مجلس الشيوخ.. الولي الفقيه في مصر!

وكأن مجلس الشيوخ المصري (الغرفة التشريعية الثانية) أصبح هو الولي الفقيه، وإمام المسلمين، بعد أن طالبت اللجنة الدينية به بوضع تفسير عصري للقرآن الكريم يعبر عن وسطية الإسلام واعتداله، حسب المقترح الذي قُدم..

فقد طالب كل من الدكتور يوسف عامر رئيس اللجنة الدينية بالمجلس، والنائب محمد سليم، وكيل اللجنة، من خلال المقترح الذي تمت مناقشته في المجلس؛ بوضع تفسير عصري للقرآن الكريم يُعبر عن وسطية الإسلام واعتداله، نظرًا لانتشار بعض النسخ من القرآن الكريم، التي توجد بها تفسيرات تنتمي للفكر المتطرف، حسب كلامهما.

ولم يكتف المجلس بذلك، ولكن طلب إصدار مصحف ورقي وإلكتروني مزود بتفسير مختصر يكون متفقًا عليه من جميع المؤسسات الدينية، ومزود بهوامش وتفسيرات عصرية منضبطة.

والغريب هنا أن مجلس الشيوخ بدلا من مناقشة القوانين، التي تصدر يومياً ضد المواطنين، وتكبلهم بالضرائب، وغيرها من فنون التضييق في معيشتهم، ومناقشة أوضاع الحريات والديمقراطية، والموازنة والمعاهدات، جعل لنفسه الحق في إصدار تفسير للقرآن على هواه، ووفق توجهات سياسية لا نعلم مَن يقف وراءها، وكأن المجلس الذي لم نسمع له صوتا أو رأيًا في أي قضية قد صحا من نومه فجأة، وقرر اللعب في المنطقة التي أصبحت مستباحة مؤخرا من الجميع، وهي أمور الدين التي يُفتي فيها حاليا كل من “هبّ ودبّ” سواء كانوا فنانين أو رياضيين أو راقصات..

 دور الشيوخ

وقد حدد قانون مجلس الشيوخ اختصاصات المجلس، التي جاءت في ضوء أحكام الدستور الخاصة بمجلس الشيوخ، حيث نص القانون على أن يختص مجلس الشيوخ بـدراسة واقتراح ما يراه كفيلا بتوسيع دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي، وتوسيع مجالاته، ويؤخذ رأي مجلس الشيوخ في الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ويؤخذ رأيه في مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويؤخذ رأيه في معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية، أو مجلس النواب، ويؤخذ رأيه فيما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة، أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية. ويجب على مجلس الشيوخ أن يبلغ رئيس الجمهورية ومجلس النواب برأيه في هذه الأمور على النحو الذي تنظمه اللائحة الداخلية للمجلس.

هذا هو دور مجلس الشيوخ حسب القانون، وفي الدستور الأخير، ولكن تناسَى المجلس دوره فيتدخل في دور الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية، وكأن هناك محاولة مستميتة للانقضاض على دور الأزهر الشريف والقفز عليه نكاية في شيخه أحمد الطيب، بعدما بدا لهم أنه لا يغرد معهم في نفس السرب الذي يغردون فيه، ولم يتماه معهم في بعض القضايا، ووجدوا أنه عصِي عليهم في بعض ما يريدون، فأطلقوا عليه أبواقهم الإعلامية لكي تتحرش به وبدوره وبالمؤسسة كلها.

تفسير الجمهورية الجديدة

ربما التبس على القوم اسم مجلس “الشيوخ”، وظنوا فعلا أنهم “شيوخ”، وبالتالي عليهم القيام بتفسير عصري للقرآن، ولكن هل دور البرلمانات فعل ذلك؟ وهل من الممكن أن يُقبل الناس على تفسير للقرآن وضعه مجلس تابع للسلطة ومعظم مَن فيه جاؤوا بالتعيين؟!

وهل دور السياسيين -هذا إذا كانوا يمارسون السياسة أصلا- أن يفسروا القرآن كما تراه الدولة من وجهة نظر سلطوية، بل وأيدهم الدكتور محمد شوقي علام، مفتي الجمهورية، هذا المقترح، ووصف الأمر بأنه يتواكب مع الجمهورية الجديدة، على حد قوله.

وهذا ما قاله الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، الذي أيد المقترح، مؤكدا أن وجود تفسير بطريقة عصرية أمر محمود، وأضاف أن كُتب السنّة القديمة قامت على الاختيار، وأشار إلى أن هناك اتجاها لعمل ما يمكن وصفه “بصحيح الأزهر”.

أما الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية، عضو مجلس النواب عن ائتلاف دعم مصر، فقد أدلت بدلوها في الموضوع، وأشارت إلى أن هناك مستجدات كثيرة لم يعرفها الأوائل مثل علاقاتنا مع الآخر، مؤكدة أنه لا خوف على إسلامنا، حيث لا مانع من وضع تفسير يتماشى مع المستجدات، وقالت إن التفسيرات القديمة سوف تبقى أرشيفا للأبحاث في الدراسات العليا، واعتبرت أن الإقدام على وضع تفسير يتناسب مع العصر سيكون أمرا جبارا.

وكأن الجميع يردد نفس النغمة حاليا، ففي محاضرة عن “الدولة الوطنية وتجديد الخطاب الديني” بجامعة القاهرة، قال الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس الجامعة، إن الخطاب الديني التقليدي متعصب ومنغلق، وله طريق واحد، وبشّر الخشت بعصر ديني جديد يتم فيه العودة إلى القرآن والسنة النبوية المتواترة لإصلاح أحوال الناس من خلال الدولة الوطنية.

ولأن الناس تشك في السلطة وفيما تفكر فيه، فقد توقفوا عن وصف “تفسير عصري” واختلفوا بشأنه، حيث تخوف بعضهم مما قد يعنيه من إعادة صياغة محتملة ترتبط بعدد من القضايا الأساسية في الدين، مثل الجهاد، والردّة، وإقامة الحدود، وغيرها من القضايا التي تثير اختلافات مع الثقافة الغربية.

وتساءل البعض: ما الداعي لإعداد تفسير جديد؟ متخوفين من أن يصبح تفسير القرآن “ألعوبة في يد الحكام ويد من لا يتقون الله”، مؤكدين أن الشعوب لا تحتاج تفسيرا عصريا، وإنما تحتاج إلى حكم ديمقراطي عصري، حسب قولهم.

وهكذا أصبح المجال الديني هو المجال المفتوح للتحدث فيه بالفتوى والاقتراحات، وغيرها، أما الكلام في السياسة والديمقراطية والحريات والفساد، فقد صار غير مسموح به إلى أجل غير مسمّى!

المصدر : الجزيرة مباشر