ملاحظات على أداء صندوق تحيا مصر

فى نوفمبر 2014 صدر قانون بإنشاء صندوق تحيا مصر، صندوق ذو طبيعة خاصة يتبع رئيس الوزراء، ويتمتع بصفة خاصة برعاية رئيس الجمهورية، لمعاونة الدولة فى إقامة مشروعات خدمية وتنموية، مع عدم سريان قوانين الضرائب على الدخل والدمغة ورسم تنمية الموارد عليه، وإعفاء عوائده والتسهيلات الإئتمانية التى يحصل عليها من جميع الضرائب والرسوم.

وقام الجنرال المصري بعقد اجتماع مع عدد من رجال الأعمال لحثهم على التبرع له بعدها مباشرة، قالت عنه الصحف المحلية حينذاك أنه اجتماع الخمس الساعات الذي أسفر عن جمع تبرعات للصندوق بقيمة خمس مليارات من الجنيهات، كما ذكرت هذه الصحف أنه خلال شهر واحد من إنشاء الصندوق بلغت قيمة تبرعاته 6.55 مليار جنيه، منها مليار جنيه تبرع من القوات المسلحة.

إلا أنه بعد سبعة أشهر من قانون إنشاء الصندوق، صدر قانون آخر بإنشاء الصندوق أضاف بعض التعديلات على القانون السابق، أبرزها مادة خاصة بتحديد رئيس الجمهورية بقرار منه أساليب الإشراف على الصندوق وتصريف شؤنه المالية والإدارية ودون التقيد بالنظم الحكومية المنصوص عليها في أي قانون آخر. الى جانب النص على إعداد الصندوق قوائم مالية سنوية وقوائم مالية ربع سنوية.

وتم اختيار محمود عبد اللطيف رئيس بنك الاسكندرية مديراً تنفيذياً للصندوق، الى جانب مجلس أمناء الصندوق المكون من عدد من الوزراء وشخصيات عامة إختارها رئيس الجمهورية منهم ثلاثة رجال أعمال برئاسة رئيس الوزراء، لكن عبد اللطيف الذي أراد أن يتجه لاستثمار أموال الصندوق وإنفاق العائد على المشروعات الخيرية، لم يرض عن الأسلوب الذي يتم به إنفاق الموارد فقدم استقالته، ليحل محله محمد عشماوى رئيس المصرف المتحد.

 بعض شيكات التبرعات بلا رصيد

وقال عشماوى بعد توليه بأسابيع أنه حاول أن يطلع على قائمة رجال الأعمال المتبرعين للصندوق لكنه لم يتمكن من ذلك، وقال وقتها أن بعض شيكات تبرع رجال أعمال كانت بلا رصيد، وبرر عدم إفصاح الصندوق عن إيراداته ومصروفاته بعدم تكوين الجهاز الإدارى ووعد بإعلانها، لكنه بعد مرور سبع سنوات على إنشاء الصندوق لم تصدر أي بيانات مالية عنه حتى الآن، رغم نص قانون إنشاءه على إعدادها.

وكان القانون قد نص على قيام مكتب للمراجعة بمراجعة القوائم المالية ويقدم تقريره الى مجلس الأمناء الذي يتولى عرضه على رئيس الجمهورية، وهكذا لم ينص القانون على نشر القوائم المالية رغم أنه من حق المتبرعين للصندوق أن يطمئنوا على مجالات صرف أموالهم، حيث لا يعرف أحد عدد موظفى الصندوق وقيمة الأجور التى يتقاضونها، ومكافآت قيادات الصندوق وأعضاء مجلس الأمناء حتى يتم معرفة نسبتها من المصروفات.

كما لا يعرف أحد قيمة الموارد التى وردت للصندوق سوى من خلال بعض التصريحات الصحفية لمدير الصندوق، الذى ذكر فى مارس 2016 أنها أكثر من 7 مليار جنيه تم صرف 4.7 مليار جنيه بعضها إتجه لمشروعات خيرية والجزء الأكبر قام الرئيس بسحبه للصرف على الصرف الصحي ومشروعات سكنية، وفى نهاية عام 2017 قيل أن موارده بلغت 9.5 مليار جنيه، وبعدها لم يتم الإعلان عن حجم الموارد خاصة مع تغيير المدير التنفيذي في فبراير 2018.

وظلت معرفة المصريين بأوجه الصرف للصندوق قاصرة على بعض الأخبار المتفرقة بالصحف التى يتم إعادة نشرها بالموقع الإلكتروني للصندوق، حتى أعلن المدير المالى والإدارى للصندوق فى يوليوتموز الماضى قائمة إنجازات الصندوق بمناسبة مرور سبع سنوات على إنشائه، وهي التى حددها فى ست محاور هى : الرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية، والتنمية العمرانية ، والتنمية الاقتصادية، ودعم التعليم والتدريب ومواجهة الكوارث والأزمات .

500 حضانة للأطفال في 11 مستشفى

وبإستعراض تفاصيل المشروعات والمبادرات التى تمت داخل تلك المحاور خلال السنوات السبع نجد داخل الرعاية الصحية : مكافحة فيروس سى ، وحضانات الأطفال المبتسرين بعدد 500 حضانة فى 11 مستشفى ، ورعاية مرضى الفشل الكلوى بتوفير 1159 ماكينة غسيل و400 كرسى مريض ،  ومبادرة نور حياة لعلاج العيون والتى جهزت أقسام الرمد فى عشر مستشفيات ، والقوافل الطبية الشاملة التى تمت فى خمس مدن ، وعلاج الضمور العضلى للأطفال .

وفى مجال الحماية الإجتماعية نجد مبادرة دكان الفرحة الخاص بتوفير ملابس مجانية بالجامعات، التى إستفاد منها 120 ألف طالب فى ست جامعات بحصول كل طالب على ثلاث قطع ملابس مجانا، ومبادرة شتاء آمن بتوزيع 180 ألف بطانية، وتجهيز الفتيات الفقيرات للزواج بتجهيز ألفى فتاة، ومبادرة سجون بلا غارمين التى استفاد منها 6400 غارم وغارمة بقيمة 42 مليون جنيه، ومبادرة بالهنا والشفا التى توفر الدعم الغذائى لعدد 8 ملايين مواطن سنويا، ورعاية ذوى الهمم بالمساهمة فى صندوق عطاء الخيرى الذى يتجه ريعه لرعاية المعاقين ، ومبادرة إحنا معاك المتجهة للأطفال بلا بمأوى والمشردين من كبار السن ، ومبادرة وعى لتنفيذ برامج للتأهيل لصحة الأم والتربية والنظافة .

ونتوقف هنا قبل إستكمال مكونات باقى المحاور حيث إن عدد الفقراء حسب الإحصاءات الرسمية أكثر من 30 مليون مواطن، وبالتالى فإن توفير 8 مليون كرتونة غذائية على مدار العام أمر قد يكفي احتياجات هؤلاء لٌأقل من أسبوع.

وهنا نذكر قيام الجمعية الشرعية في فترة الرئيس مبارك بتوفير مليون شنطة غذائية في شهر رمضان، بخلاف نشاطها بالأعياد ودخول المدارس وغيرها من المناسبات بالغذاء والملابس والأدوات المدرسية، ولحوم عيد الأضحى والمساعدات المادية وتجهيز الفتيات اليتيمات للزواج.

التوظيف السياسي لمشروعات الصندوق

كما أن عدد البطاطين الموزعة يمثل نسبة محدودة من عدد الفقراء، وضعف المساهمة فى تلبية احتياجات المعاقين البالغ عددهم حوالي 12 مليون شخص، وقلة عدد الغارمين الذين تم معاونتهم طوال السنوات السبع، مع الأخذ فى الإعتبار أن محتويات الكراتين الغذائية يتم إحضار الجانب الأكبر منها من خلال التبرعات العينية للشركات الغذائية الخاصة ونفس الأمر بالنسبة للبطاطين

أما المحور الخاص بالتنمية العمرانية فيتضمن رفع كفاءة المنازل في القرى بتبليط الأرضيات وترميم الحوائط وعمل الأسقف لعدد عشرة آلاف منزل في 332 قرية، وعمل إحلال وتجديد لشبكات المياه فى ثلاث قرى فقط ونكرر الرقم ثلاث قرى، وتنمية بعض قرى مركز نصر النوبة بأسوان، وإحلال وتجديد منطقة حكر جرجس والعسال بشبرا بعدد 123 منزلا، وتطوير قرية سيدي عبد الرحمن ومشروع مدينة تحيا مصر بالأسمارات بالقاهرة وبشائر الخير بالإسكندرية.

وهنا لم يذكر بيان الصندوق أن مشروع تطوير منطقة حكر جرجس والعسال بشبرا قام بتمويله اتحاد البنوك، ومشروع تطوير قرية سيدى عبد الرحمن قامت به شركة إعمار الاماراتية بنحو 60 مليون جنيه ، كما ساهمت شركات خاصة فى رفع كفاءة المنازل بالقرى التى أشار إليها بيان الصندوق  .

ويكشف المحور الرابع الخاص بالتنمية الإقتصادية عن ضعف المساهمة فى توفير فرص العمل، والتى اقتصرت على توفير ألف تاكسى للشباب، وتوفير عربات النقل المبرد والعادى التى إستفاد منها 1250 شابا ، ومشروع تنمية الحرف اليدوية من خلال توفير ألف نول للسجاد والاكليم ، ومبادرة بر أمان بتوفير أدوات الصيد  لعدد من الصيادين .

ونفس الأمر بمحور دعم التعليم والتدريب الذى تضمن مبادرة بالعلم نستطيع بتطوير معامل 3 كليات للطب ، ودعم جامعة زويل للعلوم والتكلنولوجيا وبرنامج المعلمون أولا بتدريب عشرة آلاف معلم من إجمالى 902 ألف مدرس بالمدارس الحكومية .

وتضمن محور مواجهة الكوارث والأزمات مساعدات للمتضررين من السيول بالبحيرة قبل سنوات، وفى أزمة وباء كوونا تقديم دعم طبى لعدد 48 مستشفى للعزل، والمساهمة فى المستشفى الميدانى بجامعة عين شمس ، والمساهمة فى مبادرة إعمار غزة بقافلة إغاثة تضمنت سلع غذائية وملابس وأدوية ومواد بناء ، مع الأخذ فى الإعتبار أن كل تلك السلع من تبرعات الشركات الخاصة ، ودور الصندوق هو تجميعها وتوصيلها من خلال سيارات تحمل شعاره !

الخلاصة أن عدد المناطق العشوائية التى إستفادت من الصندوق قليل، وعدد القرى التى إستفادت من الصندق قليل أيضا، وعدد النساء المُعيلات اللاتى استفدن من الصندوق قليل، ولهذا لم يساهم الصندوق فى خفض نسبة الفقر على مستوى البلاد التى ظلت مرتفعة عما كانت عليه قبل إنشاء الصندوق حسب البيانات الرسمية.

والأخطر من ذلك هو التأثير السلبي للحث على التبرع للصندوق، على حساب التبرع لباقي الجمعيات الأهلية على مستوى البلاد وهي التى تتصل بالمحتاجين مباشرة، والتى قلت مواردها وتراجع نشاطها حتى أن البعض منها أغلق مقاره.

كما أن التبرع للصندوق من قبل رجال الأعمال لم يمنع من حبس بعضهم كما حدث مع صفوان ثابت وحسن راتب والسويركى وصلاح دياب، كما يتم توظيف أموال الصندوق سياسيا لمصلحة النظام الحاكم رغم أن موارده جاءت من المواطنين.

المصدر : الجزيرة مباشر