رئيس أركان البحرية التركية السابق يكتب: مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط فقد أهميته.. لهذه الأسباب!

انسحاب الولايات المتحدة من مشروع إيستميد كان مهماً

كان مشروع خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط، المعروف باسم إيستميد، يهدف إلى مد خطوط أنابيب تحت البحر في حوض المتوسط، لتمرير الغاز الطبيعي برًّا وبحرًا من جنوب قبرص إلى اليونان، وذلك عبر مناطق السيادة البحرية التركية.

وكان من المقرر نقل الغاز الطبيعي عبر اليونان إلى إيطاليا، ومنها إلى جميع أنحاء أوربا. وكان من المخطط له أن يبلغ طول خط الأنابيب 1900 كيلومتر بعمق 3 كيلومترات. وقُدِّرت تكلفة هذا المشروع الذي سيستمر سبع سنوات، والذي يعتقد أنه قادر على حمل 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًّا بمبلغ 7 مليارات دولار.

وقد وقّع قادةُ إسرائيل واليونان والإدارة القبرصية اليونانية في أثينا اتفاقيةَ المشروع في 2 يناير/ كانون الثاني 2020. وعلى الرغم من أن أطول قسم من هذا المشروع يمر عبر حدود السيادة البحرية التركية، فإن تركيا لم تكن موجودة في ذلك اللقاء الثلاثي، بل كان المشروع مبنيًّا على فرضية تجاهل السيادة البحرية التركية، وهذا ما وأد المشروع في مهده.

وقد تم تقديم مشروع إيستميد، الذي يتجاهل تركيا -على الرغم من أنه يخطط لتمرير الأنابيب عبر جرفها القاري- على أنه سيشكل مصدرًا بديلًا عن تصدير الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوربي، ومن ثم رحب الاتحاد بالمشروع، وقدمت الولايات المتحدة دعمًا مفتوحًا له خلال ولاية الرئيس ترامب.

وبطبيعة الحالة لم تسمح تركيا بإجراء دراسات جدوى المشروع ضمن جرفها القاري دون الحصول على إذن منها، وبسبب موقف اليونان العنادي العدائي غير القانوني وعدم طلبها الإذن، لم يكن من الممكن إجراء دراسة جدوى متكاملة. غير أن كون ثلثي هذا الخط سيتم وضعهما تحت سطح البحر وأن الأعماق مرتفعة للغاية تسبب أيضًا في بعض المشكلات الفنية. فتبين أن تكلفة مشروع بهذا الحجم ستبلغ أكثر من 7 مليارات دولار؛ مما دفع إسرائيل إلى الإشارة لوجود صعوبات في تمويل المشروع.

غير فعال

باختصار، سرعان ما أدركت اليونان وشريكتها القبرصية أن هذا المشروع الذي يهمش تركيا، غير منطقي من حيث التكلفة. وحتى إذا بدأ تنفيذ الاتفاق فإنه من الواضح أنه لا يمكن وضع أنابيب الغاز دون إذن من تركيا؛ حيث إن الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 58 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الصادرة عام 1982 حددتا بوضوح حقوق والتزامات الدول الأخرى في المنطقة الاقتصادية الخالصة على النحو التالي:

“1. تخضع جميع الدول، سواء كانت مساحلة أو غير مساحلة للمنطقة الاقتصادية الخالصة، للشروط المنصوص عليها في الأحكام ذات الصلة من هذه الاتفاقية، وتتمتع بالحريات المشار إليها في المادة 87 والمتعلقة بالملاحة والتحليق ووضع الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة وغير ذلك مما يتصل بهذه الحريات من أوجه استخدام البحر المشروعة دوليا كتلك المرتبطة بتشغيل السفن والطائرات والكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة، والمتفقة مع الأحكام الأخرى من هذه الاتفاقية.

3. تولي الدول، في ممارسة حقوقها وأدائها لواجباتها بموجب هذه الاتفاقية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، المراعاة الواجبة لحقوق الدولة الساحلية وواجباتها، وتمتثل للقوانين والأنظمة التي تعتمدها الدولة الساحلية وفقًا لأحكام هذه الاتفاقية وغيرها من قواعد القانون الدولي بالقدر الذي لا تتنافى به مع هذا الجزء”.

وتوضح الفقرتان 1 و3 من المادة 79 من ذات الاتفاقية، الحقوق والالتزامات الخاصة بمد الكابلات البحرية وأنابيب النفط على الجرف القاري على النحو التالي:

1. يحق لجميع الدول وضع الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة على الجرف القاري وفقًا لأحكام هذه المادة.

2. مع مراعاة حق الدولة الساحلية في اتخاذ تدابير معقولة لاستكشاف الجرف القاري واستغلال موارده الطبيعية ومنع التلوث من خطوط الأنابيب وخفضه والسيطرة عليه لا يجوز لهذه الدولة أن تعرقل وضع أو صيانة هذه الكابلات أو خطوط الأنابيب.

3. يخضع تعيين المسار لوضع خطوط الأنابيب هذه على الجرف القاري لموافقة الدولة الساحلية.

4. ليس في هذا الجزء ما يمس حق الدولة الساحلية في وضع شروط للكابلات وخطوط الأنابيب التي تدخل في إقليمها البري أو بحرها الإقليمي، أو ما يمس ولايتها على الكابلات وخطوط الأنابيب التي يتم وضعها أو استخدامها بصدد استكشاف جرفها القاري أو استغلال موارده أو تشغيل ما يقع تحت ولايتها من الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات.

إذَنْ، من الواضح جدًّا أنه لا يمكن -من الناحية القانونية- تنفيذ هذا المشروع أو غيره من المشاريع المماثلة بدون إذن تركيا. بيد أن الثنائي اليوناني والقبرصي اليوناني عارضا بعناد طلب إذن من تركيا، متجاهلَين الأحكام المذكورة أعلاه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي أصبحت بمثابة الدستور البحري، والحقوق التي تمنحها للدولة الساحلية، التي هي تركيا.

الخلاصة

لم يكن مشروع إيستميد مشروعًا فعالًا من حيث التكلفة. ولم يكن موفقًا من حيث العمق والطول والاحتياطي والنقل. وفي الوقت ذاته، لا خيار دون تمرير خطوط الأنابيب عبر الحدود البحرية التي تخضع للسيادة التركية. وبما أن خطوط الأنابيب التي خُطِّط لتمريرها كان لا بد أن تمر عبر تقاطع الحدود الليبية التركية، فلم يكن من الممكن الاستغناء عن الموافقة التركية.

وعلى الرغم من أن أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تعطي للدول التي لا تملك ساحلًا على تلك البحار تمرير خط الأنابيب منها، فإن الدولة صاحبة السيادة البحرية هي التي تملك حق تحديد مسارات وطريق تلك الأنابيب. وبعبارة أخرى سيتعين هنا الرجوع إلى موافقة تركيا، حتى لو كان من الممكن تنفيذ هذا المشروع، إلا أنهم كانوا يتهربون من طلب موافقة تركيا على تحديد المسار. لذا لم يكن من الممكن تنفيذ هذا المشروع من الناحيتين المادية والسياسية؛ إذ لم يكن من الممكن التعامل مع الأمر الواقع بمحاولة تهميش تركيا، وعلاوة على ذلك كانت تكلفة المشروع باهظة.

انسحاب الولايات المتحدة من مشروع إيستميد كان مهمًّا؛ إذ طرحت الولايات المتحدة سببين للانسحاب، هما نفس السببين اللذَين طرحناهما نحن. الأول هو التكلفة، والثاني هو التوتر المستمر في شرق المتوسط. ولذلك أعلنت الولايات المتحدة انسحابها، فأدى إعلان الولايات المتحدة عن تخليها عن دعم هذا المشروع الوهمي إلى انتهائه. وكان من الواضح أن هذا المشروع مكلّف للغاية، وسيخفق في الوصول إلى التمويل، ونظرًا لذلك لم يكن لدى الثنائي اليوناني واليوناني القبرصي القدرة على تنفيذ هذا المشروع. ومن أجل استغلال الوضع سياسيا ووضع تركيا في الأمر الواقع، كانوا يصرحون بتصريحات تفيد بأن “الاتحاد الأوروبي في أمس الحاجة لهذا المشروع، وتركيا هي التي تعرقله، وتترك الاتحاد الأوروبي معتمدًا على الاحتكار الروسي في سد حاجة القارة الأوربية من الغاز الطبيعي”. ولكن اتضح فيما أن هذا ليس صحيحًا، واتضح أن اليونان والقبارصة اليونانيين هم من وضعوا الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى في مأزق بسبب عنادهم مع تركيا، فكان سحب الدعم عن هذا المشروع نتيجة لذلك.

وعلى الرغم من أن أثينا صرحّت بأن انسحاب واشنطن ليس مهمًّا، وأن أعمال المشروع ستستمر، فإن مصر وإسرائيل، الشريكتين الأخريين في المشروع، قررتا إعادة النظر فيه. ولهذا السبب فقد مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط أهميته بسبب الموقف اليوناني والقبرصي اليوناني المعادي لتركيا.

المصدر : الجزيرة مباشر