طالبان.. جند الله في المعركة الغلط!

قليلة هي الكتب الجادة علميا التي تناولت حركة (طالبان) بإنصاف بعيدا عن التهوين أو التهويل، وبخاصة فيما كتب باللغة العربية، وقد صدرت من قبل بعض كتب عنها، كان أشهرها – بلا ريب – كتاب الأستاذ فهمي هويدي، والذي كان عنوانه معبرا عن طالبان وقتها، من حيث صدق نواياها، رغم أخطائها، فجعل عنوان كتابه: طالبان.. جند الله في المعركة الغلط، وامتاز الكتاب بأنه كان تصويرا لطالبان من قبل الحدث، فهو عن زيارة ميدانية، وقراءة لأفكارها وطريقة ونمط حياتها، في الزيارة المشهورة والتي كانت سنة 2001م، والتي كتبنا عنها مقالنا السابق بعنوان: (القرضاوي وزيارة طالبان في قندهار وتماثيل بوذا).

ورغم أن طالبان في تجربتها الأولى، أعادت الأمن والاستقرار إلى البلاد بشكل ما، غير أن ذلك الإنجاز لا يجوز التباهي به طويلا

وقد سبق كتاب هويدي، كتابان باللغة العربية، كانا من باب التحليل السياسي والعلمي لطالبان، أولهما: لكاتب سياسي وعلمي أفغاني يتقن العربية، وهو بعنوان: طالبان من حلم الملا إلى إمارة المؤمنين، لحفيظ الله حقاني، والكتاب الآخر: للأستاذ توفيق غانم، الصحفي المصري المعتقل حاليا في السجون المصرية، وقد كان وقت كتابة الكتاب: رئيس تحرير مجلة (قضايا دولية)، كما توفرت مادة مهمة كذلك عن طالبان في أرشيف مجلة (قضايا دولية)، والتي كانت تصدر عن مركز الدراسات السياسية بإسلام آباد، والتي تناولت في عدد وفير من أعدادها طالبان، وذلك مبكرا، قبل وصولها للحكم، وقبل دورها السياسي الذي اختلف عليه.

لا يتوافر في المكتبة العربية، أو شبكة الإنترنت سوى كتاب هويدي حاليا للأسف، لأن في الكتابين السابقي الذكر معلومات ميدانية ومهمة عن طالبان، وقد كانت عندي نسخة من الكتابين، لكنها بعيدة عن يدي الآن، ولذا سوف نتناول كتاب الأستاذ فهمي هويدي، وإن صدر منذ فترة قريبة كتاب للأستاذ أحمد موفق زيدان عن طالبان، وقد كان زيدان مراسلا للجزيرة في باكستان، ويتابع نشاط وأحداث طالبان، ولا شك سيكون للكتاب قيمته فيما أتوقع.

يعتقد هويدي أن زيارته لطالبان تجربة مفيدة للغاية، من حيث إنها تقدم نموذجا للكثير مما ينبغي الحذر منه وتجبنه في التطبيق الإسلامي. كما أنه لاحظ شيئا مهما في التاريخ الأفغاني المعاصر بجميع مراحله، فإنه قد أصبح بمثابة صفحات مجللة بالحزن والإحباط، الذي اختلف في الدرجة فحسب، ولم يختلف في النوع قط. ورغم أن طالبان في تجربتها الأولى، أعادت الأمن والاستقرار إلى البلاد بشكل ما، غير أن ذلك الإنجاز لا يجوز التباهي به طويلا، وذلك لسبب جوهري هو: أن القبور هي أكثر الأماكن أمانا واستقرارا في العالم، والفرق بينها وبين مجتمع الأحياء، أن القبور وضع نهائي، والمجتمعات وضع مؤقت لا يستمر طويلا.

راعى هويدي في تقييم تجربة طالبان أنه لا يتحدث عن إخلاصهم وحسن نيتهم، وغيرتهم على الإسلام، فذلك كله يشفع لهم يوم القيامة بإذن الله، وحسابه يوم الحساب، أما في ميزان الدنيا فلا يشفع بحال، ما دام الإنجاز على الأرض لا يكمل هذه النية الحسنة بعمل صحيح، وتقدم ونمو ملموس، ففي أعمال الدنيا الحساب ليس على النوايا بل على الأعمال ونتائجها.

الأخطاء العشر لطالبان:

استخلص هويدي مآخذ أو أخطاء مهمة من تجربة طالبان الأولى، يمكن أن نسميها: الأخطاء العشر لطالبان، حسب رصد هويدي لها، كانت كالتالي:

1ـ أنها بدأت مشروعها لإصلاح المجتمع بعد تولي السلطة، أي من فوق، وكانت وسيلتها في ذلك هي الإجراءات المتمثلة في الأوامر والنواهي والزواجر. فلم يبدأوا من المجتمع من حيث التثقيف والتربية والرعاية.

2ـ ولأنهم بدأوا مشروعهم من فوق، فلم يكن للناس خيار، وبرغم أن الشعب الأفغاني مسلم متدين، إلا أن الفرض الفوقي للنظام الإسلامي له خطورته التي قد تدفع الناس في بعض الأحيان إلى التصرف برد فعل معاكس.

3ـ أيضا يلاحظ في تجربتهم: غياب الشورى، فلم يحدث أن اختار الشعب الأفغاني أمير طالبان، وقد كان وقتها الملا محمد عمر، وقد لقبوه بلقب: (أمير المؤمنين)، الذي ربما اختاره زملاؤه أو زكته الجهات الأخرى في الحركة، وظل صاحب الكلمة الأخيرة في كل شيء، صغيرها وكبيرها، الأمر الذي ألغى المجتمع بأسره، وألغى دور النخبة المفترضة.

4ـ حاولت طالبان سابقا استنساخ شكل الدولة الإسلامية الأولى في صورتها المبسطة، واعتبروها النموذج المحتذى، والذي ينبغي القياس عليه، وهو خطأ، لأن المجتمعات تتطور، والحكم من أكثر المؤسسات تطورا، وهو ما لم تراعه طالبان آنذاك.

5ـ احتكرت طالبان السلطة، وأهدرت الشروط الواجب توافرها في الحاكم، وأسقطت التعددية الثقافية والسياسية من الحسبان، ولم تقبل شريكا معها في الحكم من القوى الأخرى المكونة للمجتمع الأفغاني.

6ـ تصدت طالبان للفتوى بغير علم، وألقوا بأنفسهم في غمار السياسة دون خبرة أو خلفية، وكان نتيجة ذلك أن أصيب المجتمع بالشلل التام، علميا وسياسيا، وقد كانت فتاواهم فتاوى ترجع لكتب الفقه التراثي، أو الفقه السياسي التقليدي، وهو ما لا يتناسب مع أحداث وتطورات الزمن الآن، رغم أهمية الكتب التراثية في مجالها وسياقها.

7ـ عدم خبرتهم بالفتوى وقلة بضاعتهم في العلم الشرعي، وانعداتم خبرتهم بالحياة العامة وشؤون السياسة بوجه خاص، أوقعهم في خطأين أساسيين: اختلال ميزان ترتيب الأولويات سواء الدينية أو السياسية. والخطأ الثاني: أنهم أرادوا حمل الناس على ما اعتبروه خيرا دفعة واحدة، دون تدرج. وهو ما جعل شريحة أو شرائح من الناس تمل من طريقة حكمهم.

8ـ تبنوا في قضية المرأة وفقهها، أشد الآراء، وأكثرها تضييقا، وبخاصة في قضايا مشاركة المرأة في الحياة العامة والعلمية، وعندما سمحوا بتعليم الفتيات التمريض والطب، فقد كان ذلك نابعا عندهم من باب: الضرورات تبيح المحظورات، وليس لأن المرأة عنصر فعال في المجتمع، ولا بد من مشاركتها في قضاياه.

9ـ في موقفهم من الفنون كانوا متشددين بصورة لا تتناسب مع إدارة دولة، ودولة حولها مشكلات ومصاعب كأفغانستان، وهو ما اتضح في قضية التماثيل، والتي نالت اهتماما إعلاميا عالميا، مما سبب مشكلات لطالبان مع عدد من الدولة الغربية وغيرها.

10ـ نجحت طالبان في إزهاق الباطل، ولكنها لم تنجح في إقامة الحق، فقد أنهت معظم الصراعات التي سبقتها، وبخاصة الصراعات المسلحة التي مزقت المجتمع الأفغاني، فأنجزت في إنهاء الفرقة والفساد بقدر ما، لكنها لم تستطع أن تقيم الحق المنشود الذي يؤمن المواطن على مستقبله، أو يجعله يحيا حياة كريمة بشكل مستقر.

هذه أهم ملاحظات هويدي على طالبان في زيارته سنة 2001م، وهي سرد مهم ودقيق لحال طالبان وقتها، وقد ذكرتها لتتم بها فائدة ذكر رحلة القرضاوي والعلماء والمفكرين لطالبان، حيث إن هويدي قام برصد الرحلة كاملة، ثم عقب بملاحظاته على التجربة، وهي مفيدة في فهم طالبان الآن، من حيث المقارنة بما مضى، والنظر فيما هو قادم، ولا يعني ذلك: أن ما ذكرته في مقالي عن القرضاوي، أو كتاب هويدي، أنه الكلمة الأولى والأخيرة عن طالبان، فطالبان حركة تطورات عن تجربتها السابقة، بدرجة ما، كبرت أو صغرت، ولذا من المهم إكمال الصورة ببقية ما كتب عنها، ورصد ما حدث داخل طالبان من فكر في الآونة الأخيرة.

 

المصدر : الجزيرة مباشر