ليلة وضحاها، بل إن الخطر لم يزدد!”. وقد أعرب في تصريحاته عن تلاعب وضغط إعلامي ضد بلاده، مضيفًا أنه “يجب على جميع وسائل الإعلام أن تعكس الحقيقة فقط، وليس الشائعات! لا تدعموا أعداءكم لأجل مصالحكم الخاصة”. ويؤكد زيلينسكي أنه ينبغي على النظم الداخلية في البلاد أن تخدم مصالحها الوطنية، وألا تدعم الحملة النفسية ضد أوكرانيا لتحقيق مكاسب شخصية. مع كل هذا، حث زيلينسكي على التزام الهدوء والعقلانية، مشيرًا إلى أنه لا ينبغي للمواطنين أن يتصرفوا بذعر وخوف. ونرى أنه يحاول أن يسد الباب أمام الأطراف التي تشن حربًا نفسيةً على البلاد للتلاعب بمجريات الأحداث قبل وقوعها.

توبيخ العالم

وجه الرئيس الأوكراني زيلينسكي، خلال خطابه، رسالة توبيخ للدول الغربية على وجه الخصوص. وانتقد مواقف الدول الغربية التي لا تقدم الدعم العملي اللازم، قائلًا إنه “يجب على شركائنا أن يتكلموا ليس فقط بالأقوال، بل بأفعالهم! ليس التفكير فيما يمكن لروسيا أن تفعله هو المهم، بل الأهم هو كيف سيستجيب العالم للخطوات الروسية”، مشيرًا بذلك إلى المواقف الغربية. كما أن عدم وجود أي خريطة طريق للدول الغربية في أوكرانيا وعدم قدرتها على إنتاج نموذج بديل هو جانب آخر يحاول زيلينسكي الإشارة إليه؛ إذ أوضح زيلينسكي أن الغرب ترك أوكرانيا وحيدة في مواجهة روسيا، مشيرًا إلى أنهم ينتظرون منهم خريطة حل جادة وخطة عمل فعّالة. إذن نرى أن الرئيسي زيلينسكي يركز في انتقاده على القوى الغربية وهياكلها العسكرية.

رسالة التفوق النفسي

وينصب تركيز زيلينسكي الرئيسي على رفع الروح المعنوية للشعب الأوكراني وجيشه؛ إذ قال زيلينسكي إن “أوكرانيا تعزز دفاعاتها باستمرار. لدينا جيش قوي وشجاع وعلى كامل استعداداته”. وهذا ما يشير إلى رغبته في تعزيز التوفق المعنوي والنفسي عند شعبه وجيشه. ومن ناحية أخرى فإن قوله “أوكرانيا تعزز دفاعاتها باستمرار” هو انعكاس لمنهجية مركزية في السياسة العسكرية التركية؛ حيث عززت أوكرانيا قدرات جيشها من خلال الحصول على العديد من المركبات الدفاعية وأنظمة البنية التحتية من تركيا، وعلى رأسها مركبات الدفاع الجوي التي تعمل من دون طيار TB2. وهذه الحقيقة المبنية على حسن العلاقات التركية الأوكرانية، التي ذكرها زيلينسكي ليظهر فيها أحد أهم معالم تفوّق بلاده، تثبت أن تركيا تلعب دورًا مفصليًّا في هذه الأزمة وأنها أكثر فاعلية من القوى الغربية. وكان الرئيسي لزيلينسكي، الذي أنهى خطابه بتمنيات طيبة ورؤية مستقبلية متفائلة، يهدف إلى صد الحرب النفسية التي تستهدف بلاده.

لكن يبدو أن روسيا ستحتل قريبا منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، والغرب لن يقدم رد فعل حيال ذلك. كما اتضح إلى حد ما من خطاب بايدن وبوتين أن الولايات المتحدة وروسيا توصلتا إلى اتفاق ضمني في شرق أوكرانيا بعد التوصل إلى اتفاق بشأن المصالح في أفغانستان وسوريا والمصالح الإقليمية المشتركة عمومًا. وقد أدلى الرئيس الأمريكي بايدن في 21 يناير/ كانون الثاني 2022 باعتراف أولي قائلا: “أعتقد أن بوتين سيغزو أوكرانيا!”.

ومن جهة أخرى، قال قائد البحرية الألمانية الأميرال كاي أشيم شونباخ، خلال زيارة للهند في 21 يناير/كانون الثاني 2022 “لا يريد بوتين سوى أن يحظى بالاحترام. ولو كان الأمر بيدي لأعطيته الاحترام الذي يريده ويستحقه. القرم قد ذهبت ولن تعود. أنا كاثوليكي متعصب جدًّا، ونحن بحاجة إلى روسيا، الدولة المسيحية، في مواجهة الصين”. هذه الكلمات توضح وجود اتفاق مبطّن، وتكشف عما دار في لقاءات جرت خلف الكواليس، على الرغم من أن شونباخ استقال من منصبه بعد يوم من إدلائه بهذا التصريح.

ووفقًا لخبر الشبكة الإعلامية الإسرائيلية Nziv، الذي ورد بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني 2022 فإن “وزيري دفاع الولايات المتحدة لويد أوستن ونظيره الروسي سيرغي شويغو، عقدا اجتماعًا على خلفية التوتر المستمر في المنطقة الأوكرانية”. وذكر البنتاغون أنهما “بحثا الحد من المخاطر بالقرب من حدود أوكرانيا”، في حين ذكرت موسكو “أنه تمت مناقشة القضايا الأمنية المشتركة” دون الخوض في التفاصيل. وتشير هذه الكلمات إلى عقد اجتماع بتوافق الآراء ضمنيًّا.

وللأسف، فقد أصبح الموقف السائد في العالم الغربي أن شبه جزيرة القرم قد ضاعت فعليا وأنه من الصعب الآن عودتها. وفي 21 يناير/كانون الثاني 2022، قبل دقائق من المحادثات الحاسمة بين وزيري الخارجية الأمريكي والروسي حول الأزمة الأوكرانية الروسية في جنيف، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانًا تطالب فيه بانسحاب كافة القوات الأجنبية من المنطقة بما فيها بلغاريا ورومانيا اللتان لم تكونا عضوين في حلف شمال الاطلسي قبل 1997. أي أن روسيا ترغب في توسيع حدود المفاوضات إلى ما هو أبعد من أوكرانيا وصولًا إلى رومانيا وبلغاريا.

وفي أعقاب هذه التصريحات، طلبت سفارة الولايات المتحدة في كييف في 23 يناير/كانون الثاني 2022 من عائلات موظفيها في أوكرانيا ورعاياها المدنيين مغادرة البلاد يوم الاثنين.

ويبدو أن هدف الاتهامات الروسية الموجهة ضد أوكرانيا هو التمهيد لهذا الغزو. ففي 25 يناير/كانون الثاني 2022، على سبيل المثال، أعلن الكرملين عن وجود تهديد كبير لهجوم عسكري أوكراني في دونباس. ووفقًا لتقرير وكالة تاس، قال السكرتير الصحفي الرئاسي ديمتري بيسكوف إن خطر وقوع هجوم مسلح في دونباس بأوكرانيا أصبح مرتفعًا. فباختصار، يبدو -من المحتمل جدًّا- أن تحتل روسيا الجزء الشرقي من أوكرانيا، بعد شبه جزيرة القرم.

وتظهر صور الأقمار الصناعية الجديدة الوجود العسكري الروسي المتوسع، في حين شارك المسؤولون الروس مقاطع فيديو لمنصات إطلاق صواريخ تحملها القطارات. وذكرت مصادر المخابرات الأوكرانية أن موسكو استكملت تقريبًا استعداداتها قبل الغزو المحتمل وأن العد التنازلي قد بدأ.

والنتيجة هي -كما يبدو- أن الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا بشأن كازاخستان وسوريا وأوكرانيا. وإذا كان لا يزال هناك أحدٌ يعتقد وجود صراع بين الولايات المتحدة وروسيا في هذه القضايا، فإني أرى أنهم حالمون. وأريد أن أوجه إليهم هذا السؤال: “هل سبق أن رأيتم جنودًا روسيين أو أمريكيين يقتل بعضهم بعضًا في سوريا أو ليبيا أو العراق أو أفغانستان؟”.

المصدر : الجزيرة مباشر