فقاعة الصين وتأثيرها على العاصمة الإدارية الجديدة بمصر!

شهدت أسواق العالم آثار فقاعة السوق العقاري في الصين، حيث تحولت شاشات البورصات العالمية إلى اللون الأحمر، لعدة أيام، بسبب عدم تدخل حكومة بيجين في إنقاذ شركة إيفرغراند ثاني أكبر شركة عقار في العالم من الانهيار.

ولم يرجع اللون الأخضر إلى شاشات البورصات بداية من الصين وهونغ كونغ واليابان مرورا بدول الخليج والقاهرة ثم لندن ونيويورك إلا بعد أن سددت الشركة 36 مليون دولار الأربعاء الماضي من فوائد قروض حملة السندات من إجمالي ديون مستحقة على الشركة ارتفعت الأسبوع الماضي إلى 310 مليارات دولار وهي الأعلى عالميا في تاريخ ديون الشركات.

حدثت مذبحة في سوق الأسهم والسندات الإثنين الماضي تحديدا، بما أدى إلى انهيارها في بورصة القاهرة لخمس جلسات متتالية.

محطة للصينيين

وقد يتساءل البعض ما علاقة مصر أو دبي بما يحدث داخل الصين وهو بلد كبير صاحب اقتصاد قوي يمكنه أن يحل مشاكله، بينما نحن نعيش في أسواق وظروف مختلفة؟

فأسواق المال تتحرك وفق آليات كثيرة، ومنها أنها تسير وفقا لنظرية الأواني المستطرقة. فإذا انتشرت النار في سوق كبير مثل الصين فبالتأكيد سيتطاير شررها في باقي الأسواق، مثلما تسري النار في الهشيم.

فيكفي أن دبي تحولت مؤخرا إلى محطة مركزية للصينيين والاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط، وأن النظام المصري يمني الناس بالرخاء والعيش على أمل الانتهاء من بناء العاصمة الإدارية الجديدة، حيث تعتبر المشروعات الصينية هي العمود الفقري في المدينة.

وتضم المشروعات الصينية البرج الأيقوني ويحيط به عشرون مبنى تجاريا وإداريا للوزارات ومدينة المال والأعمال “كابيتال بارك”. تنفذ هذه المشروعات أكبر شركة مقاولات في العالم، وهي CSCEC   الصينية وتعمل في الوقت ذاته على توفير القروض من البنوك الصينية، والتي بدورها تتعرض لأزمة مالية كبرى بسبب كارثة شركة إيفر غراند، الشقيقة الصغرى لشركة بناء البرج الأيقوني.

كما أصبحت شركة البناء هذه تخضع لـ” الخطوط الحمراء الثلاثة” التي وضعتها الحكومة الصينية بشأن تمويل المشروعات العقارية في داخل وخارج الصين، والتي تقضي بخفض نسب القروض ورفع الائتمان للمشروعات العقارية.

ورغم أن الشركة تدير أصولا قيمتها نحو تريليون دولار، فإن شركة إيفر غراند تخطت قيمة المشروعات التي كانت تديرها في 200 مدينة كبرى نحو تريليون دولار أيضا، مع ذلك لم تستطع الحكومة الصينية تعويمها حتى الآن بما أدى إلى تراجع قيمة سهمها بنسبة 90٪ خلال أشهر، وكل ما تسعى إليه الحكومة حاليا الحصول على سيولة من بيع باقي أصولها تكفي لاستكمال بناء مليون و 600 ألف وحدة سكنية، تأخرت الشركة في تسليمها للمواطنين منذ سنوات، لوقف المظاهرات التي انتشرت من حملة الأسهم وأصحاب الوحدات في انحاء البلاد.

مضاربات هائلة

فالصين تواجه أزمة في أسواقها، التي جاءت بعد مضاربات هائلة في سعر الأراضي والوحدات بسبب مافيا الفساد في المؤسسات المحلية وبعض المسؤولين في الحزب الشيوعي والطبقة الوسطى المرتبطة بالحزب التي تجاهلت بوادر الفقاعة لرغبتها في تحقيق الثراء السريع من المضاربة في العقار، الذي يمثل نحو 30٪ من الناتج الكلي لاقتصاد الصين. تسبب الأزمة في مشاكل صعبة للصين دفعتها إلى إعادة تشكيل اقتصادها، بإبعاد الناس عن التوسع في ملكية الشقق الشاغرة، ودفعهم نحو المزيد من الإنفاق الاستهلاكي، مع رفع الضرائب لتحل محل قيمة الأراضي التي تحتكر الدولة ملكيتها وبالغت في أسعارها. وطلبت السلطات الصينية من الحكومات المحلية الاستعداد للانهيار المحتمل لشركة “إيفر غراند”، ووضعت الهيئة التنظيمية الصينية قيودا للحد من الديون المتزايدة، بعد أن أصبحت وفقا لتقارير بنك التسويات الدولية، واحدة من 3 دول فقط أضافت ديونا تزيد عن 100٪ من الناتج المحلي منذ عام 2011، تبلغ نحو 23 تريليون دولار.

أدت الأزمة إلى انخفاض أسعار العقار بشكل حاد، ولم يعد لدى الحكومة رغبة في بناء المزيد من ناطحات السحاب التي كانت تتفاخر ببنائها على جوانب الطرق المؤدية للمطارات وقلب المدن الكبرى بما يفوق تعدادها ما بنته الولايات المتحدة وأوربا في قرن بأكمله، وهناك توجه لوقف تمويل العقارات ومشروعات الطرق والبنية التحتية والسكك الحديدية، وتوجيه الأموال إلى مشروعات التعليم والخدمات والصناعات البديلة والتكنولوجيا الفائقة.

التأثير على السوق العربي

هذه التغييرات الكبيرة ستؤثر حتما في السوق العربي الذي يعتمد على تصدير المنتجات الخام كالبترول والغاز ودولة كمصر لا تصدر سوى قدر قليل من البترول والألمونيوم الخام وكثير من خامات الرمال والرخام ومواد البناء التي لن يحتاج إليها السوق الصيني، بما يرفع من قيمة العجز في الميزان التجاري العربي والمصري لصالح الصين، وينافس المنتجات المصرية المشابهة التي تأثرت بالفعل بهبوط أسعارها ووفرتها في السوق الدولية والمحلية خلال الأسبوع الماضي.

بنظرة فاحصة للفقاعة العقارية الصينية نجد أننا نعيشها بتفاصيلها المـُرة هذه الأيام، كما عرفتها أسواق الصين. فالأزمة لم تكن صنيعة اليوم، فإن كانت دبي وهي أهم سوق عقاري عربي مازالت تعيشها منذ الأزمة المالية عام 2008 حيث تعاني الأسواق انخفاضا في الأسعار بنسبة تصل إلى 35٪ عن مثيلتها قبل هذه الأزمة، فالعاصمة الجديدة في مصر على وجه التحديد، تصنع أكبر فقاعة عقارية في تاريخ مصر. فطبقا لمؤشرات الأسعار التي كانت مطبقة في السوق العقاري والتي كانت ترتفع بنسب لا تزيد عن 15% سنويا، أصبحت تشهد مضاربات خيالية، لا تتفق مع الواقع الاقتصادي ولا التكاليف التي تنفقها شركات المقاولات والجهات المالكة.

البديل الصيني

فنحن شهدنا أن الشركة الصينية التي حصلت على حق إنشاء البرج الأيقوني ومباني الوزارات، عندما دخلت كبديل للشركات الإماراتية التي انسحبت من تمويل وبناء مشرعات العاصمة عام 2016، طلبت في البداية 3700 دولار ثمنا لتكلفة بناء المتر المربع، في هذه المنشآت.

وبينما قبلت الحكومة العرض مقابل أن تأتي الشركة به كقرض ميسر من البنوك الصينية، بلغت قيمته في حينه 1.2 مليار دولار، رفض رئيس الدولة العرض الصيني، وطلب من شركة المقاولون العرب وشركات الجهات السيادية بتنفيذه.

توقف المشروع لمدة عام بسبب عدم قدرة الشركات المصرية على تنفيذ البرج بالتمويل والمواصفات المطلوبة، فعادت الحكومة للتفاوض مع الجانب الصيني، على أن يوفر المبالغ المطلوبة، وعلى أن يقتسم الطرفان العوائد من قيمة البيع، وهو ما رفضته الشركة الصينية في البداية باعتبارها شركة مقاولات وليست مطورا عقاريا على دراية بأسواق مصر والشرق الأوسط.

وأمام إصرار الجانب المصري على ذلك ارتفعت تكلفة المشروع إلى نحو 3 مليارات دولار كما يذكر الدكتور مصطفي مدبولي رئيس الوزراء. ورغم تأثر تنفيذ المشروع بانتشار وباء كورونا إذ إن الشركة المنفذة يقع مقرها الرئيسي على بعد عدة كيلو مترات من مركز انتشار الوباء في الصين، في مدينة ” ووهان” وتصر على أن يقوم مهندسوها وعمالها الصينيون بإقامة الأبراج، بما أدى إلى ترحيل مواعيد افتتاح مشروعات العاصمة الجديدة لأكثر من عام ونصف العام حتى الآن، إلا أن المضاربة في أسعار العقار زادت بحدة، حتى شهدنا في مزايدة أخيرة بيعا للمتر المربع في ” كابتل بارك” المواجهة للبرج الأيقوني بمبلغ 210 آلاف جنيه. هذه الزيادة الضخمة في الأسعار حملت موجة تضخمية ومضاربات طالت كافة أسواق العقار في العاصمة والمدن الجديدة من 6 أكتوبر حتى العلمين ودمياط والمنصورة وغيرهم. في الوقت نفسه هناك حالة ركود في السوق بصفة عامة، لدرجة أنها لم تستجب لمبادرة الحكومة بتوجيه 100 مليار جنيه من البنوك لتمويل سوق العقار، بالإضافة إلى الديون المتراكمة لدى الحكومة وشركاتها للمقاولين وفوضى السوق لغياب قانون المطور العقاري.

هذه المظاهر شاهدتُها في الصين، خلال زياراتي المتكررة على مدار عشرين عاما، فقد ارتفع المتر المربع في داخل بكين من 500 دولار إلى 60 ألف دولار في أقل من 10 سنوات، لنفس المستوى الإنشائي.

ويزيد عن ذلك في المناطق الحيوية والأكثر تكنولوجيا في كافة المدن الكبرى خاصة شانغهاي وبكين وجوانزو وشينزن. فرغم خشيتنا من أن الشركة الصينية لن تكون قادرة على استكمال تمويل مشروعات العاصمة لأسباب تخصها في بلدها، فإن الخوف الأكبر من أن تساهم الحكومة في احتكارها لسوق البناء في رفع قيمة الأراضي والعقارات في العاصمة وغيرها إلى تفجير الفقاعة العقارية بما يهدم استثمارات تساهم بنحو 60٪ من الناتج الكلي للاقتصاد المصري.

المصدر : الجزيرة مباشر