رئيس أركان البحرية التركية السابق يكتب لـ “الجزيرة مباشر”: لهذه الأسباب تأجلت الانتخابات الليبية!

الأميرال جهاد يايجي

تعد ليبيا مسرحًا للقوى العالمية والصراعات من أجل الهيمنة بسبب احتياطياتها النفطية الكبيرة وثرواتها الجوفية الأخرى، فضلاً عن موقعها الجيوسياسي الرئيسي في شمال أفريقيا. استمر -للأسف- عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي منذ سقوط نظام القذافي عام 2011. وقد حالت أجواء الانقسام السياسي والعنف التي تعاني منها البلاد، دون إنشاء بنية تحتية مؤسسية شاملة للجميع وتوفير الاستقرار. كما فشل الاتفاق السياسي الليبي، الذي تم توقيعه عام 2015 برعاية الأمم المتحدة، في خلق التأثير المتوقع والتطورات الإيجابية، وعجز عن تحقيق الشمولية السياسية والاستقرار في البلاد. بل إن الأمم المتحدة لم تكن فعّالة في ضمان السلام والاستقرار والأمن في ليبيا. ولم تسفر جميع البدائل التي قدمتها الأخيرة منذ عام 2015، والبرامج السياسية التي فرضتها القوى العالمية على الدولة الليبية عن نتيجة إيجابية في ليبيا.

وشهدت ليبيا حرباً داخلية عنيفة بين عامي 2019 و2020، إلى أن أُنشئت بيئة سلام وأمن واستقرار جزئي بدعم من تركيا لحكومة الوفاق الوطني، الحكومة الليبية الحائزة على الشرعية الأممية. ومن ثم، بذلت حكومة الوفاق الوطني جهوداً مكثفة لضمان وحدة البلاد وسلامتها وإقامة نظام ديمقراطي.

أسباب التأجيل

وفي هذه البيئة، تم بتاريخ 8 ديسمبر / كانون الأول 2021 تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021 إلى فبراير / شباط 2022. ولم يقبل صانعو السياسات الوطنيون والمجتمع في ليبيا الانتخابات والبرامج السياسية التي تتطور ضد إرادة الأمة الليبية. ودعونا الآن نفصل في هذا الموضوع.

السبب الرئيس وراء فشل الخطة الانتخابية، أن الشعب الليبي ليس هو من حدد تاريخ العملية الانتخابية. وأن أكبر مخاوف الشعب الليبي هو احتمالية انتخاب ديكتاتور جديد. حيث يعتقد جزء كبير من الليبيين أن عملية الانتخابات والمواعيد التي يفرضها الغرب ستؤدي إلى خلق ديكتاتور جديد في ليبيا، بل إن هذا هو هدفها. ويبدو أن القوى العالمية التي تحاول تقديم مصالحها الاقتصادية والسياسية والنفطية، لا تريد بناء ديمقراطية تكاملية في ليبيا. غير أن الجهات الفاعلة مثل الولايات المتحدة وفرنسا تفرض سياسات تهدف إلى تعظيم مصالحها الخاصة في المنطقة. والبرنامج الانتخابي الأخير هو أحد الأمثلة الصريحة على هذه الحقيقة. وكما أفاد القادة السياسيون الليبيون، فإن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تدعم التطور الديمقراطي والحوار في المنطقة من الناحيتين المؤسسية والسياسية.

إن تحديد موعد الانتخابات في 24 ديسمبر/ كانون الأول ليس قرارا اتخذه الليبيون، إذ  تم اتخاذ قرار إجراء الانتخابات في اجتماع منتدى الحوار السياسي الليبي بقيادة الأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 وقد أدى ذلك إلى تحديد برنامج انتخابي خاطئ جداً.

كما أن الأحزاب المكونة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لم تتوصل بعد إلى توافق في الآراء حول القانون الذي سيحدد البنية التحتية القانونية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وأُعلن في أكتوبر / تشرين الأول 2021، أن الانتخابات البرلمانية ستُجرى بعد شهر من الانتخابات الرئاسية. وهذا القرار خطير للغاية وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة. فالبرلمان هو بنية تحتية ومؤسسة لصنع السياسات الحاضنة للجميع. والبرلمان هو قوة من شأنها أن تضمن استقرار البيئة السياسية والاقتصادية والسلام في البلاد. إن إجراء الانتخابات البرلمانية أولا، وبالتالي بناء التكامل السياسي، سيكون خطوة من شأنها أن تؤدي إلى تغير واقع الانقسام والصراع في البلاد إلى بيئة الحوار. ومن المرجح أن يؤدي إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً إلى مخاطر مؤسسية واجتماعية على حد سواء. ومن المرجح أيضاً أن تلغي الانتخابات الرئاسية السابقة الانتخابات البرلمانية. فالرئاسة هي بطبيعتها منصب فردي، في حين أن البرلمان هيكل مؤسسي وتعددي. وبعبارة أخرى، فإن بناء المؤسسة أولاً ثم اختيار المدير سيكون هي المنهجية الأصح، سواء من الناحية الديمقراطية أو من حيث الاستقرار.

وبالنظر إلى الخلافات والنزاعات في هذه العملية الانتخابية المؤجلة سنجد أنه:

  • لم يتم تحدد قواعد الانتخابات ومن المعني بتطبيقها.
  • ولم تتم تسوية الخلافات المتعلقة بكفاية المرشحين.
  • ولم يتم التغلب على الجو الاستقطابي الذي تغذيه القوى الأجنبية.
  • ولم يتم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الممارسة السياسية الشمولية في البلد.

قضايا حساسة لم تحل

إذاً ما زالت هناك قضايا حساسة لم تُحل بعد. ومن جهة أخرى، لم تمارس الأمم المتحدة دورها كما يجب، ولم تتمكن من لعب دور وقائي في الحرب الداخلية الليبية، بل أصبحت أداة بيد القوى العالمية لتوجيه السياسة في ليبيا. وبات جلياً أن البرنامج الانتخابي الذي تفرضه القوى العالمية، يهدف إلى خلق ديكتاتور جديد في ليبيا، إذ وضعت الأمم المتحدة برنامجاً انتخابياً وتاريخاً انتخابياً يهمّش إرادة الشعب الليبي. والنتيجة الوحيدة التي سيصل إليها البرنامج الانتخابي والبرامج الانتخابية المماثلة هو أرضية غير ديمقراطية. وبحمد الله انهارت هذه العملية التي تطورت خارجاً عن إرادة الشعب الليبي. فيعتمد حل الخلاف العام والصراع في ليبيا على بناء برلمان قوي أولاً.

وينبغي إجراء الانتخابات الرئاسية بعد إنشاء برلمان يعكس إرادة الشعب الليبي. وينبغي منح المرشحين فرصة كي يُجروا حملاتهم الانتخابية في فترة طويلة قبل هذه الانتخابات. وينبغي على المرشحين أن يشرحوا للجمهور سياستهم وخرائط طريق تخرج البلاد من تحدياتها في حملاتهم الانتخابية، والحصول بالتالي على دعم الجمهور.

غير أن قوة القبائل في ليبيا وسلطتها واقع لا يمكن إنكاره. ولذلك، فمن الضروري أن تضمن الانتخابات البرلمانية انسجام القبائل وتوازن القوى بشكل صحيح. فإن البرلمان الذي يضمن التمثيل العادل والمتوازن للقبائل سيبني الحوار في ليبيا، ويتمخض من المرشحين المؤهلين والديمقراطيين رئيساً. باختصار، ينبغي الاستجابة لطلب للشعب الليبي ضمن الإطار الديمقراطي وبديناميات اجتماعية.

علينا ألا ننسى أن ليبيا لليبيين.

المصدر : الجزيرة مباشر