نتائج انتخابات المغرب: انهيار “المشروع السياسي” للإخوان!

كيف تورط حزب العدالة والتنمية في التطبيع؟

 

في أحدث سلسلة الهزائم التي يتعرض لها التيار الإسلامي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي ٢٠١١ يخسر حزب العدالة والتنمية المغربي المقرب من جماعة الإخوان، خسارة مدوية في الانتخابات النيابية إذ لم يتمكن من حصد سوى اثني عشر مقعدا فقط، بعد أن كان حائزا على قرابة مائة وخمسة وعشرين مقعدا في الانتخابات الماضية، بل ويفشل رئيس الحكومة، سعد العثماني، في الاحتفاظ بمقعده

الخسارة الأحدث جاءت بطعم العلقم، إذا اختلفت عن الخسارات السابقة، حيث جاءت بإرادة شعبية ووفق انتخابات لم يشكك أحد في إجراءاتها ولا نزاهتها، عكس الإزاحات السابقة التي حدثت عبر فوهات الدبابات كما في مصر، أو وفق انقلاب ناعم كالذي رأيناه في تونس، إذ فسحت تلك التدخلات الخشنة المجال أمام تنظيم الإخوان للتملص من مسؤوليته عن الهزيمة، والهروب إلى سردية المؤامرة، ورأينا كيف نجح العقل التبريري في صياغة وترويج العبارة المشهورة: “أفشلنا ولم نفشل”.

خسارة حزب العدالة والتنمية المغربي السياسية، سبقتها خسارة أخلاقية أشد وطأة، عندما رضي أن يكون معبرا للتطبيع مع إسرائيل، واضطر رئيسه سعد الدين العثماني، إلى دهس تصريحاته وتأكيداته السابقة في تجريم التطبيع، الأمر الذي دفع الحزب ثمنه غاليا، وقد يحتاج إلى سنوات طويلة لترميم صورته الأخلاقية قبل معالجة أسباب هزيمته السياسية.

لماذا انهار المشروع السياسي للإخوان؟

أطرح هذا التساؤل وأنا أدرك تماما أنه سؤال خاطئ ومخادع! فالإجابة عليه تفترض وجود مشروع سياسي من البداية ومن ثم فشل الإخوان المسلمون في تحقيقه وهذا غير صحيح.

فالإخوان لم يمتلكوا يوما مشروعا سياسيا حقيقيا منسجما مع تحديات الدول التي نشأوا في كنفها، واستعاضوا عن ذلك برسم عبارات هلامية تدغدغ الشعور الديني لدى طائفة واسعة من الشعوب الإسلامية.

فتحدثوا عن عودة الخلافة، وأستاذية العالم، وتحرير المسجد الأقصى.. إلخ دون أن يقدموا مشروعا جامعا تلتف حوله نسبة معقولة من الجماهير ما يمكنها من تحقيق التغيير المنشود.

فعندما نجح الإخوان في الوصول إلى الحكم في مصر، لم نشعر أننا أمام مشروع سياسي فارق ومغاير، بل لا أبالغ إذ أقول إن شخصا فردا مثل حازم أبو إسماعيل نجح فيما فشلت فيه جماعة كبيرة مثل الإخوان.

فرأينا كيف ابتعد حازم أبو إسماعيل – ولست من مؤيديه – خطوات كبيرة عن المجلس العسكري الذي كان يحكم مصر آنذاك بقيادة المشير طنطاوي، ولم يسعَ إلى كسب وده، بل على العكس كان بينهما من العداوات مما هو معروف ومشهور، وبقدر هذا الابتعاد كان الاقتراب من الشعب وخاصة شريحة الشباب، الذين انجذبوا إلى مشروعه السياسي الذي لخصه في عبارة “سنحيا كراما” وهي عبارة عبقرية تعبر عن مرحلة الثورة التي كانت تبحث عن تأسيس عهد جديد.

في وقت رفع فيه الإخوان شعار: “نحمل الخير لمصر” الذي يصلح لجمعية خيرية أكثر منه لجماعة كانت تبحث آنذاك عن قيادة شعب يمني نفسه بالحرية والكرامة، كما عكست تلك العبارة تأثر الإخوان بالعمل الخيري والتكافلي الذي مارسته طويلا في المجتمع، وحققت فيه نجاحا ملحوظا، لكن على حساب تقديم مشروع سياسي مكافئ!!

فشل بناء مشروع سياسي حقيقي وواقعي قابل للاختبار ظل خيارا مفضلا للقيادات المتعاقبة على هرم الجماعة هروبا من المساءلة والمحاسبة، وبدلا من ذلك هربت الجماعة إلى سردية الصراع بين الإسلام والكفر، وتوظيف نصوص القرآن التي تتحدث طبيعة ذلك الصراع وآلياته وابتلاء المؤمنين ووجوب الصبر وعدم الجزع، ورأينا كيف احتلت قصة أصحاب الأخدود مركزية كبيرة لدى الجماعة – بل وعموم الإسلاميين – للتبرير لأي فشل، والترويج أن الانتصار المادي غير مهم فقد يباد جميع “المؤمنين” دون أن يحققوا ذلك الانتصار، بل وعده سيد قطب الانتصار الحقيقي للمؤمن في الحياة الدنيا!

وبهذا الخلط بين المفاهيم – قصدا أو جهلا – تم تمرير العديد من الأزمات التي حدثت بسبب أخطاء فادحة من القيادة، والتغاضي عن عدم وجود مشروع سياسي يتم الاحتكام إليه ومحاسبة القائمين على تنفيذه.

ما بين الإخوان وأردوغان وطالبان

مع الاعتراف بخصوصية تجربة أردوغان في تركيا، وطالبان في أفغانستان وما بينهما من فوارق كبيرة، لكن المقارنة أراها ضرورية لتبيان كيف نجح الطرفان في تحقيق الأهداف المحددة على ضوء المشروع السياسي الذي خطه كل طرف منهما

فأردوغان بنى مشروعه على دعامتين أساسيتين وهما:

–       تحقيق التنمية الشاملة في جميع المجالات الاقتصادية والصحية والاجتماعية والتعليمية …إلخ

–       وتخليص تركيا من الوصاية الخارجية بالقضاء على اللوبيات الداعمة لها داخل وخارج تركيا

ومن يعرف قوة وشراسة الجماعات والتنظيمات الداعمة للوصاية الخارجية على تركيا، يدرك تماما أن أردوغان خاض – ولا يزال – معركة صعبة كادت أن تكلفه حياته أو حريته أكثر من مرة، كما فعلوا مع رئيس الوزراء الراحل/ عدنان مندريس الذي أعدموه بكل قسوة، والرئيس الراحل/ تورغوت أوزال الذي مات مسموما، ورئيس الوزراء الراحل/ نجم الدين أربكان الذي دبروا ضده انقلابا ناعما.

كان من غير الممكن أن يستمر أردوغان في تنفيذ مشاريع التنمية دون مواجهة قوى الوصاية لأنها لم تكن لتتركه، كما أنه لم يكن من غير المعقول أن يقنع الشعب بالدخول في صراعات داخلية وخارجية دون توفير متطلبات المواطن من تعليم وصحة ومسكن وبنية تحتية وخلافه.

أما طالبان فقد بنت مشروعا واضحا منذ عشرين عاما، وهو طرد المحتل الأمريكي وحلفائه من الأراضي الأفغانية وخاضت صراعا عسكريا صعبا، كللته بمفاوضات شاقة احتضنتها قطر لمدة عام ونصف تقريبا قادها باقتدار الملا عبد الغني برادر الذي نجح في إبرام اتفاق الانسحاب.

وأظن أننا بحاجة إلى معرفة تفاصيل وكواليس هذه المفاوضات لنعرف كيف تمكن برادر الذي لا يرتدي بدلة أنيقة ولا رابطة عنق ولا يسبق اسمه لقب دكتور أو مفكر، كيف تمكن من إدارة هذه المفاوضات، وكيف لم يتنازل عن مبادئ حركته ولم يفرط في تضحياتها التي وصلت إلى قرابة خمسين ألف قتيل، رغم أنهم كانوا قد أتوا به حينها من السجن في باكستان حيث كان معتقلا منذ عام ٢٠١٠ إلى طاولة المفاوضاتـ ورغم ذلك كان لديه وضوح وثبات في السعي لتحقيق أهداف المشروع النضالي ما لم نره عند تنظيمات أخرى كبيرة.

نحن إذن إزاء مشروعين رغم ما بينهما من اختلافات حدية، إلا أنهما حققا نجاحات واضحة في بناء رؤية للتغيير عبر امتدادات مكثفة داخل المجتمعين التركي والأفغاني.

فيما فشلت جماعة الإخوان – التي يحلو لبعض أتباعها وصفها بالجماعة السياسية الأكبر عالميا – في بناء مشروع سياسي رغم الفرصة الهائلة التي أتيحت لها مع حلول الربيع العربي، وحيازتها ثقة النسبة الأكبر من الشعوب.

ويبقى السؤال الأهم.. ماذا بعد؟

أثبتت سنوات الانكشاف على الرأي العام أن استمرار الجماعة في ممارسة السياسية لا يعني سوى مزيد من الفشل واستنزاف السمعة، ولم يعد من سبيل للخروج من هذه الفوضى إلا بالعودة إلى التربية والإصلاح، والاكتفاء بهما، عبر تنظيم أكثر تواضعا لا ينظر إلى نفسه على أنه فوق الدولة والمجتمع بل والعالم بأسره!!

المصدر : الجزيرة مباشر